قرار الشطب و انعكاسه على احتياطي المطالبة:
في زاويتنا القانونية اليوم سنسلط الضوء على نوع خاص من القرارات القضائية التي قد تصدر بمواجهة شركات التأمين (قرار شطب الدعوى).
إن صدور هذا القرار لعدد من المطالبات المقيدة على محفظة الاحتياطي تحت التسوية يطرح مجموعة من التساؤلات: ماهو مصير المطالبة التي ورد عليها قرار الشطب؟ و كيف يمكن معالجة الاحتياطي المتصل بتلك المطالبة؟ و ماهو السند القانوني السليم المؤيد لإلغاء احتياطي المطالبة للقيود المدورة من سنوات سابقة؟
للإجابة على هذه التساؤلات و الإحاطة بالموضوع من النواحي القانونية و الفنية نتقدم بمناقشة العناوين التالية:
1 – المفهوم القانوني لقرار الشطب.
2- الآثار القانونية الناتجة عن قرار الشطب.
3- أثر صدور قرار الشطب على مهل التقادم.
المفهوم القانوني لقرار الشطب
ضمن المشرع في عقد التامين للمؤمن له الحق في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عند تحقق الخطر المؤمن ضده، وبما أن الحق بالتعويض عن الضرر المؤمن ضده هو من مسؤولية المؤمن، وإلتزام ثابت يقع على عاتقه، فقد ضبط المشرع حق المؤمن له باللجوء إلى القضاء والمطالبة بالتعويض بمجموعة من الأصول والإجراءات والقواعد لناحية إثبات الحق و تقدير قيمته و أصول أدائه حماية لحقوق الأطراف.
استناداً لقانون أصول المحاكمات المدنية السوري رقم 1 لعام 2016 يشترط لصدور قرار الشطب توفر ثلاث شروط حسب ما استقر عليه الاجتهاد في سورية وفي بعض الدول العربية الأخرى وهي:
تغيُّب طرفي الخصومة أو المُدعي في الدعوى ما لم يلتمس المدعى عليه السير بالدعوى.
ألَا تكون الدعوى صالحة للحكم.
عدم وقوع قرار الشطب سابقاً في ملف الدعوى[1].
هذه الشروط على بساطتها إلا أنها تطرح مفاهيم كثيرة في الفرق بين الترك والتغيُّب والتخلُّف عن الحضور من ناحية، ومن ناحية أخرى حدود السلطات التقديرية للقاضي الناظر بالدعوى لجهة اعتبارها جاهزة للفصل أم لا، وكذلك لجهة توقيت صدور هذا القرار وطرق المراجعة المقرَّرة لها قانوناً، وأي من الأطراف يحق له التمسُّك بقرار الشطب الصادر، كل هذه التساؤلات تثير جدلاً في الوسط القضائي، ولن نخوض بها في بحثنا هذا، لكن من الواضح أن القضاء في سورية كما في العديد من الدول العربية قد استقرَّ على اعتبار قرار الشطب أمراً جوازياً وليس وجوبياً[2] في الغالب.
الآثار القانونية الناتجة عن قرار الشطب:
عندما يصدر قرار الشطب في الدعوى يكون ذا أثر نسبي، إذ يجوز لكل طرف من أطراف الدعوى طلب تجديد الدعوى وإلغاء القرار الصادر وذلك بالرجوع عن قرار الشطب الصادر و متابعة إجراءات الدعوى من النقطة التي توقفت عندها.
عندما يصدر قرار الشطب، نلاحظ ما يلي:
تُستبعد الدعوى من جدول القضايا المتداولة أمام المحكمة.
يفقد القاضي ولايته على الدعوى ولا يملك عندها اتخاذ أي قرار في موضوعها، وإلا كان قراره معدوماً.
شطب الدعوى هو إبطال لاستدعائها دون أن يتناول هذا الإبطال الإجراءات التي تمت خلالها، إذ تعتبر جميعها صحيحة[3]
صدور قرار الشطب لا يحرم المدعي من إقامة دعوى جديدة طالما أن الحق المُدعى به لم ينقضِ لوقوع سبب من الأسباب المؤدية لسقوط الحق أو انقضاءه[4].
