تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
التوعية التأمينية
تاريخ التأمين

إن نظرنا إلى المخاطرة على أنها جمرة كامنة يمكن أن تتسبب في أي وقت بإشعال حريق، يصبح التأمين عندها الوسيلة لإطفاء هذا الحريق.
البلدان ومواطنوها بحاجة إلى توزيع المخاطر بين أعداد كبيرة من الناس ونقلها إلى كيانات يمكنها معالجتها: من هنا ظهر التأمين.
شريعة الملك حمورابي
لقد وُجد مفهوم التأمين – توزيع المخاطر – منذ أن وجدت البشرية. فقد كان الناس يصطادون حيوان الأيل الضخم وهم ضمن مجموعة كبيرة من الأشخاص خوفاً من أن يتعرض أحدهم لخطر  بقر بطنه حتى الموت، كما كانوا ينقلون بضائعهم ضمن عدة قوافل خوفاً من أن تتعرض كامل الشحنة للسلب من قبل قبيلة ما. لقد كان الخوف من المخاطر موجوداً بشكل دائم بين الناس.
ظهرت أول بوليصة تأمين في العصور الماضية على المسلة البابلية التي حفرت عليها شريعة حمورابي. فقد كانت هذه الشريعة واحدة من الأشكال الأولى للقوانين المكتوبة التي كانت متشددة في معظم النواحي إلا أنها أوجدت أسساً للتأمين ومنها عدم اضطرار المَدين لتسديد دَينه إذا تعرض لكارثة شخصية جعلت من هذا التسديد أمراً مستحيلاً كالوفاة أو العجز أو الفيضان.
تغطية النقابة
كان الحرفيون في العصور المظلمة والوسطى يتلقون تدريباتهم من خلال نظام النقابة، وكان المتدربون منهم يمضون طفولتهم بالعمل لدى معلميهم مقابل مبالغ زهيدة أو حتى بدون مقابل. وبعد ذلك وعندما يصبحون هم المعلمين كانوا يدفعون ما عليهم من استحقاقات للنقابة ويقومون بدورهم بتدريب الصناع غير المهرة. لقد احتفظت النقابات الأكثر ثراء بصناديق كبيرة تم اعتبارها في حينه كصناديق تأمين يتم إيداع الأموال فيها لاستخدامها فيما بعد في إعادة بناء الأكواخ الخشبيةالتي كانت تتعرض للحريق، وهو ما كان شائعاً في أوربا في القرون الوسطى. أما إذا تعرض أحد المعلمين للسرقة فسوف تتكفل النقابة بتسديد ما عليه من التزامات مالية إلى أن يتمكن من الوقوف على قدميه مرة ثانية، وفي حال إصابته بالعجز فجأة أو قُتل فسوف تقدم النقابة الدعم المادي له أو لأرملته وأسرته في حال وفاته. ولقد شجعت شبكة الأمان هذه عدداً متزايداً من الناس على ترك العمل بالزراعة وممارسة مختلف أنواع المهن. ونتيجة لذلك،ازدادت كميات البضائع المعروضة للتجارة وازداد معها التنوع في تلك البضائع مع الخدمات المتاحة. ومازال نموذج التأمين الذي استخدمته تلك النقابات في حينه موجوداً حتى اليوم تحت مسمى (التغطية الجماعية).
المياه الخطرة
ظهرت الممارسة على الاكتتاب في نفس المقاهي اللندنية التي تم استخدامها  كبورصة شبه رسمية للإمبراطورية البريطانية. ففي أواخر الـ 1600، بدأت بالكاد عمليات الشحن بالسفن  بين العالم الجديد والعالم القديم عندما تم البدء بإقامة المستعمرات وبالتالي بدأت البضائع الغريبة بالوصول إلى العالم الجديد. وقد كان السيد إدوارد لويد مالكاً لواحدة من تلك المقاهي التي أصبحت أول مكان يتقابل فيه التجار وأصحاب السفن وآخرون يبحثون جميعاً عن التأمين.
