أدى القطاع المصرفي السوري منذ فجر التصحيح دورا” مهما” في الحياة الاقتصادية من خلال توجيهه نحو خدمة القطاعات المنتجة وتأمين ما يلزمها من تمويل لازم لشراء مستلزمات الإنتاج من آلات ومعدات ومواد أولية، وبهدف التمييز بين القطاعات الاقتصادية ومن أجل أن تستفيد القطاعات الأكثر إنتاجية كالزراعة والصناعة فإن مجلس النقد والتسليف استخدم إضافة إلى سقوف الائتمان للاعتمادات الممنوحة للمصارف سعر الفائدة على عمليات الحسم والقروض والسلف التي يقدمها المصرف المركزي، ما أدى إلى استفادة القطاعات الأكثر إنتاجية من أسعار الفائدة المخفضة مقارنة مع القطاعات الأخرى، الأمر الذي أدى إلى تنشيطها وزيادة إنتاجيتها.
ونتيجة لذلك، فقد أسهم مصرف سورية المركزي بشكل كبير في مجال التنمية من خلال توجيه التسليف نحو المشاريع الإنمائية الإنتاجية ذات الأولوية في الاقتصاد الوطني، والاهتمام بحاجات الدفاع الوطني وحاجات الاقتصاد والتوفيق بين هدف التنمية من جهة والهدف الاجتماعي من جهة أخرى.
ومنذ بداية التسعينيات اتخذت سورية عددا" من الخطوات باتجاه تحرير اقتصادها إيماناً منها بضرورة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في بناء الاقتصاد الوطني، ودفع عجلة التنمية، لأن التحولات الاقتصادية الكبرى التي شهدها العالم مع بدء انهيار المنظومات الاشتراكية الخالصة أثبتت أن تبني الاقتصاد الموجه لم يعد مقبولاً لأي دولة تريد مواكبة التطورات الاقتصادية وتحقيق الرفاهية لمجتمعها، وكان إصدار قانون الاستثمار رقم (10) لعام 1991 من أبرز هذه الخطوات، إذ شجعت الدولة القطاع الخاص على الانخراط في الحياة الاقتصادية، وعلى الاستثمار والإنتاج من دون بيع أو إيقاف القطاع العام عن العمل، أي عملت سورية بسياسة التعددية الاقتصادية، ومنح القانون إعفاءات على ضريبة الدخل الناتجة عن الأرباح الصناعية والتجارية، وسمح القانون للقطاع الخاص بحرية الاستثمار في جميع المجالات عدا مجال النفط، وصدرت قرارات مهمة من وزارة الاقتصاد سمحت للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين بفتح حسابات بالقطع الأجنبي لدى المصرف التجاري السوري، وسمح للمستوردين من القطاع الخاص بتسديد قيم مستورداتهم عن طريق المصرف التجاري السوري حسب الأصول القانونية، وسمح للمصدرين بالاحتفاظ بـ 75% من عائدات التصدير من العملات الأجنبية لتمويل مستورداتهم، وكذلك صدر قرار وزاري بعدم سؤال المستثمرين عن مصدر القطع، ونتيجة لذلك، شهدت الحياة المصرفية في سورية تطوراً ملحوظاً خلال عقد التسعينيات.