أولاًـ التعريف بعقد التأمين الجوي وخصائصه:
بخلاف عقود التأمين البحري والبري التي خصها المشرّع السوري بأحكام خاصة به في كل من قانون التجارة البحرية وقانون السير، خلت التشريعات السورية من أي نصوص خاصة بعقد التأمين الجوي ليبقى ذلك العقد خاضعاً للأحكام العامة للعقود الواردة في نصوص القانون المدني، ولأحكام عقد التأمين التي وردت بنصوص المواد (713 حتى 737) من القانون المدني باعتباره واحداً من أنواع التأمين، إضافة إلى الأعراف التأمينية الخاصة بالتأمين الجوي التي استقر العمل بها في هذا الميدان. وقد عرّف المشرع عقد التأمين بنص المادة (713) من القانون المدني بأنه: «عقد يلتزم المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمَّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لمصلحته مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك لقاء قسط أو أي دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمَّن له للمؤمِّن». وانطلاقاً من ذلك التعريف يمكن تعريف عقد التأمين الجوي بأنه «ذلك النوع من عقود التأمين الذي يغطي المخاطر التي تتعرض لها الطائرة أو الحمولة والناتجة عن حوادث تشغيل أو صيانة أو إصلاح أو صنع الطائرات أو حوادث النقل الجوي والمسؤولية عنها». وتشير وثائق التأمين الجوي المتداولة في سوق التأمين إلى أن هذا العقد يغطي بصورة رئيسة الأخطار التالية:
- التأمين على جسم الطائرة: ويشمل الأضرار التي قد تلحق بهيكل الطائرة أثناء الطيران أو تجوالها أو وقوفها داخل المطار، حيث تتحمل شركة التأمين دفع تعويض محدد مسبّقاً في بنود عقد التأمين ويستثنى عادة من التغطية الأضرار الناجمة عن العمليات الحربية أو تعرض الطائرة للاختطاف ما لم يتم الاتفاق على شمولها بالتأمين بشكل مستقل.
- تأمين المسؤولية المدنية تجاه الركاب: ويغطي الأضرار التي قد تلحق بالمؤمَّن له في ماله نتيجة التزامه قانوناً تجاه ركاب الطائرة في حال وفاة أحدهم أو إصابته في أثناء وجوده على متن الطائرة، ويتم تحديد الحد الأقصى للتعويض عن كل راكب ضمن وثيقة العقد.
- تأمين المسؤولية عن الشحنات الجوية: ويغطي المبالغ التي قد يلتزم الناقل الجوي المؤمَّن له بأدائها قانوناً نتيجة أي فقد أو تلف للشحنات الجوية بسبب حادث في أثناء عمليات التحميل والنقل أو التفريغ من الطائرة وإليها.
- تأمين المسؤولية المدنية تجاه الطرف الثالث: حيث يتم تعويض المؤمَّن له عن كل المبالغ التي يلتزم بسدادها قانوناً بوصفها تعويضات تجاه الطرف الثالث من غير ركاب الطائرة عما قد يلحق بهم من وفاة أو أضرار جسدية أو مادية، بسبب حادث ناجم عن الطائرة سواء أكان مباشراً أم نتيجة سقوط شيء منها، ويستثنى عادة من هذا التأمين الأضرار الناجمة عن سقوط الطائرة.
- تأمين المسؤولية المدنية لمشغّلي المطارات: ويغطي هذا التأمين الأضرار التي قد تلحق بمشغّلي المطارات نتيجة التزامهم بالتعويض عن الأخطار التي قد تتسبب بها النشاطات المختلفة التي تتم في المطارات.
خصائص عقد التأمين الجوي:
- الرضائية: فهو يُبرم بتبادل الإيجاب والقبول بين شركة التأمين وطالب التأمين، على أن يتم إثبات العقد بوثيقة مكتوبة تتضمن أطراف العقد وشروطه.
- عقد ملزم لجانبين: حيث يرتب العقد التزامات متقابلة على كل من طرفيه.
- عقد احتمالي: تحمل علاقة شركة التأمين بالمؤمَّن له احتمال الربح والخسارة بالنسبة إلى كل من الطرفين.
- عقد زمني: إذ تتولى شركات التأمين ضمان الخطر المؤمَّن منه مدة محددة تبدأ وتنتهي بتاريخ محدد.
