مبدأ التعويض بالمفهوم التأميني
في ظل ازدياد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع أفراداً ومؤسسات وازدياد الحاجة للتعاون والمشاركة في تحمل أعباء الحياة وحماية رؤوس الأموال والممتلكات من الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها، فقد ازداد التوجه نحو قطاع التأمين بهدف نقل العبء أو جزء منه لتتحمله شركات التأمين وذلك عن طريق تعويض المؤمن لهم عن الأضرار التي تلحق بهم وبأموالهم.
ومن هنا يمكن لنا القول بأن الهدف الرئيسي أو الغاية الأساسية من التوجه نحو التأمين هي الحصول على التعويض لجبر الضرر والذي يكفل إعادة المؤمن له لنفس المركز المالي الذي كان عليه قبل وقوع الضرر وضمن حدود وتغطيات الوثيقة المبرمة مع إحدى شركات التأمين.
ونظراً لغياب قانون خاص بالتأمين ضمن التشريعات السورية واعتماد القضاء على أحكام القانون المدني وقانون السير والاجتهادات القضائية وبعض قرارات السلطة التنفيذية والتي سيأتي ذكرها لاحقاً، لابد لنا من التفريق بين التعويض القانوني الذي يأخذ سمة الجزاء ويحكم به نتيجة عدم الالتزام بتنفيذ عمل أو الالتزام بالامتناع عن عمل أو ما يسمى تعويض المسؤولية المدنية بنوعيها العقدية والتقصيرية وبين التعويض الناشئ عن وثيقة تأمين مبرمة بين طرفين أحدهما شركة تأمين يستحق الوفاء بعد تحقق الضرر للمؤمن له وفق الأسس والمعايير التأمينية ووفق شروط الوثيقة المتفق عليها سلفاً وسنتحدث عن النوعين بشيء من التفصيل.
أولاً : التعويض القانوني: ويشمل المسؤولية المدنية بنوعيها العقدية والتقصيرية ويمكن تعريف هذا النوع من التعويض بأنه مبلغ أو ترضية من جنس الضرر تعادل ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب نتيجة للفعل الضار وهو جزاء المسؤولية المدنية ووسيلة القضاء لجبر الضرر وهو يدور مع الضرر وجوداً وعدماً ولا تأثير لجسامة الخطأ فيه وينبغي أن يتناسب مع الضرر دون أن يزيد عليه أو ينقص عنه فلا يجوز أن يتجاوز مقدار الضرر كي لا يكون عقاباً أو مصدر ربح للمضرور وهو بذلك يختلف عن العقوبة التي تهدف إلى ردع المخطئ وتأديبه ويتأثر تقديرها بجسامة الخطأ وقد تفرض وإن لم يلحق أحداً ضرراً ما طالما أن القانون يعاقب على الفعل المرتكب وكذلك كون المسؤولية الجزائية التي تنشأ عن إلحاق الأذى بالغير تستلزم توفر الركن المعنوي الذي يشكل عنصراً أساسياً بمعنى أن الركن المعنوي المتمثل بإرادة الفعل وتوجه النية شرطان لإثبات المسؤولية الجزائية.
ويمكن لنا تعريف التعويض انطلاقاً من ما ورد بالمادة 222 من القانون المدني بأنه ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به.
كما نصت المادة 216 من القانون المدني على أنه (إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عيناً، حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه. ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه).
ونصت المادة 164 تحت فصل المسؤولية عن الأعمال الشخصية - العمل غير المشروع - على أنه (كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض) ومن هنا نجد أن شروط استحقاق التعويض تتمثل بثلاثة عناصر أساسية لا بد من توفرها معاً وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما وهي أركان المسؤولية التقصيرية وهذا موضع بحث واسع ومتشعب لسنا بصدد التطرق له في هذا المقام .
كما وأن التعويض يمكن أن يكون مقدراً سلفاً بعقد أو بنص القانون كأحد آثار الالتزام وإن لم يكن كذلك كان على القاضي تقديره وتحديد مداه ليكون جابراً للضرر وهذا من نصت عليه المادة 171 قانون مدني (يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور طبقاً لأحكام المادتين 222 و 223 مراعياً في ذلك الظروف الملابسة ودون أن يتقيد بأي حد، فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يعين مدى التعويض تعييناً نهائياً فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير).
ثانياً : التعويض التأميني : وهو المبلغ الذي يحصل عليه المؤمن له بعد تحقق الضرر بنفسه أو بأمواله المؤمن عليها بموجب عقد مبرم مع شركة تأمين لإرجاعه للحالة المادية التي كان عليها قبل وقوع الضرر. ويبقى مفهوم التعويض ومداه يختلف وفقاً للأحكام الخاصة بكل نوع من أنواع التأمين ومن المسلم به بأن كلاً من عقد التأمين على الأموال وعقد التأمين من المسؤولية المدنية هما من العقود التعويضية التي تهدف إلى إعادة المضرور للحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر وذلك في حدود قيمة التأمين وهذا الالتزام الذي يقع على عاتق شركة التأمين هو التزام ذاتي بمعنى أنه من الآثار المرتبطة بعقد التأمين نفسه منذ بداية التأمين . وفي كافة الأحوال لا يجوز أن تزيد قيمة التعويض عن الضرر الواقع فمبلغ التأمين يمثل الحد الأقصى لالتزام المؤمن وعند إصدار الوثيقة وتحديد الشيء المراد تأمينه وقيمته يتفق الطرفان على مبلغ التعويض الذي يستحقه المؤمن له في حال وقوع الضرر وذلك ضمن شروط وأحكام الوثيقة نفسها .
