عقد التأمين من عقود المعاوضة الرضائية والذي يدخل في زمرة العقود الاحتمالية، فلا يستطيع أي طرف فيه معرفة الآثار الناجمة عنه بشكل نهائي، أي قبل وقوع الخطر، لذلك يجب عند إبرامه تحديد عناصره ومحله بدقة كبيرة لتجنب أي التباسات أو إشكالات مستقبلية، وليكون المؤمَّن له على دراية كاملة بحقوقه والتزاماته، وذلك مسؤولية القسم القانوني في شركة التأمين بالدرجة الأولى، إذ يستطيع توقع أبعاد عقد التأمين ونتائجه بالشكل الأمثل.
ومحل عقد التأمين هو الخطر الذي يتم التأمين بمواجهته، وبانتفاء المحل لا يعود هناك وجود للعقد، فالخطر المستحيل الوقوع يجعل عملية التأمين بمواجهته غير مجدية، فإبرام عقد تأمين على حياة شخص اتضح لاحقاً وفاته عند إبرام عقد التأمين يجعل العقد المبرم باطلاً لانعدام المحل، فالمخاطر التي يصح أن تكون محلاً للتأمين لها ثلاثة شروط أساسية، وتدور مع العقد وجوداً وعدماً، فإذا ما تأكد أن الخطر واقع لا محالة بشكل يقيني؛ انتفى عندها أحد أهم شروط الخطر ألا وهو شرط الاحتمالية، فعقد التأمين عقد احتمالي، وعنصر الاحتمال ينصرف لأمرين؛ الأول احتمال حصول الخطر والضرر، والثاني أن يكون أجل وزمن وقوع الخطر محتملاً كحالة التأمين على الحياة.
واستحالة حدوث الخطر تكون على نوعين استحالة نسبية ومطلقة، والاستحالة النسبية تجعل الخطر ظنياً، ولا يتم التأمين في هذه الحالة في نطاق التأمين البري على عكس البحري، لأن الأخطار البحرية ذات طبيعة خاصة، ولا يمكن إدراك آثارها لتأخر ظهورها في بعض الأحيان.
كما لا يجوز التأمين على واقعة حصلت في الماضي تطبيقاً لمبدأ عدم الرجعية، فلا تنصرف آثار العقد لخطر قد حصل في الماضي ورتب ضرراً لحق بالمؤمَّن له، فالتأمين يجب أن يكون على أمر محتمل في المستقبل، كما يجب ألا يكون الخطر مستنداً في وقوعه إلى إرادة أحد الطرفين، فالخطر ـ محل وثيقة التأمين ـ هو الخطر نتيجة أمر خارج عن إرادة المتعاقدين، وذلك ينسجم مع الغاية من عملية التأمين، ومن ثم يحرم المؤمَّن له من البدل إذا تسبب قصداً في إحداث الخطر، كأن يتعمد إحداث حريق في عقاره المؤمَّن عليه، ويستثنى من ذلك حالة الخطأ ما لم يكن جسيماً وحسب الاتفاق المبرم مع الجهة المؤمِّنة.
وكجميع العقود يجب أن يكون محل عقد التأمين مشروعاً، وبما أن المحل هنا هو الخطر فيجب أن يكون التأمين من خطر مشروع، فلا يصح التأمين من غرامة أو مصادرة نتيجة مخالفة المؤمَّن له للقوانين والأنظمة، كالتأمين على مواد غير مشروعة كالمخدرات، أو أي فعل غير مشروع قانوناً.
وللخطر الذي يصح محلاً للتأمين عدة أنواع؛ فقد يكون ثابتاً أو متغيراً معيناً بالذات أو غير معين، وقد يكون الخطر عاماً أو خاصاً، فالأول هو الخطر الذي يلحق ببقعة جغرافية كاملة ضمن الدولة، كحالة حدوث كارثة طبيعية أو حرب، وتلحق ضرراً بعدد كبير من الأفراد، وبإمكاننا تصنيف هذا النوع من المخاطر ضمن خانة المخاطر الاستثنائية الكبيرة التي تؤدي إلى إشكاليات كبيرة في عملية التأمين، من حيث تحديد التزامات طرفي العقد، إذ إن التأمين على مثل هذا النوع من المخاطر يحتاج إلى اتفاق صريح ومفصل بشكل دقيق، ويرتب على المؤمَّن له دفع بدل إضافي لشركة التأمين في حال وافقت على تغطيته في عقودها، أما الخطر الخاص فهو الخطر الذي يمس الفرد بحد ذاته، كالحريق والوفاة والحوادث وغيرها.
