إن حالات انعدام المخاطر (اليقين) هي الحالة التي تضمن عدم انحراف النتائج إلى نتائج غير متوقعة، فإذا أصدرت إحدى الشركات التجارية في بداية العام بياناً للمساهمين تبين فيه بأن الشركة ستحقق ربحاً يفوق ما تحقق في العام الفائت فإنها نفت وجود مخاطر قد تتعرض لها، وهذا أمر غير مقبول فالأمور اليقينية لا يكتنفها الخطر، والتجارة خاضعة للخسارة والربح وهو نوع من أنواع المخاطر.
إن المخاطر يمكن أن تكون متدنية أو عالية فاحتمال وقوع مكروه يكون بدرجات متفاوتة فخطر الإصابة بأمراض الرئة الذي يواجهه من يدخن ثلاث علب من السجائر يومياً أكبر من الخطر الذي يواجهه من يدخن سيجارة واحدة يومياً.
هناك طرق عدة لقياس المخاطر تقوم بها مؤسسات متخصصة، وتحليل المخاطر هو القاسم المشترك الأعظم لكل القرارات المالية تقريباً، وليس الغرض من تحليل المخاطر تفادي الخطر لأن ذلك أمر مستحيل، ولكن الغرض هو التعرف على الخطر وقياسه...
قانون الأعداد الكبيرة (المتوسطات)
إذا أعددنا قوائم للوفيات في سورية من الذكور والإناث سنلاحظ أن عدد الوفيات سيقترب من المساواة لكلا الجنسين كلما زاد عدد المسجلين في القائمة، مع أنها في البداية تبدو عشوائية لا ينظمها أي قانون في حال النظر إلى كل حادثة وفاة على حدة، لكننا سنلاحظ أنها ستستقر (ستتساوى) عند وجود عدد كاف وكبير منها، وسنتوقع في العام القادم العدد التقريبي لعدد الوفيات من الذكور والإناث، وستزداد الدقة كلما مر عدد كاف من السنين.
إن التأمين من الناحية الفنية هو التقليل من الخطر الذي يواجهه الفرد عن طريق تجميع عدد كاف من الأشخاص الذين يتعرضون للخطر ذاته (السيارة– المنزل...) ومن ثم يمكن لكل شخص الاشتراك بنصيب من ذلك الخطر بعد أن يتم احتسابه، وسيكون سعر الخطر أو البدل النقدي الذي يدفعه طالب التامين على خطر ما سيكون أكثر دقة عند وجود عدد كبير من المستأمنين، وذلك من خلال الإحصائيات وتحليل البيانات.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس كل ما يتعرض له الإنسان من المخاطر قابل للتأمين، فموضوع التأمين يجب أن يكون قابلاً للقياس فعدم وجود عدد كاف من المستأمنين لا يمكّن شركة التأمين من احتساب الخطر ومن ثم لا تستطيع تقدير قسط التأمين بشكل دقيق لأنه لا يخضع لقانون الأعداد الكبيرة وهذا ما يحصل عند التأمين ضد السرقة أو الحريق للآثار أو اللوحات الفنية النادرة.
إن التأمين على الحياة من ناحية الحساب هي أيسر عمليات التأمين لأن التعويض فيه مرتبط بواقعة لا لبس فيها، وليست أنواع المخاطر كلها بهذا الوضوح، فالتأمين الصحي مرتبط بالمرض ولا يمكن دائماً التأكد من وقوعه (مثل آلام الظهر) بسبب ندرة أجهزة الاختبار والكشف.
والسؤال الذي يجب أن يدور في بالنا: هل نحن في حالة يقين كلي بأننا في منأى عن المخاطر ولا يوجد أي انحراف للنتائج التي نتوقعها مستقبلاً؟ إذا كان الجواب نعم فلا ضرورة لوجود المشافي ولا المطافئ ولا أجهزة الإنذار ولا الأدلة الجنائية ولا السجون ولا خزنات حديدية ولا الإسعاف ولا...
وإذا كنا في حالة يقين كلي بأننا معرضون للمخاطر فنحن مطالبون بتخفيف أثر هذه المخاطر، ومن هنا انطلقت فكرة التأمين.