بما أن الكثير من الأصدقاء يعرفون مدى اهتمامي بالتأمين، فهم يطرحون علي تساؤلات تتعلق بعقد التأمين ومشتملاته ومن أهمها "قسط التأمين". فالبعض يريد توضيحاً مبسطاً عن قسط التأمين، تعريفه، أهمية دوره بالنسبة لعقد التأمين، كيفية احتسابه.. من هنا وجدت أن الزاوية القانونية لمجلة التأمين والمعرفة هي المنبر الملائم لتقديم شرح مركز على قسط التأمين.
- القسط عنصر من عناصر عقد التأمين:
يعدّ القسط في عقد التأمين عنصراً أساسياً لإتمام العقد، فهو محل التزام المؤمن له، ويدخل في تكوين العقد، كما أنه يجعل عقد التأمين عقد معاوضة..
ومن المعلوم بأن القسط يعادل الخطر في الأهمية "فكما لا تأمين من دون خطر, لا تأمين من دون قسط"، وبين العنصرين علاقة وثيقة، فالقسط يرد معبراً عن قيمة الخطر، حيث إنه كلما ازداد مستوى الخطر ازدادت قيمة القسط...
ومن الناحية القانونية يشكل القسط سبب التزام المؤمِّن بضمان الخطر، ومن الناحية الفنية يعبر القسط عن النصيب المالي للمؤمن له، كما أن هذا المصطلح لا يعني بالضرورة أن التزام المؤمَّن له يكون على فترات متعاقبة فقد يتم دفع هذا المبلغ دفعة واحدة سواء تم ذلك باتفاق المؤمِّن وشركة التأمين أو كان ذلك مما تقتضيه طبيعة الأمور كالتأمين على نقل بضاعة أو كان واجباً يفرضه القانون.
- تعريف القسط:
يعرّف القسط بأنه مبلغ من المال يلتزم المؤمن له بدفعه دفعة واحدة، أو على دفعات متعاقبة للمؤمن مقابل التزام الأخير بتحمل تبعة المخاطر المؤمن منها.
وإلى ذلك عرف القانون المدني السوري في المادة 713 عقد التأمين بأنه عقد يلتزم المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدي المؤمِّن إلى المؤمَّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لمصلحته مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك لقاء قسط أو أي دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمَّن له للمؤمِّن..
- كيفية تحديد القسط التأميني:
هناك أربعة عوامل يجب مراعاتها عند تحديد قسط التأمين على النحو التالي:
* مقدار احتمال الخطر فكلما ازداد احتمال وقوع الخطر ارتفع القسط التأميني.
* أن يغطي القسط التأميني الخسارة المتوقعة عند وقوع الخطر.
* التوازن في مبلغ القسط بين الزبائن أو العملاء، فمثلاً إذا قام العميل (س) بتأمين ضد خطر معين، وهناك عميل (ع) أمَّن للخطر ذاته؛ فيجب أن يكون هناك تساوٍ في قيمة القسط ولا فرق بينهما.
* أن تكون قيمة القسط تنافسية مع الشركات الأخرى أي بمعنى أن يكون السعر متقارباً حتى تستطيع كل شركة المحافظة على عملائها مع الأخذ بالحسبان أن يكون القسط متناسباً مع قيمة الخطر عند وقوعه أي تستطيع الشركة تغطيته.
- الأسس الفنية لتحديد القسط:
كما أن الخطر -أحد أهم العوامل التي يتحدد على أساسها القسط– يتحدد على أسس فنية فإن القسط تبعاً لذلك يتحدد على أسس فنية، وهذا القسط يطلق عليه القسط النظري أو القسط الصافي وهو كافٍ عملياً لتغطية الأخطار المؤمَّن عليها، لكن عملية التأمين تحتاج إلى مصروفات ونفقات غير تغطية الأخطار المضمونة، لذلك تُضاف هذه النفقات إلى القسط الصافي لينتج من مجموعهما ما يجب على المؤمَّن له الالتزام به ويطلق عليه القسط التجاري..
- أقسام قسط التأمين:
يقسم القسط إلى عنصرين أساسيين هما:
أولاً: القسط الصافي:
هو المبلغ الذي يتم حسابه على أساس الخطر وفق أسس فنية ليكون كافياً لتغطية الخطر المضمون، ويتوقف تحديد القسط الصافي على عوامل عدة وهي:
أ- درجة احتمال تحقق الخطر: علاقة القسط بالخطر علاقة طردية فكلما زاد الخطر ارتفع القسط، بالمقابل فإنه كلما زاد احتمال تحقق الخطر زاد القسط وتحسب درجة احتمال وقوع الخطر بإجراء النسبة بين مجموع الأخطار التي تتحقق ومجموع المخاطر المؤمَّن ضدها.
ب- درجة جسامة الخطر: يعتمد القسط على درجة جسامة الخطر ويتناسب طرديا معها ففي التأمين على الأشخاص، كالتأمين على الحياة لحال الوفاة فإنه عند حصول الوفاة فإن المؤمِّن ملتزم بدفع المبلغ كاملاً، وهنا لا مجال للأخذ بهذا العامل عند حساب القسط الصافي، وينسحب ذلك على الأخطار التي يترتب على تحققها هلاك كلي للشيء المؤمَّن عليه.