وفي دعاوى التأمين ورغم شطب الدعوى، إلا أن ما ورد فيها من إجراءات يبقى صحيحاً وذو أثر بالغ في الدعوى بعد التجديد، فلو أن شركة التأمين أقرت بوقوع الحادث أو الخطر المؤمَّن ضدّه وشموله بعقد التأمين مثلاً لا يمكن لها بعد تجديد ملف الدعوى الرجوع عن هذا الإقرار، وكذلك في حال تقرر إجراء الخبرة وتمَّت حسب الأصول القانونية اللازمة فإن تقرير الخبرة يبقى صحيحاً وذو أثر في الدعوى تجاه المتخاصمين رغم ورود قرار الشطب[5].
بالنتيجة نصل لخلاصة بأنَّ قرار الشطب الصادر ليس حكماً ولا يفصل في أساس الدعوى رغم استبعادها من جدول القضايا المتداولة وإيقاف مجرياتها وقد لخَّص المشرّع السوري الآثار القانونية لقرار الشطب في المادة 120 من قانون أصول المحاكمات عندما أكَد أن قرار الشطب لا يُسقط الحق ولا الادعاء به وإنما يبطل فقط الدعوى التي تعتبر كأنها لم ترفع دون أن يترتَب على ذلك أي أثر قانوني، وقد ورد هذا النص بهذه الصيغة المقتضبة بغرض التمييز بين الأثر القانوني لقرار الشطب و قرار تثبيت التنازل عن الإدعاء دون الحق المدعى به.
في النهاية أود الإشارة الى الفرق بين تجديد الدعوى و إلغاء مفاعيل الشطب حيث يقرر هذا الأخير خلال مدة محدَّدة حصرها المشرِّع السوري بالحد الأدنى وهو نفس يوم صدور القرار، عندها يحدد القاضي الناظر بالدعوى مباشرةً موعداً جديداً و يباشر إجراءات تبليغ الطرف الآخر على نفقة طالب التجديد حسبما جاء في المادة 119 من قانون أصول المحاكمات المدنية، في الحالة الأولى على طالب التجديد إعادة تسديد رسم الدعوى أما في الحالة الثانية فلا يقع على الطرف طالب إلغاء القرار دفع أي رسم.
أثر قرار الشطب على مهل التقادم:
استعرضنا المفهوم القانوني للشطب والأثر الناتج عنه في البندين السابقين، إلا أن ذلك لا يكفي دون مناقشة موضوع المهل التي وضعها المشرع لغاية تتعلق بالنظام العام وضبط انتظام المعاملات وتحصيل الحقوق حيث قرر المشرع السوري في نص القانون المدني المادة 718 مدة خاصة يسقط بانقضائها الحق في المطالبة بالتعويض الناشئ عن عقد التأمين محددة بثلاث سنوات من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها الدعوى، هذه المدة تنقطع بالطبع بحدوث المطالبة القانونية[6]
وعندما يقع قرار الشطب لتوافر مؤيداته القانونية وجدنا أنَّ ذلك لا يؤثر على الحق بالتعويض ولا يمتد بآثاره إلى تقادم الحق طالما أن المطالبة المدونة باستدعاء الدعوى قد تمت بالفعل حتى ولو قدم الاستدعاء إلى غير المحكمة المختصة[7]
وفي سورية تطابق الاجتهاد مع المبدأ القانوني المقرر في نص القانون المدني على اعتبار أن المطالبة القضائية تقطع التقادم وطالما حصلت تلك المطالبة فإن كل أثر للمدة السابقة يزول ولو شطبت الدعوى[8]، بالمقابل إذا صدر قرار الشطب دون أن يتم تجديد الدعوى بدأت مدة تقادم جديدة تُحتسب تلك المدة من يوم صدور القرار وتنتهي باكتمال مرور مدة التقادم الأصلي التي قرّرها المشرِّع لدعوى التأمين[9].
والمثال الواضح الذي يمكن أن نستند إليه كما لو حصل حادث سير بتاريخ 1/1/2012، أدى لحدوث أضرار مادية للغير، تقدَّم الغير باستدعاء دعواه إلى المحكمة غير المختصة بالنظر بالدعوى بتاريخ 30/12/2013، وعليه انقطع التقادم عن المدة السابقة، ولعلة غياب طرفي الدعوى عن الحضور صدر قرار الشطب بتاريخ 30/12/2014، وبعد صدور قرار الشطب يكون لكلا الطرفين المدعي والمدعى عليه الحق في تجديد الدعوى وفي حال تمَّ تجديد الدعوى بتاريخ 31/12/2017 يكون لشركة التأمين الحق في طلب رد الدعوى عنها لسقوط الحق بالدعوى بالتقادم الثلاثي لمرور ثلاث سنوات على صدور قرار الشطب [10].
