يهدف التأمين البحري إلى تعويض المؤمَّن له عن الأضرار التي تسببها الأخطار والحوادث البحرية، إضافةً إلى الأخطار الأخرى المرتبطة بالنقل البحري ـ حتى لو كانت برية ـ وذلك إما بموجب اتفاق صريح بين شركة التامين والمؤمَّن له، أو استناداً إلى عرف تجاري بحري مستقر أو نص قانوني ملزم.
ويمكن للمؤمَّن له في سبيل اقتضاء التعويض أن يسلك إحدى دعويين للوصول لحقه في مبلغ التأمين، وفق ما يجده مناسباً له، استناداً إلى جسامة الضرر الذي لحق بسفينته أو بضائعه، فالدعوى الأولى هي دعوى التعويض عن الخسائر البحرية، لأن عقد التأمين البحري عقد تعويض، كما نصت عليه المادة 354 من قانون التجارة البحرية السوري التي جاء فيها:
"ويعتبر عقد التأمين البحري عقد تعويض. ولا يجوز أن يترتب عليه إفادة المؤمَّن له من تحقق الخطر بما يزيد على القدر الحقيقي للضرر. ويبطل كل اتفاق يخالف ذلك".
والدعوى الثانية المتاحة هي دعوى الترك أو التخلي؛ وهي دعوى استثنائية يختص بها التأمين البحري دون البري، وتختلف عن دعوى الخسارة التقليدية التي يلجأ لها المؤمَّن له في حالات التأمين البري أو البحري لاقتضاء تعويض يجبر ضرره.
وقد أعطى المشرِّع المؤمَّن له حق اختيار إحدى هاتين الطريقتين لاستيفاء التعويض بموجب تسوية مع شركة التأمين، أو بموجب دعوى قضائية، وذلك في المادة 380 من القانون البحري السوري:
"تسوى الأضرار بطريق التعويض وفقًا لنص المادتين /353/ و/354/ إلا إذا اختار المؤمَّن له ترك الشيء المؤمَّن عليه في الأحوال التي يجيز له الاتفاق أو القانون اتباع هذه الطريقة".
فيلجأ المؤمَّن له إلى دعوى الخسارة البحرية، بمواجهة الجهة المؤمِّنة للحصول على تعويض لجبر الضرر الذي لحق به نتيجة تحقق المخاطر البحرية، وبحدود مبلغ التأمين المتفق عليه، كما تنص المادة 372 من قانون التجارة البحري:
"يلتزم المؤمِّن بتعويض المؤمَّن له عن الضرر الناتج عن وقوع الخطر المؤمَّن منه على ألا يتجاوز ذلك قيمة التأمين".
وتبقى عندها للمؤمَّن له ملكية الشيء المؤمَّن عليه، ودعوى الخسارة البحرية هي الطريق العادي الذي يجب عليه الذهاب إليه، لاقتضاء تعويض عن تضرر السفينة، أو تضرر البضائع عند شحنها أو قبله، كما في حالة شرط من المخزن إلى المخزن، ويجب على المؤمَّن له إثبات تحقق الخطر وحصول الضرر اللاحق به، وتحل شركة التأمين محل المؤمَّن له في دعاوى الرجوع تجاه مسبِّب الضرر إذا كان من الغير، وللمؤمَّن له الحق في الحصول على تعويض من شركة التأمين إن كان قد أنفق مبلغاً إضافياً لتجنب الخطر ومن دون أن يصيبه أي ضرر منه، استناداً لنص المادة 373 من القانون البحري:
"يُسأل المؤمِّن عن الأضرار المادية التي تلحق الأشياء المؤمَّن عليها بسبب وقوع خطر بحري أو حادث يعتبر قوة قاهرة، كما يُسأل كذلك:
1- عن مساهمة الأموال المؤمَّن عليها في الخسارات البحرية المشتركة ما لم تكن ناشئة عن خطر مستثنى من التأمين.
2- عن المصاريف التي تنفق بسبب خطر مؤمَّن منه لحماية الأموال المؤمَّن عليها من ضرر مادي أو للحد منه".
