ليس مناسباً على الإطلاق الركون إلى الكثير من الطمأنينة عندما تطالعنا أقساط التأمين بنسب مضطردة من النمو السنوي بلغ آخرها أكثر من 30 بالمئة العام 2010 مقارنة بالعام الذي سبقه، ذلك أن نسبة مساهمة قطاع التأمين السوري في الناتج المحلي الإجمالي لاتزال نسبة هزيلة لم تبارح عنبة 2 بالمئة على الإطلاق، رغم المرونة المنسوبة إلى تعديل تشريعات الاستثمار الخاصة بشركات التأمين خلال العام الحالي، إذ لا تلبث الفوائد الناجمة عن الإيداعات المصرفية أن تشكل الحيز الأكبر من استثمارات شركات التأمين في حين يبدو جلياً أن عوائد أعمالها التشغيلية لا تزال تعاني الكثير من الوهن فلا تتجاوز في قيمها نفقات تلك الشركات، وإلى الآن لم توقظ سياسة الباب المفتوح لهيئة الإشراف على التأمين سبات شهية شركات التأمين المفترضة في الاستثمار.
القناة الوحيدة؟!
بدا أن السماح لشركات التأمين العاملة في السوق السورية في المشاركة بمزادات الأوراق المالية الحكومية بمثابة طريق ممهد أمام هذه الشركات على أن تكون غايته القصوى استثمار جزء من الكتلة النقدية المتوافرة لديها، والمؤكد هنا أن هذا النوع من الاستثمار يتميز بالثبات والمصداقية، يقول سامر بكداش المدير العام للشركة الكويتية السورية للتأمين إن مجال الاستثمار المتاح الآن يكمن في سندات الخزينة الحكومية، ويضيف: أساساً نحن لدينا باقة واسعة من المجالات الاستثمارية، وأخبرتنا الهيئة بأن نوافيها بتلك القائمة بغية دراستها والموافقة عليها وقالت الهيئة بأنه ليس من المعقول أن تضع قائمة لكل الاستثمارات الممكنة لشركات التأمين لذا فإن شرط الموافقة من قبلها على الاستثمار بهذا المشروع أو ذاك شرط حتمي، وهذا يتطلب أن نوافي الهيئة بالمشروع وبدراسة الجدوى وبالمبلغ المراد استثماره وليس بالضرورة أن يكون الاستثمار محصوراً بالقائمة التي وضعتها هيئة الأشراف على التأمين، وبالتالي لم تضع الهيئة سقفاً للمبلغ المسموح استثماره، وهذه خطوة إيجابية بالمطلق.
تشريعات منجزة
تضاعفت أقساط التأمين في سورية 3 مرات منذ العام 2006 وبلغت في العام الماضي نحو 500 مليون دولار بنسبة نمو 31.5 بالمئة زيادة عن عام 2009 إلى جانب تطور معظم المحافظ التأمينية وخاصة محافظ التأمين الصحي والحياة والحريق، وخلال العام الحالي جندت هيئة الإشراف على التأمين سلسلة من الإجراءات بغية تعزيز دور شركات التأمين العاملة في السوق السورية وذلك بقصد زيادة مساهمتها في عملية التنمية دون أن تغفل حماية حقوق حملة وثائق التأمين وإعادة دراسة الإجراءات والقرارات الناظمة لعمل السوق، ما أتاح انبثاق مجالات جديدة لاستثمارات شركات التأمين بحيث تسهم أكثر في توزيع المخاطر المتأتية من التوظيفات الاستثمارية وتحقق عائدية أفضل للشركات، هذا عدا عن تعديل قرار حجز الاحتياطات الفنية وتخفيض رسم الطابع النسبي للتأمين الصحي وتأمينات الحياة وإعفاء رسم الطابع المقطوع للتأمينات الصغيرة وتطوير ضوابط ترخيص وكلاء التأمين وشركات إدارة النفقات الطبية، ونظام إدارة المخاطر، وتنظيم عمليات إعادة التأمين وضبطها.
الاستثمار بعيداً عن الودائع
الآن باتت الاستثمارات الممكنة أمام شركات التأمين السورية مباشرة أي لم تعد مقتصرة على الاستثمار في الودائع المصرفية، الأمر الذي سيفضي بشركات التأمين أن ترفع من المحصلة النهائية لفاعليتها في الاقتصاد السوري وهذا مكمنه في إمكانية دخولها في قطاعات استثمارية واسعة.