- عقد من عقود حسن النية: حيث يقع على عاتق المؤمَّن له واجب إجراء ما يلزم لتجنب وقوع الخطر المؤمَّن منه، ومن ثم فإن أي سوء نية أو تحايل قد يقع من المؤمَّن له في هذا المجال يعني بالضرورة إلحاق خسارة غير مقبولة بشركة التأمين.
ثانياًـ التزامات المؤمَّن له والمؤمِّن:
1ـ التزامات المؤمَّن له:
- الإعلان عن البيانات المتعلقة بالخطر: على طالب التأمين الجوي أن يزود شركة التأمين بجميع البيانات التي تتعلق بالخطر المؤمَّن منه والتي من شأنها أن تتيح لشركة التأمين الوقوف على حقيقة الخطر الذي ستؤمنه وتقدير البدل المناسب له، ويتم هذا الأمر في سياق عملية إبرام عقد التأمين الجوي. وتتضمن تلك البيانات عادة بيانات عن الطائرة من حيث جهة الصنع وسنته والنوع وعدد المقاعد، وأماكن التسجيل وبيانات عن نوع محركاتها وعددها وجهة صنعها وسنته، والقيمة الإجمالية للطائرة، والغرض الذي تستخدم لأجله، والنطاق الجغرافي الذي سيتم تشغيلها فيه، وجميع البيانات الأخرى ذات الصلة.
- الإعلان عن الظروف المستجدة التي تزيد من الخطر خلال مدة العقد: تم تكريس هذا الالتزام في مجال التأمين الجوي من خلال وثائق التأمين المبرمة وعقوده وبعض نصوص تشريعات التأمين الوطنية كالتشريعين اللبناني والفرنسي، وبموجب هذا الالتزام على المؤمَّن له أن يُعلِم شركة التأمين مسبقاً بكل ما من شأنه أن يزيد الأخطار المؤمَّن منها سواء أكان ناجماً عن فعله أم لا، وتكون شركة التأمين مخيرة بين فسخ العقد أو زيادة بدل التأمين، مع احتفاظها بحقها بالمطالبة بالتعويض عما تكون قد تكبدته من نفقات في حال كون زيادة المخاطر ناجمةً عن فعل المؤمَّن له.
- دفع بدل أو قسط التأمين: يلتزم المؤمَّن له بأداء بدل التأمين لشركة التأمين بالصورة التي تم الاتفاق عليها في العقد، وعادة ما يكون مقابل التأمين على الركاب وهياكل الطائرات ومعداتها أقساطاً دورية سنوية، أما التأمين على الشحنات الجوية فيما يتصل بمسؤولية الناقل فيكون مقابله عادة مبلغاً إجمالياً يناسب قيمة الشحنة المنقولة جواً ويسمى القسط الوحيد. وإذا امتنع المؤمَّن له عن أداء هذا الالتزام فإن وثائق التأمين المعمول بها تعطي الحق لشركة التأمين بوقف التزامها بالضمان بموجب عقد التأمين بعد إعذارها المؤمَّن له لتنفيذ التزامه بهذا الخصوص وامتناعه عن ذلك خلال مهلة محددة.
- التصريح عن تحقق الخطر المؤمَّن منه: ينبغي على المؤمَّن له في حال تحقق الخطر محل التأمين أن يصرح بذلك إلى شركة التأمين. وتنص وثائق التأمين الجوي وغيرها عادة على ضرورة التصريح عن وقوع الخطر المؤمَّن منه أو الكارثة خلال مهلة محددة من تاريخ حصولها، ويترتب على تأخر المؤمَّن له في تقديم التصريح عن المهلة المحددة إمكانية قيام شركة التأمين بتخفيض قيمة التعويض المستحق بمقدار الضرر الذي لحق بها نتيجة التأخير، ولكن هذا الجزاء لا يخل بحقوق الغير بالنسبة إلى حالات تأمين المسؤولية المدنية إذ لا يحق لشركة التأمين الاحتجاج في مواجهة المتضررين بحصول التأخير للانتقاص من التعويض المستحق لهم باعتبار أن حق المتضرر ينشأ في هذه الحال من لحظة وقوع الكارثة ولا ينبغي أن ينتقص منه تخلف المؤمَّن له عن تنفيذ التزاماته بعد ذلك.