في حين يبقى حق المؤمَّن له في الترك خياراً أخيراً في حالة تحقق إحدى الحالات التي أجازها المشرِّع عند وقوع ضرر بالغ وجسيم ووفق إرادة المؤمَّن له، مع منح جهة التأمين الحق في قبول أو رفض انتقال ملكية الشيء المؤمَّن عليه إليها.
1- دعوى الترك:
وهي حالة استثنائية لا توجد إلا في نطاق التأمين البحري، ويلجأ المؤمَّن له إليها عند حصول خطر جسيم سواءً لسفينته أو بضائعه، وقد أباحتها المادة 380 من قانون التجارة البحرية السوري، ونكون هنا أمام حالة نقل ملكية وليس حالة تعويض، وترجع حالة الترك إلى العرف التجاري في العصور الوسطى في أوروبا، لأن المؤمَّن له لا يستطيع إقامة الدليل على هلاك السفينة عند انقطاع أخبارها، وقد قنّنها المشرِّع الفرنسي عام 1681م في حالة الانقطاع، والفرق الأكبر بين دعويي التعويض عن الخسارة البحرية والترك يكون في مبلغ التعويض، إذ يحصل عليه كاملاً في حال الترك، بينما يحصل في حالة دعوى التعويض التقليدية على ما يتناسب مع الضرر اللاحق بسفينته أو بضائعه، وهو بذلك يكون قد تنازل عن ملكيته بشكل كامل لشركة التأمين ومن دون قيد أو شرط، وليس له الترك في حالة الضرر البسيط غير البالغ، على أنه غير ملزَم بإثبات هلاك الشيء المؤمَّن عليه، فيختصر على نفسه بذلك الإجراءات والزمن، وخصوصاً في حالة اختفاء سفينته، ويعدّ عندها الهلاك الحكمي بمنزلة الهلاك الحقيقي، وقد حدَّد المشرِّع السوري عدداً من الحالات التي يسمح فيها للمؤمَّن له بالتخلي عن ملكيته للمؤمِّن، في المادتين 398 و406 من قانون التجارة البحرية السوري على أن ذلك لا يمنع الطرفين من الاتفاق على حالات أخرى، وتشمل حالات الترك التخلي عن ملكية السفينة أو ملكية البضائع، والقاسم المشترك بين الحالات هو الخطر الشديد الذي يلحق بالسفينة أو البضائع، ويجعل المالك يتنازل عنها مقابل حصوله على مبلغ التأمين.
2- حالات الترك:
ميز المشرِّع بين حالات ترك السفن وترك البضائع في قانون التجارة البحرية السوري، فنص في المادة 398 على أنه:
"يجوز للمؤمَّن له ترك السفينة للمؤمِّن في الأحوال التالية:
1- إذا هلكت السفينة كلياً.
2- إذا انقطعت أخبار السفينة مدة ثلاثة أشهر بعد وصول آخر أنباء عنها.
3- إذا أصيبت السفينة بتلف يستحيل إصلاحه.
4- إذا كانت نفقات إصلاح السفينة تعادل ثلاثة أرباع قيمتها على الأقل.
5- وإذا شمل التأمين أخطار الحرب جاز للمؤمَّن له استعمال حقه في ترك السفينة في حالة أسرها أو احتجازها أو إيقافها بناء على أمر من السلطات العامة، وذلك إذا لم يتمكن المؤمَّن له من استرداد السفينة خلال أربعة أشهر من تاريخ قيامه بإخطار المؤمِّن بوقوع الحادث".
ويقصد بهلاك السفينة هلاكها كلياً بشكلٍ حقيقي كغرقها أو مصادرتها، أو بشكل حكمي، حيث يترتب نفقات باهظة على إصلاح الضرر اللاحق بها، أو في حالة استحالة إصلاحها، أما لو كان بالمقدور إصلاحها، وبما لا يتجاوز ثلاثة أرباع قيمتها لا يكون للمؤمَّن له الحق في تركها، وتعدّ السفينة هالكةً أيضاً بعد مضي فترة ثلاثة أشهر عن ورود آخر خبر عنها وانقطاعها، فإذا عادت السفينة لا تعود ملكيتها للمالك الأصلي بل للمالك الجديد وهو شركة التأمين التي قبلت بتركها من المؤمَّن.