لكن لاتزال ثمة حاجة يراها عديدون في صدور قرار عن وزارة المالية يفتح من خلاله مجالات استثمارية جديدة في الصكوك الإسلامية أو في سندات الدولة، إضافة إلى ضرورة إعادة النظر في التشريع الذي يمنع استثمار الشركة المدرجة أسهمها في سوق الأوراق المالية، لكن مزيداً من الحرص شاب ما عدلته الهيئة في نظام الاستثمار الذي لا يسمح لشركات التأمين بأن تستثمر في سندات الخزينة أكثر من 15 بالمئة من رأس المال لدى الشركات والاحتياطيات المحتجزة، وهنا يوضح د.عماد الدين خليفة المدير العام لشركة الثقة للتأمين : بالنسبة لموضوع الاستثمار في شركات التأمين فهو موضوع بالغ الأهمية حيث إن شركة التأمين التي لا تستثمر تكون أشبه بشخص يقف على قدم واحدة هذا بالعموم، أما ما يخص شركات التأمين السورية فالاستثمار منوط بهيئة الإشراف على التأمين حيث حددت نسب الاستثمار ومصدره، وما إذا كان من الاحتياطات الفنية لدى الشركة أو من رأسمال الشركة، وهناك قرار حدد مجالات الاستثمار ونسبه بعد أن تم تعديل قرار سابق كان قد صدر في العام 2007 في هذا الخصوص خلال هذا العام الأمر الذي وسع من القاعدة الاستثمارية الممكنة أمام شركات التأمين.
وصفة لإطالة عمر شركات التأمين
بالرغم من أنه لا يوجد شركة تأمين سورية مصنفة تصنيفاً ائتمانياً عالمياً باستثناء الاتحاد العربي لإعادة التأمين غير أن شركات التأمين السورية تتمتع على نحو جلي بملاءة عالية جداً مقارنة مع أقساط التأمين في السوق السوري, وهذا مبعثه قبل كل شيء ضخامة رؤوس أموال الشركات, إضافة إلى إعادة تأمين الكثير من الأعمال خارج سورية مع شركات إعادة تأمين عالمية مصنفة إئتمانياً.
ويمكن القول إن شركات التأمين السورية في مرحلة ما بعد سوق دمشق للأوراق المالية بدأ معظمها بتشكيل محافظ أوراق مالية كاستثمارات جديدة هذا عدا عن أن شركات أخرى بدأت في تملك بعض العقارات وهذا أيضاً قد يحمل في تفاصيله تنوعاً استثمارياً ولإن ضمن طيف غير متسع القنوات وليس بذي عائدية عالية, لذا فإن الجزء الأكبر من سيولة شركات التأمين السورية لا يزال على شكل إيداعات مصرفية, غير أن التنوع الاستثماري الذي بات مفتوحاً أمام شركات التأمين بالتزامن مع التعليمات التنفيذية لقرار هيئة الإشراف على التأمين المرتبط باستثمارات شركات التأمين استطاع تغيّر النص الأساسي لسيناريو الاستثمار لدى شركات التأمين , ومجدداً يوضح الدكتور عماد الدين خليفة, المدير العام لشركة الثقة للتأمين: " هذا الاستثمار يشكل رافداً أساسياً لشركات التأمين حتى تقوم بأعمالها لأن أي شركة تأمين إن اعتمدت أقساط التأمين وحدها فلن يكون عمرها طويلا وعائدية هذه الاستثمارات ستدعم الجانب الفني إذ إن المطالبات موضوع ليس تحت السيطرة على الدوام ولا سيما حين تدخل شركات التأمين في تغطية حوادث كبيرة وهنا يأتي دور عائدات الاستثمار كداعم ورافد لشركة التأمين بغية الاستمرار في عملها على أن وجه. كما أن إيجابيات الاستثمار في شركات التأمين ستقدم فائدة لنمو هذا القطاع ككل وعائدية أيضاً لأصحاب رأس مال الشركة."
