دعوى التأمين هي الدعوى التي تنشأ عن عقد التأمين، ولا فرق في ذلك بين دعاوى تأمين بقسط ثابت وتأمين تعاوني أو تأمين من الأضرار أو تأمين على الأشخاص، إلا أن هناك اختلاف من حيث وقت سريان مدة التقادم فيما يخص عقد التأمين البحري الذي تتقادم دعواه بمضي خمس سنوات .
وتخضع تلك الدعاوى للتقادم الثلاثي أيا كان الحق الذي تحميه، فقد يكون حقاً للمؤمن أو للمؤمن له أو للمستفيد ومن الدعاوى التي هي حق للمؤمن دعوى المطالبة بالأقساط .
إن التقادم الثلاثي لا يسري إلا على الدعاوى المستندة إلى العلاقة بين طرفي عقد التأمين (المؤمِّن والمؤمَّن له) والتي تنشأ عن هذا العقد مباشرة، كذلك تخضع للتقادم الثلاثي دعوى المستفيد لأنها تنشأ مباشرة عن عقد التأمين وفقاً لقواعد الاشتراط لمصلحة الغير .
وخلافاً لما تقدم توجد دعاوى لا تعتبر ناشئة عن عقد التأمين فلا تخضع أصلاً للتقادم المنصوص عنه في الفصل الخاص بعقد التأمين في القانون المدني بل تخضع للقواعد العامة، ومن هذه الدعاوى دعوى المسؤولية التي يرفعها المضرور ضد المسؤول المؤمن ضده في التأمين من المسؤولية ودعوى المؤمن له على السارق في التأمين ضد السرقة.
فهذه الدعاوى تستند إلى حق خاص قرره القانون لهم عملاً بنص المادة 736/1 من القانون المدني السوري.
وكذلك الدعوى التي يطالب فيها وكيل التأمين بعمولته ليست ناشئة من عقد التأمين، وإنما من عقد الوكالة بالعمولة.
ويجب عدم الخلط بين دعوى المضرور تجاه المؤمن (الدعوى المباشرة)التي لا تنشأ عن عقد التأمين، وبين الدعوى التي يرفعها المؤمن له ضد المؤمن للمطالبة بمبلغ التأمين،فتلك الدعوى الأخيرة تعتبر ناشئة عن عقد التأمين.
مدة التقادم ومدى جواز الإتفاق على تعديلها
تتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بانقضاء ثلاث سنوات، وفق القواعد العامة ، وتبدأ هذه المدة من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها هذه الدعاوى، وهذه المدة أقصر من مدة التقادم العادي وفق القواعد العامة والتي هي خمس عشرة سنة، وينطبق ذلك أيضاً فيما يتعلق بحق المؤمن في اقتضاء قسط التأمين الذي كان يسقط بالتقادم لو خضع للقواعد العامة بمرور خمس سنوات من تاريخ استحقاقه باعتباره من الحقوق الدورية المتجددة ( المادة 373 مدني سوري ) وهذا التقادم القصير المقصود منه حسم المراكز القانونية للمتعاقدين.
ولما كانت أحكام تقادم دعوى التأمين، ومنها مدته، قد وردت في الفصل الخاص بعقد التأمين في القانون المدني الذي نص في المادة 719 على بطلان كل اتفاق يخالف أي حكم ورد في هذا الفصل إلا أن يكون لمصلحة المؤمن له أو لمصلحة المستفيد، وذلك كحكم مكمل لنص المادة 718 مدني سوري المحدد لمدد التقادم وهذا النص نص عام ويصطدم بالنص الخاص الوارد في المادة 385 مدني سوري التي تقضي بأنه لا يجوز الاتفاق على أن يتم التقادم بمدة تختلف عن المدة التي عينها القانون.
وعند تعارض النص العام مع النص الخاص يطبق النص الخاص وترتيباً على ذلك كنتيجة لا يجوز الاتفاق على تعديل مدة التقادم سواء قصد بذلك مصلحة المؤمن أو المؤمن له.
