بات معروفاً للجميع بأن حوادث السرقة والحريق تتكاثر مع وجود أزمة اقتصادية في العالم..ففي الولايات المتحدة نشطت عمليات افتعال حوادث سرقة السيارات بعد الأزمة الاقتصادية وكذلك افتعال حوادث الحريق في المعامل والمتاجر بغية لجوء المتضررين إلى شركات التأمين وقبض التعويض المناسب..هذا الأمر لا يخفى على شرطة التأمين في الولايات المتحدة وعلى شركات التأمين ورغم إحباط العديد من عمليات الاحتيال التأميني ووضع الاحتياطات اللازمة إلا أن عمليات الاحتيال التأميني ناشطة دوماً وبأساليب مختلفة لا يمكن حصرها..
التعريف Definition
الاحتيال في التأمين أو ما يعرف بالانجليزية "Insurance fraud " هو افتعال مطالبة التأمين ، أو المبالغة في قيمة المطالبة من خلال زيادة قيمة الضرر أو تغيير طبيعته بوسائل غير مشروعة بغرض الاثراء غير المشروع على حساب شركة التأمين.
وقد اعتبر مركز جرائم ذوي الياقات البيضاء في الولايات المتحدة الأمريكية جرائم الاحتيال التأميني كفرع من فروع جرائم ذوي الياقات البيضاء باعتبار أن الكثيرين ممن يرتكبون الاحتيال التأميني هم من أصحاب المصانع والأملاك ومن رجال الأعمال الذين يتمتعون بقيمة اجتماعية واقتصادية كبيرة ومكانة وثقة تبعدهم عن الشبهات ، وتحت هذه الهالة يتم ممارسة أنواع مختلفة من التلاعب بمواجهة شركات التأمين.
أنواع الاحتيال التأميني :
- الاحتيال الرئيسي : من خلال قيام شخص باختلاق ادعاء وقوع حادث أو أذى أو سرقة أو ضرر غير موجود أصلاً ، أو الإدعاء بقيامه بأداء خدمة لا وجود لها ولم تؤدى ، وكلّ ذلك بغرض الحصول على كسبٍ غير مشروع من شركة التأمين .
- الاحتيال الثانوي : من خلال قيام شخص أمين ومستقيم بطبيعته- باختلاق أكاذيب أو مبالغات صغيرة بغرض تضخيم الضرر وزيادة مبلغ التعويض من شركة الـتأمين بغير وجه حق.
خسائر شركات التأمين من الاحتيال
- دفع مبالغ غير واجبة أو مستحقة أصلا مما يزيد كلفة عمليات التأمين.
- دفع كلفة الحالات المشتبه بها ولم يثبت تماماً أنها احتيالية لنقص الأدلة مضافاً إليها كلفة التقصي والتحري في مثل هذه الحالات.
- التكاليف الاضافية لكل الحالات التي يثبت أنها إحتيالية مضافاً إليها تكاليف هذه الحالات في حال إحالتها أمام المحاكم.
صور من الاحتيال التأميني :
- حوادث المرور : من خلال اختلاق حادث غير موجود أصلاً ، أو إعطاء معلومات غير صحيحة عن حادث وقع فعلاً ، أو الحريق المتعمد.
- إحراق الممتلكات بشكل مفتعل : يقوم المؤمن بنفسه أو بتحريض منه بإشعال النار في الممتلكات المؤمنة بغرض الحصول على تعويض غير مستحق.
- إدعاء إصابات العمل : من خلال قيام صاحب المنشأة أو أحد العاملين بادعاء وقوع اصابة عمل أو إعطاء معلومات كاذبة عن إصابة حقيقية ، أو من خلال قيام شبكة منظمة تشمل أرباب عمل وعمال مؤمن عليهم وأطباء وسماسرة متخصصين وتعمل الشبكة باختلاق إصابات عمل وأمراض مهنية غير حقيقية بغرض الحصول على تعويضات تأمين غير صحيحة.
