إن اتفاق المضرور المؤمَّن له على تسوية ودية للمسؤولية الناجمة عن الحادث يحمل أكبر الأثر تجاه شركات التأمين.
وقد يكون هذا الأثر إيجابيّاً في حال تم الاتفاق على عدم مسؤولية المؤمَّن له، على اعتبار أن الحادث قد وقع بخطأ من الغير أو لسبب لا يد للمؤمَّن له فيه، ما يعفي شركة التأمين من تحمل أي تعويض لانتفاء مسؤولية المؤمَّن له، ولكن قد تكون ملابسات الحادثة قاطعة لجهة مسؤولية المؤمَّن له، فيقوم المؤمَّن له بالإقرار بمسؤوليته عن الضرر، ويقوم بإجراء تسوية مع المتضرر، وهذه التسوية بين المؤمَّن له والمضرور وأي اتفاق آخر بينهما يحتج به على شركة التأمين عند الرجوع عليها بالتعويض.
ولكن يجوز لشركة التأمين عند الرجوع عليها بالتعويض، أن تدفع مطالبة المؤمَّن له بكل الدفوع، مع ما يحمله ذلك من صعوبة من الناحية العملية، وخاصة مع اتجاه القضاء للأخذ بالإقرار. فالإقرار بالمسؤولية يحمل العبء كاملاً للشركة، بينما الصلح يحمل المسؤولية لشركة التأمين، إضافة إلى إلزامها بتعويض عن الضرر يعود تقديره للمؤمَّن له والمضرور.
ولكن المعالجة الأمثل لمثل هذه الاتفاقيات هو قيام شركة التأمين بتضمين وثيقة التأمين بنداً خاصاً يمنع المؤمَّن له من الإقرار بالمسؤولية للمضرور أو إجراء تسوية معه.
فالمؤمَّن له ممكن أن يتواطأ مع المضرور بالإقرار بمسؤوليته رغم أن المضرور قد ساهم في التسبب بالضرر، كالتواطؤ بإجراء إصلاحات لمركبة المضرور رغم عدم مشاركة المركبة المؤمَّنة بالحادثة. أو أن يقر المؤمَّن له بالمسؤولية، ويُقدِم على إجراء المصالحة مع المضرور بمبلغ يتجاوز التعويض المنطقي المتناسب مع حجم الضرر، خشية اتخاذ إجراءات جزائية ضده.
وهذا ما نراه كثيراً في دعاوى التعويض عن الأضرار الناجمة عن حوادث المركبات، حيث تتم التسوية بين المؤمَّن له والمضرور، ويعود الأخير بشكل مباشر على الشركة المصدرة لوثيقة التأمين منفردة بدعوى مدنية.
كما يمكن أن يكون إقدام المؤمَّن له على الإقرار أو الصلح من دون تقييم منطقي لجسامة الضرر وظروف الحادثة التي أدت إلى الضرر، ناجماً عن عدم مبالاة واستخفاف لكون وثيقة التأمين قد غطت مسؤوليته.
والاتفاق بامتناع المؤمَّن له عن الإقرار بالمسؤولية أو الصلح الصادر عنه لا يشمل ما يقوم بتقديمه المؤمَّن له للمتضرر عقب الحادث، كإجراء الإسعافات والنقل إلى المشفى.
وكذلك لا يعتد بالإقرار أو الصلح الواقع نتيجة الانفعال الناجم عن الحادث أو خشية خطر داهم إذا رجع عنه المؤمَّن له، وتبين أنه كان مخطئاً في إقراره.
فالمقصود بإقرار المؤمِّن هو أن يقر بالمسؤولية من الناحية القانونية.
فلا يعد إقراراً بالمسؤولية رضاء المؤمَّن له بالحكم، وتركه مواعيد الاستئناف والطعن بالحكم من دون أن يطعن، وكذلك الإقرار بالوقائع المادية كما حدثت لا يعد إقراراً بالمسؤولية، إذا اقتصر هذا الإقرار على سرد الوقائع المادية التي حدثت من دون التطرق إلى المسؤولية من الناحية المدنية.
وفي غير ما تقدم لا يجوز للمؤمَّن له أن يقر للمضرور بمسؤولية عن الضرر أو أن يصالحه عليه.
ولما سبق فإن تضمين وثيقة التأمين شرطاً بعدم سريان الإقرار والصلح تجاه شركة التأمين إذا صدر عن المؤمَّن له منفرداً، يعفي الشركة من عبء نفي المسؤولية التي اتفق المؤمَّن له والمضرور عليها، ويجعل المؤمَّن له منفرداَ مسؤولاً عن التعويض حال إقراره بالمسؤولية وإجرائه المصالحة.