بينما نصت المادة 406 على الحالات التي يحق فيها للمؤمَّن له ترك البضائع فجاء فيها:
"يجوز للمؤمَّن له ترك البضائع للمؤمِّن في الحالات الآتية:
1- إذ انقطعت أخبار السفينة مدة ثلاثة أشهر بعد وصول آخر أنباء عنها.
2- إذا أصبحت السفينة غير صالحة للملاحة خلال الرحلة، واستحال نقل البضائع بأي طريقة أخرى إلى مكان الوصول المتفق عليه خلال أشهر من تاريخ قيام المؤمَّن له بإخطار المؤمِّن بعدم صلاحية السفينة للملاحة.
3- إذا هلكت البضائع أو تلفت بما يعادل ثلاثة أرباع قيمتها المبينة في وثيقة التأمين على الأقل.
4- إذا بيعت البضائع أثناء الرحلة بسبب إصابتها بتلف مادي، متى نشأ الضرر عن خطر يشمله التأمين".
ولا يجوز للمؤمَّن له ترك البضائع حتى لو هلكت السفينة أو غرقت، إذا كان بالإمكان استردادها، إضافةً إلى قيام المؤمَّن له بإخطار المؤمِّن بتحقق الخطر، فالعبرة لتضرر البضائع، أو استحالة استردادها أو الوصول إليها خلال المهل المحددة قانوناً.
3- آثار الترك:
في حال اتخذ المؤمَّن له القرار بترك السفينة أو البضائع، فإن قراره يكون نهائياً، ولا رجوع عنه، ولا يجوز أن يكون الترك جزئياً أو معلَّقاً على شرط، ويترتب على المؤمِّن (شركة التأمين) تسديد التعويض المتفق عليه في عقد التأمين البحري كاملاً، غير منقوص، وخلال فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر من تاريخ تبليغه الترك، وعندها تنتقل ملكية السفينة أو البضائع إلى شركة التأمين، وفي حال تعددت الجهات المؤمِّنة يصبح الشيء المؤمَّن عليه مملوكاً على الشيوع بينهم، ووفق نسب التأمين المتفق عليها، ويجب تسجيل ذلك في صحيفة السفينة في سجل السفن، ويجب على المؤمَّن له إعلام المؤمِّن بجميع عقود التأمين المبرمة التي يعلم بها على الشيء المؤمَّن عليه، ويكون أثر انتقال الملكية هنا بدءاً من يوم إبلاغ المؤمَّن له خياره بالترك إلى الجهة المؤمِّنة بشكل رسمي، ولا يجوز له تجاوز فترة ثلاثة أشهر من تاريخ علمه بوقوع الخطر، أو الحادث المجيز للترك، وتنقضي بالتقادم دعوى الترك بعد سنتين بدءاً من تاريخ وقوع الحادث ما لم تكن هناك مهلة في عقد التأمين لإقامتها، فيسري التقادم من تاريخ انتهاء هذه المهلة، وينقل حق الترك جميع الحقوق والدعاوى التي كانت للمؤمَّن له إلى الجهة المؤمِّنة، وتستطيع عندها شركة التأمين الاحتجاج بكل الدفوع التي كان المؤمَّن له يستطيع الدفع بها.
وللطرف المؤمِّن أن يرفض انتقال ملكية الأشياء المؤمَّن عليها إليه، ولكن ذلك لا يعفيه من التزامه بسداد مبلغ التأمين بشكل كامل للمؤمَّن له، وقد يرجع قراره بذلك إلى احتمال وجود ضرر قد يلحق به نتيجة انتقال ملكية الشيء المتضرر له، كما لو كان حطام سفينة قد يسبب ضرراً لسفن أخرى، ما يرتب على المؤمِّن التزامات جديدة تجاه جهات أخرى.