في مبدأ الحلول القانوني ودعوى رجوع المؤمن على المسؤول عن الحادث والأساس الفني للرجوع والرجوع بالاستناد إلى المسؤولية التقصيرية والرجوع بالاستناد إلى دعوى الحلول وأحكام حلول المؤمن محل المؤمن له ومجال الحلول ومدى جواز الجمع بين مبلغ التأمين وتعويض المسؤولية وجواز الجمع في التأمين على الاشخاص وعدم جواز الجمع في التأمين من الأضرار
وسنعالج في هذه المقالة:
المجال الثاني : حالات الحلول في التأمين من الأضرار:
إن المشرع إنما قصد من الحلول أن يمنع المؤمن له من الجمع بين تعويضين وأن يمنع الشخص المسؤول من الإفلات من مسؤوليته. وحيث أن مبدأ الحلول إنما ورد قانوناً في شأن حالة التأمين من الحريق (مادة 737 مدني سوري) ، وبما أن الصفة التعويضية تتحقق في كل أنواع التأمين،. فهل يمكن سحب حكم الحلول وفق المادة 737 المذكورة إلى بقية أنواع التأمين من الأضرار ؟ وهل يمكن تطبيق القواعد العامة في الوفاء، مع الحلول على التأمين من الأضرار بصفة عامة؟
إن حل المسألة المثارة هنا إنما يكون في الإجابة على السؤال التالي: هل يشغل المؤمن مركز الملزم بدين التعويض مع الغير المسؤول؟ وهنا فإن المشكلة تتجسد في إثبات أن وفاء المؤمن بمبلغ التأمين سيجعله في مركز الموفي بدين عن غيره وهو مركز يسمح له بالحلول محل الدائن ( المؤمن له ) الذي استوفى حقه وذلك متى كان هذا المؤمن ( الموفي ) ملزماً بالدين مع الغير أي المسؤول ( المدين ) أو ملزماً بالوفاء عنه. وبعبارة أوضح وأكثر إيجازاً هل يشغل المؤمن مركز الملزم بدين التعويض مع الغير المسؤول؟ هذا وإن مثل هذه المسألة يمكن من باب أولى أن تثار في تلك القوانين التي لم تتضمن نصاً صريحاً على مسألة الحلول في التأمين من الأضرار أو تلك التي لا تتضمن أحكاماً خاصة بعقد التأمين.
للإجابة على كل ما تقدم نقول: إن الفقه والقضاء قد ذهبا إلى أن الحكم الذي أورده المشرع السوري بنص المادة 737 مدني، وهو ذات الحكم الذي أورده المشرع المصري في المادة 771 مدني، إنما هو حكم خاص بالتأمين من الحريق فلا ينصرف إلى باقي أنواع التأمين لباقي الأضرار، ولذلك فإن المؤمن لا يستفيد في خصوص الأنواع الأخرى من التأمين (سوى التأمين من الحريق) من حكم الحلول بقوة القانون، إنما يلزم لذلك قيام اتفاق على الحلول، أو أن يكون قد جرى بذلك عرف باضطراد (كما في أحوال التأمين البحري). أي أنه ليس للمؤمن أن يرجع على فاعل الضرر في التأمين من الأضرار سوى حالة التأمين من الحريق وما جرى العرف على التعامل به في هذا الاختصاص، إذا كان المسؤول عن الحادث غير المؤمن له، إلا إذا اتفق في عقد التأمين على الحلول، فيكون سند هذا الحلول أو نوعه (الحلول الاتفاقي). ويرجع عدم جواز تمسك المؤمن بحكم الحلول القانوني (في غير الحالات المنصوص عليها صراحة في القانون) إلى عدم توفر شرط انطباق هذا الحكم وفق ما نص عليه صراحة في المادة 325 فقرة /آ/ مدني سوري المقابلة للمادة 326 مدني مصري، ومفاد نص تلك الفقرة من المادة المذكورة ومنطوقها أن قيام شخص غير المدين بالوفاء، فإن هذا الشخص يحل محل الدائن الذي استوفى حقه في حالة: ما إذا كان الموفي ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بوفائه عنه، فالقانون يشترط في الموفي، الذي يحل محل الدائن حلولاً قانونياً، أن يكون ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بوفائه عنه ، وهذا ما لا يتحقق بخصوص المؤمن لأن (الملزم بالدين مع المدين هو المدين المتضامن والمدين في دين لا يقبل الانقسام، والملزم بالدين هو الكفيل .. أما المؤمن فليس مديناً متضامناً مع المسؤول ولا مديناً في دين لا يقبل الانقسام ولا هو بكفيل له). ومن الممكن القول بأن وفاء المؤمن بمبلغ التأمين للمؤمن له ليس إلا تنفيذاً لالتزامه تجاه المؤمن له، بموجب عقد التأمين بينما يقتضي الرجوع بدعوى الحلول أن يكون الموفي للدائن بالدين الذي ترتب بذمة المدين لا بدين في ذمته هو. وعلى ذلك فإن القائلين بما تقدم ينتهون إلى أن القواعد العامة لا تسمح بحلول المؤمن محل المؤمن له حلولاً قانونياً في الرجوع على الغير المسؤول، وأن هذا هو الذي أدى بالمشرع إلى وضع نص خاص يكفل مثل هذا الحلول في مجال التأمين البري من الأضرار كما هو حال القانون الفرنسي، أو في مجال التأمين من الحريق كما هو الحال في القانون السوري.
إلا أن التسليم بالصفة التعويضية لكل أنواع التأمين من الأضرار، يؤدي إلى انهيار الأساس الذي بني عليه الرأي السابق الذكر. لأن المشرع عند وضعه قواعد نوع معين منها، فإنه سيلاحظ توافر الصفة التعويضية ويقرر الحلول بخصوصه وهو بذلك لا يكون قد خرج عن تطبيق الحكم الذي كانت تقضي به القواعد العامة في الوفاء مع الحلول. وإذا كان المشرع لم يورد حكم الحلول إلا في مجال التأمين من الحريق فمرجع ذلك أنه لم يضع قواعد تفصيلية للتأمين من الأضرار إلا بخصوص التأمين من خطر الحريق، خلافاً لما فعله المشرع الكويتي في القانون المدني، ومبرر ما خطاه المشرع السوري في المادة 737 مدني سوري المطابقة للمادة 771 مدني مصري أصل النصين هو النص الفرنسي الذي يبسط حكم الحلول على كل حالات التأمين من الأضرار، فيما عدا الأنواع التي لا ينطبق عليها القانون أصلاً. وهذا الحكم مسلم به في العديد من القوانين (الألماني ـ البلجيكي ـ السويسري ـ الإيطالي ـ اللبناني) .
والواقع أن القائلين والمؤيدين لحرمان المؤمن من حق الحلول القانوني، كانوا ضحية اعتقاد تقليدي معناه أن التضامن وعدم القابلية للانقسام هما الصورتان الوحيدتان للمسؤولية المشتركة للموفي من المدين، في حين أن العمل أظهر صورة حديثة لدين يتعدد فيه المدين في مواجهة الدائن، أو بمعنى آخر توجد التزامات متعددة تنشأ من مصادر متعددة ولكنها تتحد في الغاية، وهذا ما يسمى الالتزام التضامني. وهذا الالتزام الذي لا يلزم لوجوده نص قانوني، نراه في كل مرة تتحد فيه بعض الالتزامات من حيث الغاية رغم تعدد مصادرها، بحيث يكون المدين في الالتزام ملتزماً مع باقي المدينين بالوفاء بالدين، فإذا قام أحدهم بالوفاء وامتنع على الدائن الرجوع بعد ذلك على غيره من المدينين فإن المدين الموفي يكون في ذات الوقت قد قام بالوفاء بدين غيره من المدينين والوفاء بدينه هو، الأمر الذي يبرر رجوع المدين الموفي على غيره من المدينين عن طريق حلوله محل الدائن.