كذلك يقع باطلاً كل شرط يقضي بسقوط حق المؤمن له في المطالبة بمبلغ التأمين بأقل من ثلاث سنوات.
بدء سريان التقادم
وضع المشرع السوري في نص المادة 718/1 القاعدة التي تبين وقت سريان التقادم ثم أورد عليها بعض الاستثناءات تضمنتها الفقرة الثانية من ذات المادة. فالأصل أن التقادم الثلاثي يبدأ من وقت وقوع الحادث المنشئ للدعوى، أما تقادم دعوى المطالبة بالقسط فيبدأ من تاريخ استحقاقه، وتقادم الدعوى التي تقضي بفسخ العقد تبدأ من تاريخ قيام سبب الفسخ، والأصل أيضاً أن تبدأ هذه المدة بالنسبة لدعوى المطالبة بمبلغ التأمين من وقت وقوع الخطر على نحو يشمله ضمان المؤمن.
ولقد خرج المشرع عن القاعدة المذكورة آنفاً في بعض الحالات حين قضى بتراخي بدء سريان التقادم فيها عن وقت حدوث الواقعة أي قيام السبب الذي تتولد عنه الدعوى وهذه الحالات تتجلى بما يلي:
الحالة الأولى :
حالة إخفاء البيانات المتعلقة بالخطر المؤمن منه أو تقديم بيانات غير صحيحة أو غير دقيقة عن الخطر: في هذه الحالة لا يبدأ سريان التقادم إلا من يوم علم المؤمن بما حدث من كتمان أو إغفال أو كذب ولقد رتب المشرع على ذلك البطلان أو الفسخ وذلك تطبيقاً لنص المادة 379/1 مدني سوري التي تقضي بأنه ( لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً ...). وهكذا يتم وقف سريان التقادم خلال الفترة التي يتعذر فيها على المؤمن رفع الدعوى.
الحالة الثانية :
هي حالة وقوع الحادث المؤمن منه حيث يستحق المؤمن له مبلغ التأمين من هذا الوقت وكان يجب أن يبدأ سريان تقادم دعوى المطالبة بمبلغ التأمين من هذا الوقت أيضاً تطبيقاً للقاعدة العامة التي تقضي بعدم بدء سريان التقادم إلا من اليوم الذي أصبح فيه الدين مستحق الأداء، ومع ذلك فإن النص المذكور يتحفظ بالقول ((فيما لم يرد فيه نص خاص))الأمر الذي يعني أنه توجد حالات يتأخر فيها بدء سريان التقادم عن يوم استحقاق أداء مبلغ التأمين عملاً بنص المادة 718/2، ومن هذه الحالات حالة جهل المستفيد بوجود عقد التأمين أو الجهل بوقوع الحادث، في هذه الحالة يبدأ سريان التقادم من يوم علم ذوي الشأن بوقوع الحادث ويتأخر فيها بدء سريان التقادم عن يوم استحقاق أداء مبلغ التأمين أي عن يوم وقوع الحادث وفق نص المادة 718/2.
الحالة الثالثة : حالة رجوع المؤمن له على المؤمن بعد رجوع المضرور على المؤمن له وهذه الحالة الخاصة بالتأمين من المسؤولية.
في هذه الحالة يسري التقادم من وقت مطالبة المضرور للمؤمن له قضائياً بالتعويض، ولا يتأخر سريانه لحين صدور الحكم بمسؤولية المؤمن له.
وقف التقادم أو انقطاعه
تطبق في شأن وقف تقادم دعاوى التأمين القواعد العامة فيما لم يرد نص خاص ، لذلك فإنه يوقف تقادم هذه الدعاوى طبقاً للمادة 379 مدني سوري كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان هذا المانع أدبياً، والمانع قد يكون قوة قاهرة (كالحرب). وتدل الوقائع أن القانون قد طبق إلى حد ما المبدأ الذي جاء في المادة 379 مدني سوري حين قضى في نص المادة 718 /2 مدني سوري من أن التقادم لايبدأ في السريان إلا من يوم علم المؤمن بالكذب أو الكتمان الصادر عن المؤمن له أو علم ذوي الشأن بوقوع الحادث ففي هاتين الحالتين يوجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه، كذلك يوقف سريان تقادم دعوى المؤمن بالمطالبة بالأقساط التالية للقسط المستحق خلال مدة الدعوى التي أقامها المؤمن للحكم بصحة العقد ودفع القسط المستحق، لأن استحقاق هذه الأقساط يتوقف على الحكم في هذه الدعوى الأخيرة.