أما تحديد أنواع المخاطر في وثيقة التأمين فلم ينص عليه المرسوم 43 لعام 2005، وذلك عندما ذكر وثيقة التأمين في المواد 20 و21 و22، وكذلك الأمر فالقانون المدني السوري لم يحصر الأخطار عند ذكره لوثيقة التأمين، وبذلك يكون قد أحال تحديدها للقوانين الخاصة. والجدير بالذكر أن التعليمات التنفيذية للمرسوم 43 قد نصت في المادة 22 منها على وجوب وصف التغطية التأمينية وحدودها ومدى شمولها للأخطار في متن وثيقة التأمين، ومن ثم فإن الأخطار التي تلتزم شركة التأمين بها تكون محدَّدة بموجب العقد المبرم مع المؤمَّن له، بما في ذلك المخاطر الاستثنائية العامة كالزلازل والأزمات وغيرها، بشرط أن تُذكر وتُحدد بدقة وبشكل واضح ضمن عقد التأمين، مع مراعاة الاستثناءات الواردة في حالات التأمين البحري، إذ إن القانون البحري السوري قد جاء بتفصيلات أكبر فيما يتعلق بشمول المخاطر كما سيرد لاحقاً.
وقد استبعد القانون المدني السوري زمرة من المخاطر من نطاق التأمين، كتلك الناشئة عن فعل مقصود من المؤمَّن له، وعدَّ أي اتفاق على ذلك مخالفاً للنظام العام، أي حتى لو ورد في عقد التأمين بند يتضمن موافقة الطرفين على تشميل الأفعال المقصودة بعقد التأمين فلا ينفَّذ هذا الشرط، وعندها يصح العقد ويبطل البند المخالف للنص القانوني الآمر.
أما المخاطر البحرية فتخضع لقواعد خاصة في القانون البحري السوري رقم 46 لعام 2006، فهي تشمل الحرائق والغرق والتصادم بين السفن وتلف البضائع، وقد نص القانون على ضرورة إدراجها بدقة في عقد التأمين البحري، وتنص المادة 358 فقرة "هـ" من القانون البحري على:
((تشتمل وثيقة التأمين على البيانات التالية:
هـ - الأخطار التي يشملها التأمين والأخطار المستثناة منه وزمانها ومكانها.))
وقد استبعد المشرع السوري الأخطار الحربية وما هو بحكمها من نطاق المخاطر التأمينية إلا أن هذا النص القانوني ليس من النظام العام، ومن ثم يحق للشركات المتعاقدة الاتفاق على خلاف ذلك، ويكون ذلك مقابل دفع مبالغ إضافية على قسط التأمين، فتنص المادة 376 من قانون التجارة البحرية على:
((لا يشمل التأمين الأخطار التالية إلا إذا اتفق على خلاف ذلك:
١- أخطار الحرب الأهلية، أو الخارجية، وأعمال القرصنة، والاضطرابات، والثورات، والإضراب والإغلاق، وأعمال التخريب، والإرهاب، والأضرار الناشئة عن تفجيرات أو إشعاعات ذرية أياً كان سببها، وكذلك الاستيلاء والمنع الصادر من سلطة عامة في أي دولة.
٢- الأضرار التي تحدثها الأشياء المؤمَّن عليها للأموال الأخرى أو للأشخاص فيما عدا ما نصت عليه المادة 392))
ومن ثم فإن هذا النص القانوني هو من قبيل النصوص القانونية المكملة لإرادة الأفراد في الاتفاقات الخاصة، ويتم إعماله عند إغفال الأطراف لذكر ما يتعارض معه ضمن عقودهم.
وعقد التأمين من زمرة العقود التي تخضع للقوانين الخاصة على الرغم من أنه يكون إلزامياً في بعض الحالات، ويجب ألا يتعارض في بنوده مع القواعد الآمرة في التشريع الداخلي، ولئن كان عقد التأمين من عقود الإذعان ـ وخصوصاً في حالة التأمين الإلزامي ـ إلا أن ذلك لا يعني إلغاء مبدأ الرضائية بشكل كامل، أي إن العقد شريعة المتعاقدين، ولكن يكون دور الإرادة هنا محدَّداً في نطاق أضيق، فعلى سبيل المثال تترك شركة التأمين للمؤمَّن له الخيار في تحديد بعض البنود في وثيقة التأمين وفق إرادته، كتحديده للأخطار التي يرغب في التأمين بمواجهتها.
وبالمحصلة فإن عقد التأمين هو المصدر الأساسي للحقوق والالتزامات المترتبة على عاتق كلا الفريقين، وقد ترك المشرع السوري مدى كبيراً للمتعاقدين في تحديدها، وإدراج المخاطر التي يرغب المؤمَّن له في تغطيتها من شركة التأمين، وسواء أكانت المخاطر خاصة أم استثنائية عامة.