وبالانتقال من التعميم إلى التخصيص، لنتحدث عن مبدأ التعويض في عقود التأمين على السيارات بشقيه التكميلي(الشامل) والإلزامي ضد الغير ولكل منها شروط وأحكام خاصة حيث ورد بالشروط العامة لوثيقة التأمين التكميلي الصادرة عن الاتحاد السوري لشركات التأمين ضمن بند التعريفات تعريف للتعويض بأنه التعويض المالي الحقيقي الكافي لإرجاع المؤمن له إلى الحالة المالية التي كان عليها تماماً قبل وقوع الخسارة والأضرار المادية التي تكبدها بسبب الحادث. ومع تحفظنا على هذا التعريف كونه أغفل ذكر أن التعويض بهذه العقود مرتبط بقيمة المركبة المؤمنة المصرح عنه من قبل المؤمن له عند إصدار العقد بقيمتها السوقية . ويتم تحديد قيم التعويضات سلفاً بالنسبة لكل ضرر قد يحدث سواء المادية منها أو الجسدية أو أضرار الغير أيضاً إضافة إلى شرطي التحمل والاستهلاك وبالتالي تكون قيمة التعويض مقدرة ومعروفة مسبقاً إلى حد كبير. وتعتبر هذه القيمة أساساً جوهرياً في تحديد قسط التأمين والسبب هو أن عقد التأمين يتعلق بقيمة الشيء المؤمن عليه وبالتالي ليس من الدقة أن نقول بأن التعويض سيعيد المؤمن له لما كان عليه تماماً قبل وقوع الضرر.
أما عقد التأمين الإلزامي فهو عقد تأمين من المسؤولية يغطي مسؤولية المؤمن له المدنية أو من يقود السيارة المؤمنة والمترتبة نتيجة حوادث السير وما قد ينجم عنها من ضرر مادي أو جسدي لشخص ثالث وفق قواعد المسؤولية التقصيرية وشروط العقد.
التشريعات الناظمة للتعويض الناشئ عن عقود التأمين الإلزامي للسيارات: من الناحية القانونية تُحدد علاقة المؤمن له بالغير أو ما يسمى الطرف الثالث طبقاً للقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية سنداً للمادة 164 من القانون المدني التي نصت (كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض) ، والتعويض هنا ليس له علاقة بقيمة السيارة المؤمنة والعقد يغطي الغير فقط ويقصد بالغير كل شخص عدا السائق كان داخل السيارة أم خارجها لحق به ضرر جراء استعمال تلك السيارة، وتعتبر شركة التأمين متضامنة مع المؤمن له بدفع هذا التعويض. ومن أجل ألا تكون مسؤولية التأمين مطلقة فقد تم تحديد سقف لهذه المسؤولية ضمن شروط الوثيقة ذاتها وتم تحديد قيم التعويضات على الشكل التالي:
- تعويض الوفاة: 750,000 ل س عن كل وفية للورثة الشرعيين.
- العجز الدائم: نسبة العجز المقدرة مضروبة بـ 750,000 ل س للمصاب الواحد.
- الحمل المتكون: 200,000 عن كل حمل.
- التعطل عن العمل: 12,000 شهرياً بحد أقصى 72,000 ل س لكل متضرر.
- نفقات التداوي والعلاج الفعلية: بحد أقصى 200.000 ل س لكل متضرر.
- تعويض أضرار مادية للغير: 1,500,000 ل س للمتضرر الواحد.
ونظراً لغياب قانون خاص يحكم كافة النزاعات الناشئة عن عقود التأمين فقد بقيت هذه القيم شروطاً خاصة ضمن العقود وبالتالي فالطرف الثالث المتضرر لا تربطه علاقة بالعقد كونه ليس طرفاً فيه ولا تسري عليه الشروط الواردة فيه كونها ليست صادرة بقانون، إضافة إلى ذلك فإن القانون المدني الواجب التطبيق بحالات المسؤولية التقصيرية ترك للقاضي مهمة تحديد التعويض ومداه وطريقة دفعه أيضاً وذلك بالمادة 171 مدني حيث جاء فيها (يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور طبقاً لأحكام المادتين 222 و 223 مراعياً في ذلك الظروف الملابسة ودون أن يتقيد بأي حد).
كما نصت الفقرة / أ / من المادة 183 من قانون السير رقم 31 لعام 2004 والمعمول به حالياً (كيفية التعويض ومداه يحددان وفق القواعد الواردة في القانون المدني بصدد العمل غير المشروع).