خارج دائرة المال الخامل
إن كان من الثابت أن عدد شركات التأمين في السوق السورية يبلغ 13 شركة منها شركة واحدة حكومية و 12 شركة خاصة من بينها شركتان للتأمين التكافلي , فإن من الثابت أيضاً أن الكثير من التشريعات بنطاقاتها المتباينة في الاتساع والمرونة لا تزال تشكل عائقاً مهماً أمام تعاظم دور الاستثمار المحلي الذي يفترض به أن يكون داعماً ومكملاً للصورة النهائية للاستثمار بكليته وما يتضمنه من شق خارجي وهذا ما قد ينعكس سلباً على خط أداء الشركات المعنية بالمال والتي تكون شركات التأمين أحد مكوناتها الأساسية دون إغفال الحرص على الحقوق العامة للمالكين والمساهمين حال التفكير والاستثمار , وهذا ما يفسر أن النسبة الأكبر من أموال هذه الشركات لا يزال توظيفها على هيئة إيداعات مصرفية قد تكون فوائدها مغرية لبعض الشركات التي لا تجيد القراءة في فضاءات استثمارية أخرى..
أليس من الأجدى بشركات التأمين تجنيد جزء من رأس مالها في استثمارات مختلفة عن أنشطتها التشغيلية بحيث تكون داعمة لها من خلال توفير ربحية وعائدية تسهم في جذب المستثمرين إلى هذه القطاعات وخصوصاً أن خلق عوائد تشغيلية في قطاع التامين السوري يحتاج إلى تراكم الكثير من الوقت, ومعه ستتوافر أدوات استثمارية جديدة لتتيح لشركات التأمين توظيف جزء من سيولتها ضمن مجالات استثمارية جديدة, مثل هذا الأمر بدأ التحقق فعلاً مع السماح لشركات التأمين في الاستثمار بمزاد سندات الخزينة الأخير , وهذا يجنح بالشركات صوب الحاجة إلى تطوير القوانين بهدف فتح قنوات استثمارية وتوفير مناح استثماري ملائم يستطيع بحق توظيف رؤوس أموالها في استثمارات جديدة, وهذا سيسهم بدوره في الخروج مما يسمى بدائرة المال الخامل أي المال المرتاح الذي ينمو ببطء جراء العائدية المتأتية من فوائد الإيداع المصرفي. ما يقتضي على هذه الشركات إجادة التفكير في تطوير سبل الاستثمار التي باتت متاحة أمامها إلى جانب المصارف وأن تتوسع أفقياً معها في الاستثمار بدلاً من أن تلعب الأخيرة دور الوسيط في توظيف أموال هذه الشركات التي لا تتحرك إلا في أنشطة محددة وهذا يفرض بالضرورة أن يكون لكل شركة إستراتيجيتها الاستثمارية الخاصة التي تتجنب فكرة القوالب الاستثمارية الموحدة, وهذا ينجز تحريك الأموال المودعة في المصارف وتشغيلها في قنوات استثمارية تخلق قيم مضافة وتصوغ إنتاجية جادة تضمن توظيف الكفاءات البشرية في دائرة العمل وهذا تمتين جديد لشراكة من نوع مختلف في الاقتصاد الوطني .
مزايا أخرى للتعديلات
تضمن التعديلات ذات الصلة باستثمارات شركات التأمين رفع نسب استثمارات هذه الشركات سواء كان من حقوق المساهمين أو من رأس مال الشركة ذلك بغية زج الأرباح المدورة والاحتياطات الاختيارية والإجبارية ضمن المبالغ المستثمرة وهذا يضمن رفع عائدية الاستثمارات التي تنخرط بها شركات التأمين إضافة إلى تعديل نسبة الاستثمار الخاصة بتملك العقارات لمقرات الشركة كإدارة عامة أو فروع في المحافظات , ثم رفع النسب الاستثمارية وفتح قنوات توظيف جديدة خاصة بالمشاريع التي تقترحها هيئة الاستثمار , وذلك بعد موافقة هيئة الإشراف على التأمين والسماح للشركات بالاقتراض من أجل تملك عقارات .
والأهم يمكن تقفيه من رغبة هيئة الإشراف على التأمين العاملة في السوق المحلية تقود إلى ضرورة تنويع محفظاتها الاستثمارية خاصة بعد تعديل نظام الاستثمار الخاص بعملها مع التيقن بحتمية تقديم مزيد من المواظبة على تكريس ثقافة التأمين والأتيان عليها منن غير الإلزامية حيث أن القوانين المتبوعة بمجملها تكرس منهج التأمين الإلزامي بدلاً من نشر الوعي التأميني لذا يدخل معظم المؤمن عليهم عقود التأمين بلا أدنى قناعة في جدواه.