لقد تم تأسيس نظام أساسي لتمويل الرحلات البحرية إلى العالم الجديد. ففي المرحلة الأولى بدأ التجار والشركات بالبحث عن ممولين من بين أصحاب رؤوس الأموال الذين ساعدوا بدورهم في البحث في مناطق لندن الأكثر بؤساً عن الأشخاص الذين كانوا يرغبون بالعيش في المستعمرات، فكانوا يشترون لهم المؤن التي تكفيهم في رحلتهم إلى العالم الجديد. مقابل ذلك كان أصحاب رؤوس الأموال يضمنون لأنفسهم الحصول على بعض العوائد من البضائع التي ينتجها المستوطنون أو يتم إيجادها في الأمريكيتين. وكان المعتقد السائد حينها أنك لن تسير مسافة معينة في أمريكا إلا وتجد ذهباً أو معادن نفيسة أخرى. ولكن وبعد أن تبين لأصحاب رؤوس الأموال أن هذا الاعتقاد غير صحيح بشكل دقيق استمروا في تمويل الرحلات مقابل حصولهم على حصة من المحصول الوفير آنذاك وهو: التبغ.
وبعد أن يكون قد تم التأمين على الرحلة من قبل أصحاب رؤوس الأموال، كان التجار وأصحاب السفن يتجهون إلى مقهى لويد ويسلمونه نسخة من محتويات الشحنة على السفينة لتتم مراجعتها أمام المستثمرين والمكتتبين المتواجدين معهم. بعد ذلك يقوم الأشخاص الذين كانوا يرغبون بتحمل المخاطرة مقابل قسط متعارف عليه بالتوقيع في أسفل بيان الحمولة تحت الرقم الذي يشير إلى الحصة من البضاعة التي يرغبون بتحمل مسؤوليتها (ومن هنا جاء الاكتتاب). بهذه الطريقة كان يتوفر لكل رحلة عدد من المكتتبين الذين حاولوا توزيع المخاطر التي ابدوا استعدادهم لتحملها وذلك عن طريق المشاركة في عدة رحلات مختلفة.
في عام 1654 اكتشف المدعو بليز باسكال،الفرنسي الذي أعطانا أول آلة حاسبة، وزميله بيير فيرمات طريقة للتعبير عن الاحتمالات وبالتالي فهم مستويات المخاطر. ولقد أوجد مثلث باسكال الجداول الأولى للإكتواريين التي تم استخدامها، وما تزال تستخدم حتى الآن، عند احتساب معدلات سعر التأمين التي أعطت بدورها الصفة الرسمية فيما بعد لمهنة الاكتتاب وجعلت من التأمين عملية سهلة ومعقولة.
الحريق والوباء
في عام 1666 شهدت لندن حريقاً ضخماً أتى على حوالي 14000 بناءً . وكانت لندن، بالكاد، قد تعافت من الوباء الذي اكتسحها قبل عام واحد فبقي الكثير ممن نجو من ذلك الوباء بلا مأوى. وكردة فعل على الفوضى والغضب اللذين نجما عن حريق لندن، قامت مجموعات من المكتتبين الذين كانوا يتعاملون حصرياً بالتأمين البحري بتشكيل شركات تأمين متخصصة بالتأمين على الحريق. وبالاعتماد على مثلث باسكال وسّعت تلك الشركات بسرعة مجال أعمالها. وفي عام 1693 تم إيجاد "جدول الحياة" باستخدام مثلث باسكال أيضاً وتبع ذلك بوقت قصير تأمين الحياة.
الهجرة البطيئة إلى أمريكا
لقد ازدهرت شركات التأمين في أوربا وخاصة بعد الثورة الصناعية. أما في أمريكا فكان الأمر مختلفاً تماماً فحياة المستوطنين كانت مشحونة بالمخاطر بحيث لم تجرؤ أية شركة تأمين على الاقتراب منها. ولقد أدى النقص في الطعام، والحروب مع السكان الأصليين والأمراض إلى موت ثلاثة من أصل أربعة مستوطنين وذلك خلال الأربعين سنة الأولى من الاستيطان. ولقد احتاج التأمين في أمريكا إلى 100 سنة كي يتمكن من الوقوف على قدميه. وعندما حصل ذلك بالفعل حقق نضوجاً في الممارسة وفي السياسات معاً مواكباً في ذلك نفس التطور الذي حصل في تلك الفترة في أوربا.