وبتحليل مركز المؤمن، في التأمين من الأضرار، الذي يفي بمبلغ التأمين للمؤمن له (المضرور) فإننا نجد أن هذا الوفاء يعتبر وفاء بدين التعويض المستحق للمؤمن له في ذمة الغير (المسؤول) ففي حدود القدر من تعويض المسؤولية الذي يعادل مبلغ التأمين، الذي يتصف بالصفة التعويضية، يكون أمام المؤمن له (الدائن في الالتزام بالتعويض) مدينان: الأول: المؤمن ومصدر التزامه عقد التأمين، والمدين الثاني هو الغير (المسؤول) ومصدر التزامه الفعل الضار. فمع ملاحظة هذا التعدد في الالتزامات ومصادرها ووحدة الغاية فيها (تعويض الضرر) فإننا نكون أمام التزام انضمامي، وهو صورة من الصور الحديثة لمسؤولية الموفي مع غيره عن الوفاء بالدين، وهي صورة تعطي الحق للموفي في الحلول محل الدائن في الرجوع على المدين الآخر متى كان الوفاء الصادر عنه مبرئاً لذمة المدين الآخر تجاه الدائن.
ومعنى ما تقدم أن التزام شركة التأمين بالتعويض نشأ من العقد، وإذا التزم شخص بالتعويض على أساس الفعل الضار، كان كل من الشركة وهذا الشخص ملتزمين بدين واحد له مصدري التزام مختلفين ومن ثم تتضامم ذمتهما في الدين دون أن تتضامن، إذ أن الالتزام التضامني (وخلافاً للالتزام التضاممي) يقتضي وحدة المصدر. أي أن مصادر المسؤولية وروابطها تتعدد وإن كان الدين واحداً.
هذا كله يتحدد بالنظر إلى الصفة التعويضية للتأمين، بحيث أن هذا الحكم يدور وجوداً وعدماً مع هذه الصفة، ولذلك فإنه لا يسري حكم الحلول في مجال التأمين على الأشخاص، وإنما فقط في مجال التأمين من الأضرار في كل أنواع التأمين من المسؤولية، وفي هذه الأخيرة يتبدى الحلول في الحالات التي تتعقد فيها المسؤولية المشتركة (التضامنية أو الانضمامية ـ التضاممية ) ففي الحالة التي يحصل فيها المضرور من المؤمن له أو من المؤمن على التعويض المستحق له فإنه يكون للمؤمن له الحق في الرجوع على الغير المسؤول بنصيبه في هذا التعويض، وهذا الحق في الرجوع هو الذي يحل فيه المؤمن محل المؤمن له. ويلاحظ أنه إذا حصل المضرور على التعويض الذي قضي به على المؤمن له الذي يلتزم به بالتضامن مع المسؤول الآخر، فإنه يكون للمؤمن له أن يرجع بكل ما دفعه على المؤمن في حدود ما يستحق من مبلغ التأمين. وإذا لا حظنا أن حق المؤمن له في الرجوع على المسؤول الآخر يتأسس على حلوله محل المضرور في الرجوع على هذا الأخير، كان مؤدى ذلك هو أن حلول المؤمن إنما يكون من حيث النتيجة محل المضرور في حقوقه قبل المسؤول الآخر، أو مؤمنه أي مؤمن المسؤول الآخر كذلك يتمتع المؤمن في التأمين من المسؤولية أيضاً، بحق الحلول القانوني محل المضرور في الرجوع على الغير المسؤول إذا كان هذا الأخير هو وحده المسؤول عن الحادث دون المؤمن له ووقع الضرر على شخص آخر غير هذا الأخير ومثل هذا الحلول في مثل هذه الحالة يجد أساسه في نص القانون الصريح (في حالة وجوده، كما هو الحال في التأمين من حوادث السير) أو في القواعد العامة في الوفاء مع الحلول، فالمناط في الحلول القانوني هو التزام الموفي ، مع المدين أو عنه بنفس الدين على أن الحلول ليس طليق القيد، بل توجد بعض القواعد المقيدة منها ما يتعلق بشروط الحلول بينما يتصل البعض الآخر بآثاره.
وسنبحث في بحث لاحق في شروط الحلول