- إصابات مختلقة : يتم الإدعاء بإصابة زبون المحل أو المعمل ، وفي الواقع لا تكون هناك إصابة أصلاً ويكون الشخص المدعى بإصابته لم يدخل المكان أصلا.
- الاحتيال في مجال التأمين الطبي : من خلال تقديم الخدمة الطبية غير الضرورية وعمل مقابلات طبية وفحوصات وصور أشعة غير ضرورية ولا تستلزمها حالة المريض وقد تكون مضرة بصحته وذلك بغرض الحصول على مقابل غير مستحق من شركة التأمين ، أو من خلال التواطؤ بين الطبيب والمريض أو المشفى والمريض وتقديم خدمات وإجراء عمليات غير مشمولة بعقد التأمين وفيها يتم الإتفاق غير المشروع ما بين مؤمن له وطبيب على تقديم أدوية أو اجراء عمليات غير مغطاة كعمليات التجميل وشفط الدهون.الخ مع القيام بتزوير الاوراق المقدمة لشركة التامين بالاشارة لعمليات جراحية مغطاة.
أمثلة على تكلفة الاحتيال التأميني :
إن تكلفة الاحتيال التأميني في الدول المتقدمة باهظة جداً فعلى سبيل المثال قدرت منظمة مكافحة الاحتيال التأميني في الولايات المتحدة Coalition Against Insurance Fraud (CAIF) التكلفة على الاقتصاد الامريكي بمبلغ 85 بليون دولار سنوياً. فيما قدرها معلومات التأمين الأمريكيInsurance Information Institute بمبلغ 27 بليون دولار خلال عام 2001..
وفي عام 2004 قامت النروج البالغ تعداد سكانها حوالي 5 ملايين نسمة، والتي فيها 1.3% من حجم التأمين في أوروبا، باستحداث جهاز خاص بالتحري عن الاحتيال التأميني وتعيين أكثر من 70 مفتشاً ورجل تحري بعد أن ازدادت حالات الاحتيال في التأمين على الحياة التي وصلت نسبة الاحتيال فيها إلى أكثر من 10 % من حجم التعويضات التي بلغت 3 مليار يورو وقد استعادت النروج نحو 40 مليون يورو بعد تعيين رجال التحري.
صعوبات تواجه المكافحة
- الاحتيال التأميني مغرٍ جداً لأنه يحقق مكاسب ضخمة ومخاطره قليلة جداً ، وتتنامى مظاهره بسرعة كجريمة مالية وأصبح (في الولايات المتحدة) في المرتبة الثانية مباشرة بعد جريمة التهرب الضريبي وتصعب محاصرته والحدّ منه لأنه يتم بواسطة ذوي الياقات البيضاء ، وتستلزم مكافحته تضافر جهود السلطات وشركات التأمين والإعلام والمنظمات غير الربحية.
- يعامل المجتمع الاحتيال التاميني كجريمة غير ضارة خصوصاً أنها مرتكبة ضد جهات غير مثيرة للشفقة محسودة بكثرة أموالها وهي شركات التأمين.
الآثار السلبية للإحتيال التأميني :
- ارتفاع كلفة التأمين( مطالبات ومخصصات أخطار ومصروفات إدارية) وبالتالي اضطرار كل شخص لدفع مبلغ أكبر مقابل عمليات التأمين.
- اضطرار شركات التامين لخفض كفاءة وجودة الخدمات المقدمة لتقليل الخسائر.
- تردد أو إحجام شركات التأمين عن المبادرة وفتح آفاق جديدة كالتأمين الطبي وتأمين المستوردات والتأمينات المختلفة الصناعية والزراعية.
مقترحات شخصية :
- تدريس "الاحتيال على شركات التأمين" كمادة منفصلة في المواد الجزائية في كلية الحقوق والمعهد القضائي.