وأيضاً فإن التقادم الثلاثي الخاص بدعوى التأمين لا يوقف لعدم توافر الأهلية في الدائن، سواء كان لناقص أو فاقدها نائب يمثله قانوناً أم لم يكن.
وفي نطاق التأمين من المسؤولية يوقف سريان التقادم على دعوى المؤمن له ضد المؤمن خلال المدة التي يتولى خلالها المؤمن إدارة دعوى المسؤولية التي رفعها المضرور ضد المؤمن له.
كذلك يقف سريان دعوى المضرور المباشرة في مجال التأمين من المسؤولية الناشئة عن حوادث السير خلال المدة التي تستغرقها الدعوى الجزائية، وذلك إذا كان الفعل غير المشروع الذي سبب الضرر والذي يستند إليه المضرور في دعواه ضد المؤمن مكوناً لجرم ورفعت دعوى جزائية على مقترفها وأساس ذلك أن الدعوى الجزائية تعتبر مانعاً للمضرور من أن يطالب بحقه تطبيقاً لقاعدة ( الجزائي يعقل المدني).
ويترتب على وقف سريان التقادم عدم حساب المدة التي استغرقها السبب الموجب لوقف التقادم .
أما بالنسبة لانقطاع التقادم، فإن تقادم الدعوى الناشئة عن عقد التامين ينقطع لأي سبب من أسباب انقطاع التقادم وفق القواعد العامة، كالمطالبة القضائية، وبالحجز ، وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه خلال السير في إحدى الدعاوى تطبيقاً لنص المادة 380 مدني سوري. والأصل أن التقادم في دعاوى التأمين ألا ينقطع بمجرد الإعذار ولو تم بموجب إنذار على يد محضر، فيما عدا دعوى المطالبة بالقسط ، فإن تقادمها يتقطع بالأعذار بكتاب مسجل مع إشعار بالوصول.
وينقطع التقادم أيضاً وفق القواعد العامة، بإقرار المدين بحق الدائن إقراراً صريحاً أو ضمنياً المادة 381/2 مدني سوري ومن قبيل إقرار المؤمن بحق المؤمن له في تعويض التأمين أن يوفي دفعة تحت الحساب لحين تقدير وتسوية المبلغ بأكمله.
كذلك فإن تقادم دعوى المؤمن ضد المؤمن له باسترداد ما دفعه الأول للمضرور في التأمين من المسؤولية بعد أن ثبت سقوط حق المؤمن له في التأمين، ينقطع بإقرار المؤمن له بدَينه هذا.
ويترتب على انقطاع التقادم سقوط المدة السابقة، ويبدأ تقادم جديد.
أثر التقادم والتنازل عنه
إذا ما اكتملت مدة التقادم على الحق أو الدعوى فللمدين أن يمتنع عن الوفاء بالدين ، ويسري هذا الحكم بصفة خاصة على التأمين الذي يقوم تقادم الدعاوى فيه على اعتبارات تتعلق بالنظام العام. ولما كان تقادم دعوى التأمين لا يقوم على قرينة الوفاء، فإن اكتمال مدة تقادم القسط يترتب عليه سقوط الالتزام به.
وإذا كان لا يجوز التنازل عن التقادم قبل ثبوت الحق فيه، فإنه على العكس يجوز التنازل عنه بعد اكتمال مدته وثبوت الحق في التمسك به عملاً بنص المادة 385 مدني سوري.
ولما كان التقادم وأحكامه من الأمور المطروحة أمام المحاكم والتي تهم كل من يعمل في مجال التأمين، كانت هذه المقالة التي تبحث في مفصل هام من مفاصل التأمين.
والله ولي التوفيق.