- تقليل الخسائر: إن العديد من وثائق التأمين الجوي وخاصة تلك التي تتناول النقل الجوي تضع على عاتق المؤمَّن له اتخاذ كل التدابير المعقولة بغية تفادي الخسائر أو تقليلها إلى حدها الأدنى، مع الاحتفاظ له بحق تحصيل أي مصاريف قد يتكبدها في سبيل تحقيق ذلك الالتزام بصورة صحيحة ومعقولة، مع التعويض المستحق له بموجب عقد التأمين.
2ـ التزام شركة التأمين (المؤمن): ينشأ التزام شركة التأمين وفقاً لما سبق بيانه بمجرد تحقق الخطر محل التأمين حيث يصبح التعويض أو مبلغ التأمين المتفق عليه واجب الأداء، ويكون محل التزام شركة التأمين مبلغاً من النقود، وفي الحالات التي يغطي فيها التأمين الأضرار المادية كالأضرار التي تلحق بهياكل الطائرات ومعداتها أو بممتلكات الغير لا يجوز أن يتجاوز مبلغ التعويض بحال من الأحوال قيمة تلك الأضرار، ويختلف الأمر إذا كان التأمين يغطي الأضرار الجسدية حيث يكون مبلغ التأمين عادة محدداً مسبقاً في عقد التأمين. ويسبق أداءَ شركة التأمين لالتزامها في هذه الأحوال قيامُ الشركة بإجراء كشف وخبرة فنية على الطائرة المتضررة أو المنكوبة وعلى مكان الحادث للتحقق من شمول الضرر في نطاق العقد المبرم بينها وبين المؤمَّن له وتقدير قيمة الأضرار.
ثالثاًـ اقتضاء التعويض في عقد التأمين الجوي:
يصبح التعويض مستحقاً للمستفيد منه بموجب عقد التأمين الجوي بمجرد تحقق الخطر محل التأمين، ويخضع تقدير التعويض الناشئ من تحقق الخطر المؤمَّن منه في عقد التأمين الجوي لاعتبارات تختلف حسب نوع التأمين وفقاً للآتي:
1ـ عقد تأمين جسم الطائرة: تشير الوثائق التأمينية إلى نوعين من التغطية التي تشملها تلك العقود، التغطية الكلية للخسائر حيث يتم تعويض المؤمَّن له عن الخسارة الكلية للطائرة محسوماً منها أي نسبة متفق في العقد على تحملها من المؤمَّن له نظير تخفيض قسط التأمين «شرط الخصم»، والتغطية الجزئية حيث يتم تعويض المؤمَّن له عن الخسارة الجزئية التي تلحق بالطائرة على أساس ما يتطلبه إصلاح الضرر.
2ـ عقد تأمين المسؤولية المدنية: يرتبط تقدير التعويض عن تأمين مسؤولية الناقل الجوي بتقدير مسؤولية الناقل وفقاً لأحكام عقد النقل الجوي حيث تخضع عقود النقل الجوي الدولي لاتفاقية وارسو الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالنقل الجوي لعام 1929م وتعديلاتها، إضافة إلى الشروط العامة للاتحاد الدولي للنقل الجوي IATA. ووفقاً لتلك الاتفاقية فإن مسؤولية الناقل الجوي عن تعويض وفاة الركاب أو إصابتهم أو عن الأضرار المادية التي قد تلحق بالأمتعة والبضائع أثناء الرحلات الجوية الدولية تكون محدودة بحد أقصى للتعويض ما لم يثبت تقصير الناقل الجوي في بيان محدودية مسؤوليته في وثائق السفر، أو رجوع الضرر إلى غشه أو خطئه الجسيم. أما ما يتصل بالنقل الجوي الداخلي فقد لجأت العديد من التشريعات الوطنية إلى إحالة الأحكام الخاصة بعقود النقل الجوي الداخلي لأحكام اتفاقية وارسو آنفة الذكر، ومنها قانون الطيران المدني السوري الصادر في العام 2004 والذي نصت المادة (136) منه على إخضاع مسؤولية الناقل في مجال النقل الجوي الداخلي لأحكام اتفاقية وراسو وتعديلاتها وغيرها من الاتفاقيات التي قد تنضم سورية إليها مستقبلاً.