وكذلك جاءت المادة 184 من قانون السير لتعتبر كل اتفاق يلغي أو يحدد المسؤولية المدنية يعد باطلاً، وعليه ذهبت المحاكم بتقدير التعويض للأضرار الناشئة والمتعلقة بعقود التأمين الإلزامي بحسب قناعتها دون الالتزام بالحدود القصوى المشار إليها والواردة ضمن العقود إلا أنه الأمر الذي كان محل اعتراض من كافة شركات التأمين، وعلى أثر ذلك جاءت خطوة خجولة بهذا المنحى تمثلت بالقرار 1915 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 12/5/2008 ليؤكد على إلزامية التقيد بالشروط الخاصة والعامة المتعلقة بعقود التأمين الالزامي وتطبيق حدود التعويضات الواردة فيه وعدم إلزام جهات التأمين بأكثر من الحد الأعلى الوارد فيها إلا أنه لم يكن حلاً جذرياً للمشكلة حيث وجهت لهذا القرار العديد من الانتقادات بأنه لا يحمل صفة التشريع ولا يغير ما ورد بنصوص القانون المدني واجبة التطبيق وأصبح بعض القضاة لا يأخذون بعين الاعتبار القواعد المنصوص عليها في القرار المذكور عند الحكم بالتعويض. وعلى أثر ذلك صدر تعميم من وزارة العدل برقم / 8 / تاريخ 18/2/2010 جاء فيه (( نصت المادة (198) من قانون السير رقم (31) لعام 2004 المعدلة بالمرسوم التشريعي رقم (11) تاريخ 30/12/2018 على ما يلي ( يصدر رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المالية والعدل بالتنسيق مع رئيس مجلس إدارة هيئة الإشراف على التأمين النظام الخاص بالتأمين الإلزامي وبدلالته وشموليته) وبناء على ذلك فقد أصدر السيد رئيس مجلس الوزراء القرار رقم /1915/ تاريخ 12/5/2008 الذي أبان حدود مسؤولية جهة التأمين التي تترتب بسبب استعمال المركبة على أراضي الجمهورية العربية السورية وذلك في حالات التأمين الإلزامي. وإن القرار المذكور واجب التطبيق كونه ينزل منزلة التشريع طالما أنه قد صدر بناء على تفويض من المشرع بموجب نص تشريعي))، وبالتالي كان رأي الوزارة أن قرار مجلس الوزراء له صفة التشريع وهو واجب التطبيق ونتيجة صدور عدة قرارات متناقضة عن المحاكم الناظرة بدعاوى التعويض عن حوادث السير بما في ذلك غرف محكمة النقض في معرض تطبيق القرار الوزاري رقم 1915 حيث تضاربت الآراء حول طريقة حساب التعويض وإعمال نسبة المسؤولية وتوزيعها بين جهة التأمين والمالك والسائق جاء القرار رقم 12 بتاريخ 24/2/2014 الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة النقض والتي تعتبر قراراتها واجبة التطبيق وبمثابة القانون لتوحيد توجهات المحاكم بهذا الشأن وأقرت المبدأ التالي:
1 - إعمال نسبة المسؤولية عن الحادث على إجمالي التعويض المقدر من قبل المحكمة فإذا زاد المبلغ الناتج على سقف مبلغ التأمين المحدد بالمادة /3/ من قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم (1915) تاريخ 12/5/2008 يحكم بالسقف على جهة التأمين والسائق و مالك المركبة المتسببة المؤمن عليها بالتضامن والتكافل ويحكم بالباقي (الزيادة) على السائق والمالك بالتضامن والتكافل، وإذا نقص المبلغ الناتج بعد إعمال نسبة المسؤولية عن سقف مبلغ التأمين المحدد بالمادة /3/ سالفة الذكر قضي بالمبلغ الناتج على جهة التأمين وسائق ومالك المركبة بالتضامن والتكافل.
2 – تعميم هذا القرار على المحاكم السورية لاتباع المبدأ المقرر حيث يلزم.
وبناءً عليه أصبحت المحاكم أكثر التزاماً بتطبيق حدود مسؤولية التأمين رغم أن هذا المبدأ كان مجحفاً بحق التأمين كونه حرمها من الاستفادة من نسبة المسؤولية عن الحادث وحصر هذه الاستفادة بالمالك والسائق فقط عندما ألزم جهة التأمين بالحد الأعلى لمسؤوليتها بعد إعمال نسبة المسؤولية على مبلغ التعويض المقدر من قبل المحكمة.
وطالما أن التشريع السوري يفتقر لقانون خاص يحكم هذا النوع من النزاعات سيبقى هذا الموضوع مجال جدل ونقاش رغم الحاجة الماسة لتنظيم قطاع بحجم قطاع التأمين بتشريعات مستقلة سيما وأن أغلب التشريعات العربية سبقتنا إلى ذلك منذ عدة سنوات.
شركة التأمين العربية – سورية