تهدف الأسواق المالية بشكل رئيس إلى تمويل الأنشطة الاقتصادية، ما ينعكس إيجابياً على معدلات النمو الاقتصادي، كما يسهم في تجميع مدخرات الأفراد مع رؤوس الأموال الضخمة لاستثمارها في الاقتصاد الوطني. الأمر الذي يحد من تدفق الأموال إلى الخارج من خلال جذب مدخرات المؤسسات والأفراد للاستثمار الآمن.
لكن الانحراف عن الممارسات الصحيحة من خلال التلاعب بأسعار الأسهم وقيمتها يضعف ثقة المستثمرين.
هذا التلاعب وجد في الأسواق المالية منذ نشأتها، حيث يُعرَّف بأنه التصرفات التي يقوم بها متداول أو مجموعة من المتداولين لإحداث فرق مقصود بين سعر الورقة المالية وقيمتها، بهدف الربح على حساب بقية المتداولين في السوق.
ويمكن تصنيف التلاعب في صنفين رئيسين، صنف يؤدي الى التلاعب بقيمة الأسهم، وصنف يؤدي إلى التلاعب بالسعر.
- التلاعب المؤثر في القيمة: ويحدث عندما يقوم المتلاعب بتصرف يؤثر في قيمة السهم، وفي الأغلب يكون هذا التلاعب من متخذي القرار في الشركة المساهمة، ويظهر هذا النوع في الاندماج أو الاستحواذ، فيتم الإعلان مثلاًً عن تقديم عرض الشراء أو الدمج أو الاستحواذ الوهمي على شركة الاستحواذ، وذلك يؤدي إلى رفع سعر سهم الشركة المستهدفة، فيقوم المعلن ببيع ما يملكه من أسهمها، ويُعلن بعد ذلك أن المفاوضات تعثرت، وتم العدول عن العرض.
ـ التلاعب المؤثر في السعر: يتم ذلك من خلال أشكال عديدة أهمها بث معلومات مضلِّلة والقيام بتداولات وهمية أهمها:
التلاعب المؤثر في السعر من خلال بث معلومات مضلِّلة: ويحدث عندما يقوم متلاعب بنشر معلومات غير صحيحة، أو معلومات صحيحة ولكن معروضة بطريقة يمكن أن يفسرها بقية المتداولين بشكل خاطئ، بما يؤدي إلى التأثير في توقعاتهم حول قيمة الورقة المالية، مثل نشر الشركة المساهمة معلومات مضلِّلة حول وضعها المالي، وهنا تبرز أهمية دقة البيانات المالية الصادرة عن الشركة، وضرورة تدقيقها بدقة بما يتوافق مع واقع الشركة والمعايير المحاسبية المعتمدة.
ـ التلاعب المؤثر في السعر من خلال تداولات وهمية: وهي أكثر أنواع التلاعب شيوعاً، ويحدث عندما يقوم المتداول بتنفيذ تداولات تُحدث آثاراً مباشرة في الأسعار والكميات المتداولة في السوق، بما يؤدي إلى التأثير في توقعات بقية المتداولين في السوق حول قيمة الورقة المالية محل التداول.
ومما سبق يتبين أن معظم حالات التلاعب تعود لضعف مستوى الإفصاح وعدم دقته وتطابقه مع الواقع من خلال بيانات مالية ناقصة أو مخالفة للواقع وتداولات وهمية.
وهذا التلاعب يسبب الضرر للاقتصاد الوطني، وكذلك المستثمرون أفراداً ومؤسسات، حيث يؤدي إلى عزوف المستثمرين عن توظيف أموالهم في السوق، وتضرر المستثمر الحقيقي لمصلحة مضاربين ومستغلين طفيلين.
ومحاربة التلاعب تكون من خلال تطبيق دقيق لمعايير إعداد القوائم المالية للشركات المدرجة وتأمين آليات المحاسبة المالية الدقيقة والتطبيق الزجري لمعايير المحاسبة المالية.
وتجريم حالات التلاعب وتعريفها تعريفاً دقيقاً يجعل من اليسير إجراء التحقيقات فيها، ومن ثم مقاضاة مرتكبيها.
وفي سورية جاء القانون رقم 22 لعام 2005 المتعلق بإنشاء هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية بأحكام عامة لم تتطرق إلى التلاعب بصورة مباشرة وأحكام تفصيلية، ولكنه اتاح للهيئة مسؤولية حماية المواطنين والمستثمرين في السوق من الممارسات غير السليمة وغير العادلة التي تنطوي على غش أو تلاعب أو تدليس أو احتيال.
وتأييداً لذلك أعطى القانون لمجلس إدارة السوق صلاحية اقتراح الغرامات التي تفرض على مرتكبي تلك المخالفات، ومن بين تلك المخالفات:
- تصديق مدقق الحسابات أو المحاسب على بيانات مالية غير صحيحة أو مضلِّلة أو مخالفة للمعايير المحاسبية ومعايير التدقيق المعتمدة.
- تقديم بيانات غير صحيحة أو مضلِّلة.
- عرض أوراق مالية أو بيعها بالاستناد إلى بيانات ومعلومات غير صحيحة أو مضلِّلة.
- استغلال شخص ما بحكم وظيفته أو مركزه لمعلومات داخلية أو سرية تتعلق بأوراق مالية لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية.
- بث وتوزيع الشائعات أو إعطاء معلومات أو بيانات غير صحيحة أو مضلِّلة حول أي ورقة مالية بغرض التأثير في سعرها أو سمعة الشركة المالكة لهذه الورقة.
كما حظر المرسوم التشريعي 55 لعام 2006 على المدير التنفيذي ونائبه وأي من موظفي السوق القيام بأي عمل من شأنه استغلال أي معلومات اطلعوا عليها بحكم عملهم لدى السوق لغايات الكسب المادي أو المعنوي بشكل مباشر أو غير مباشر، وإفشاء أي معلومات سرية اطلعوا عليها بحكم عملهم لدى السوق لأي طرف آخر غير المفوض بالاطلاع عليها.
إن مراجعة سريعة للقوانين الناظمة لتداول الأوراق المالية وسوق الأوراق المالية السورية يبين وجود غموض وقصور في التشريعات يترك ثغرة يمكن للمتلاعبين والمضاربين استغلالها.
وإن عدم تسجيل حالات تلاعب خطر في السوق السوري يعود لضآلة التداولات والحداثة النسبية للسوق.
ولكن النهضة الاقتصادية المتوقعة في سورية وحاجات النمو الاقتصادي السليم المبني على الإنتاج وليس المضاربة، يستدعي مراجعة للقوانين الناظمة لعمل سوق الأوراق المالية لتطويرها بما يكفل انسيابية التداول ويعزز ثقة المستثمرين.