- التركيز على دور نقابة المحامين في نشر المعلومات عن جرائم الاحتيال التأميني وتوعية المحامين بهذا النوع من الاحتيال.
- تفعيل دور النيابة العامة والشرطة والأجهزة المختصة في مكافحة جرائم الاحتيال على التأمين لأن تصدي شركات التأمين وظهورها كمدع وحيد قد يفهم منه المماطلة أو سوء النية تجاه المطالبات.
- التركيز على دور الاتحاد السوري لشركات التأمين في التقليل من الاحتيال التأميني من خلال إنشاء قاعدة بيانات الكترونية لجمع المعلومات عن عقود التأمين والحوادث والمطالبات التي تتم أمام الشركات وإدراجها عبر برامج كمبيوتر متقدمة وتدريب العاملين عليها من أجل ضبط حالات الإحتيال وعدم صرف مطالبة لنفس الحادث أكثر من مرة من أكثر من شركة أو من أجل منع الازدواج في التأمين على الممتلكات أو السيارات واختلاق الحوادث الوهمية وقبض التعويض أكثر من مرة.
- دور هيئة الإشراف على التأمين باعتبارها المرجع الحكومي الرسمي المشرف على شركات التأمين في استصدار تشريع خاص بمكافحة جرائم الاحتيال التأميني أسوة بمكافحة جرائم غسل الأموال المستحدثة في المصرف المركزي ، وإحداث جهة خاصة بالتحري عن جرائم الاحتيال التأميني واستحداث وحدات تحري متخصصة داخل شركات التأمين تعمل بتنسيق تام مع السلطات الرسمية.
- دعم الجهات الرسمية العاملة في مكافحة أعمال الاحتيال المالي بكل أنواعه.
الخاتمة :
- بحسب المعلومات المتوفرة لديّ فإنّ هنالك مساعٍ مشتركة بين جامعة الدول العربية ممثلة بمجلس الوحدة الاقتصادية العربية ومجموعة من رجال القانون العرب من أجل تأسيس الاتحاد العربي لمكافحة الجرائم المالية والدولية وغسل الأموال وذلك من أجل نشر المزيد من الوعي في هذا المجال خصوصاً وأن جرائم الاحتيال التأميني من أفظع الجرائم التي عرفتها البشرية وأشدها وحشية منذ فجر الـتـــاريخ.
- نشر الباحث (شيفر ماكس) بحثاً علمياً دقيقاً رتب فيه جرائم التأمين حسب ما رصدته ملفات الشرطة الدولية ودراساتها فوجد أنه يأتي في المرتبة الأولى من جــــرائم القتل بسبب إغراء التأمين قتل الزوجة لزوجها ، ويأتي في المرتبة الثانية قتل الزوج لزوجته، وفي المرتبة الثالثة يأتي قتل سائر الأقرباء مـن أم وأب وغيرهم، وفي المرتبة الرابعة قتل الأولاد مـن قِبَل والديهم، ولا يأتي قتل الأجـانب إلا في المرتبة الخامسة. وإنه لمنتهى العجب أن يكون التأمين ـ الذي يقصد به اتقاء الأخطار ورفعها ـ أعظم سبب لأبشع الجرائم والأخطار وأشنعها
وليس أدل على ذلك من أن (جاك جراهام) وهو أحد مجرمي التأمين وضع في طرد الهدايا الذي حملته أمه معها في الطائرة لـغـمــاً هائلاً مزق أمه أشلاءاً، ودمر الطائرة بمن فيها في الجو. وأن (ألفريدي تلتمان) قتلت زوجــهــــا بالسم، ثم ابنها تخلصاً منهما لتنفرد بمبلغ التأمين من بعدهما. وأن (جوفياني فينا رولي) قتل زوجته بالخدعة شر قتلة. وأن (جوليان هرفي) قتل بالرصاص جميع من كان على ظهر إحدى البواخر بمن فيهم زوجته، ثم أغرق الباخرة لكي يحصل على تأمين زوجته الضـخــم.