بعد تكثيف الشرح القانوني لمفهوم الشطب نعود إلى التطبيق العملي لهذا القرار و تأثيره على مصير المطالبة المقيدة كمديونية لصالح مستحق التعويض استناداً إلى عقد التأمين الصادر، بحيث يفتح ملف الحادث بالاعتماد على تاريخ تبلٌغ استدعاء الدعوى عندها يزيل هذا التاريخ كل أثر للمدة السابقة، تقدر الأضرار بشكل أولي وفق الوثائق و تعتبر هذه التقديرات كمديونية مرصوده لصالح الحادث بانتظار ثبوت مبالغ التعويض بموجب الحكم الصادر على ملف الدعوى المرتبط أصلاً بقيد المطالبة.
عندما يصدر قرار الشطب وجدنا سابقاً أن ذلك لا يعني من حيث النتيجة انتهاء ملف الدعوى، لهذا وبعد أن يتلقاه القسم الفني في شركة التأمين يجب أن يدون تاريخ صدور القرار على ملف الحادث مع التأكيد على أنه لايمكن أبداً إلغاء قيد الحادث (المديونية) وأن مدة تقادم المطالبة المقيدة لدى شركة التأمين أصبحت بناءاً على القرار الصادر تُحتسب من تاريخ صدور القرار وبمرور ثلاث سنوات كاملة عن ذلك التاريخ ما لم يتم تجديد الدعوى[11].
عندما تكتمل مدة التقادم[12] يتوجب على القسم الفني في شركة التأمين، وبعد التأكُّد من عدم رفع دعوى جديدة لنفس المطالبة، تحرير احتياطي الحادث (المديونية) بدون تسديد قيمة التعويض وإغلاق ملف المطالبة استناداً إلى انقضاء مدة التقادم القانونية لقرار الشطب و تصنيف الحادث بعد إرفاق الوثائق المؤيدة.
[1] تقنين أصول المحاكمات المدنية – أديب استنبولي و شفيق طعمة الجزء الاول .
[2] إذا غاب المدعي ولم يطلب المدعى عليه شطب الدعوى، لا تقرر المحكمة شطبها من تلقاء نفسها، قرار 1969/79 أساس 135، محكمة النقض.
[3] شطب الدعوى هو إبطال لاستدعائها وكافة الإجراءات التي تمت في الدعوى المشطوبة يُعتدُّ بها ولا يتوجب إعادتها بعد تجديد الدعوى، القرار رقم 1244/1168 بتاريخ 28/10/1995، محكمة النقض.
إقامة الدعوى يقطع التقادم ولا يؤثر استدعاء الدعوى بقرار الشطب على إجراءات وواقع المحاكمة الجارية في الدعوى المشطوبة، قرار 1972/596، بتاريخ 18/8/ 1970، محكمة النقض
[4] إن شطب الدعوى لا يبطل الإجراءات القانونية التي تمت بالدعوى ومنها الخبرة وإن شطب الدعوى لا يمنع الإدعاء مجدداً بالموضوع نفسه كما لا يمنع بالتصرفات الصادرة عن الخصم الأخر في الدعوى المشطوبة، قرار رقم 440/357، قرار محكمة النقض بتاريخ 28/11/2000
[5] المرجع السابق
[6] المادة 380 القانون المدني السوري
[7] نسيانته في المكتب
[8] المطالبة القضائية تقطع التقادم ولو شطبت الدعوى. القرار رقم 1969/2460 محكمة النقض، مجلة المحامون 1970.
[9] المادة 382 من القانون المدني السوري الفقرة الأولى.
[10] إن شطب الدعوى لا يزيل أثر انقطاع التقادم ويبدأ تقادم جديد من تاريخ الشطبـ قرار 1968/26 محاكم النقض، مجلة المحامون 1968.
[11] شطب الدعوى لا يمنع من قطع التقادم بإقامتها ويبدأ تقادم جديد من تاريخ الشطب، قرار 1965/115 محاكم النقض، مجلة المحامون، 1965.
[12] لئن كان استدعاء الدعوى يقطع التقادم ألا أن شطبه ينهي أثر هذا الانقطاع و يبدأ تقادم جديد من تاريخ الشطب و عليه فأن تجديد الدعوى بعد انقضاء مدة التقادم الجديد يجعلها مشموله بهذا التقادم المسقط قرار 1985/384 محكمة النقض مجلة المحامون 1986 .