ج- الوحدة النقدية: وهو عنصر إحصائي حيث إن لدى شركات التأمين جداول أسعار محسوبة على أساس وحدة نقدية معينة تُتخذ أساساً للحساب، وكلما زاد مقدار المبلغ المؤمَّن به يزداد القسط.
د- الوحدة الزمنية: لمَّا كان التأمين من العقود الممتدة في الزمن، ويعد الزمن فيها عنصراً جوهرياً؛ فإن شركات التأمين تأخذ وحدة زمنية تجعلها الأساس لدراسة المخاطر وحساب درجة احتمال الخطر، وعادة تكون هذه الوحدة سنة، وهي فترة كافية لحساب درجة الخطر، وعلى ذلك تكون الأسعار الواردة في جداول التأمين عبارة عن المبلغ المستحق عن الخطر لمدة سنة، وإذا تعاقد المؤمِّن والمؤمَّن له على مدة أطول فإن هذا المبلغ يُضرب بعدد السنوات التي تعاقدا عليها مع ملاحظة أن العلاقة بين مدة التأمين والقسط علاقة عكسية، فكلما زادت مدة التأمين قلّ القسط، وعلى سبيل المثال: ""إذا كان قسط التأمين على شيء معين 10000 ليرة سورية خلال سنة، فإنه في حال التأمين عليه لمدة 6 أشهر لا يكون القسط 5000 إنما قد يكون 6000 ليرة"".
هـ- سعر الفائدة: لما كانت شركة التأمين تقوم بجمع الأقساط من مجموع المؤمَّن لهم وتستثمرها في مشروعات متعددة؛ فإن هذه الأقساط تدر عليها دخلاً كبيرا لا تستأثر به وحدها، إنما لمجموع المؤمَّن لهم حق بها لذلك تحسب الفائدة في تقدير سعر القسط بحيث ينقص مقابل هذه الفائدة عند تحديد القسط الصافي مبلغاً يساوي سعر الفائدة.
ثانياً: القسط التجاري:
عبارة عن القسط الفعلي الذي يدفعه المؤمَّن له للمؤمِّن وهو عبارة عن القسط الصافي إضافة إلى مصروفات ونفقات أخرى يتحملها المؤمّن، وهذه المصروفات لا يدفعها المؤمِّن لأنها تشكل عبئاً كبيراً عليه، إنما يقسِّمها على مجموع المؤمَّن لهم، وفيما يلي بيان هذه النفقات:
أ- النفقات الخاصة بالدعاية والإعلان لجذب العقود وجلبها لشركات التأمين: وغالباً ما يسعى المؤمِّن ويتنافس فيما بينه لتقديم العروض له، وغالباً ما يتم ذلك عن طريق وسطاء تدفع الشركات لهم عمولة على ذلك سواء نسبة من الأقساط أو من المبلغ المؤمَّن به.
ب- نفقات تحصيل الأقساط: الأصل أن القسط يستحق في موطن المؤمَّن له، لكن جرى العمل في التأمين على دفع القسط في موطن المؤمِّن, فلا مشكلة في القسط الأول لكن المؤمِّن يتحمل عبئاً مالياً في تحصيل بقية الأقساط تتمثل هذه النفقات بأجور الجباة ونفقات انتقالهم لموطن كل مؤمَّن له.
ج- مصروفات الإدارة: وتشمل كل النفقات اللازمة لحسن سير العمل في شركة التأمين من رواتب الكادر العامل في الشركة وإيجارات للمقار وأجور دعاية وإعلان ورسوم التقاضي.
الرأي:
بعد هذا التقديم النظري وحتى لا ينظر المواطن إلى قسط التأمين باعتباره رسماً حكومياً أو تكليفاً ضريبياً؛ لابد أن نعترف جميعاً بأن الناس على اختلاف بلادهم وعاداتهم يحاولون تجنب نار الضرائب والرسوم لكونهم يعتبرونها إرهاقاً مالياً لهم وعبئاً عليهم، وأكثر من ذلك فمندوب الضرائب يعدّ لدى كثير من المجتمعات شخصية غير مرغوب فيها.
والمثير للاستغراب أن الكثيرين يعتقدون أن فرض التأمين الإلزامي على السيارات هو عبارة عن وسيلة مستحدثة من جانب الدولة لفرض رسوم على المواطن.
قد يكون المواطن معذوراً في ذلك بسبب اعتماد جميع شركات التأمين مبلغاً لا يتغير لقسط التأمين. هذا القسط، قسطٌ تجاري بتركيبته وطريقة حسابه، بل إن كثيراً من العوامل لها تأثير في احتساب القسط حتى وإن قلت أهميتها. وعلى سبيل المثال طبقت بعض الدول طريقة جديدة في احتساب قسط تأمين المسؤولية على المركبات حيث يتحدد القسط بعد إدخال البيانات المتعلقة بعدد سنوات قيادة المركبة وسن السائق وسجله المروري من حيث المخالفات والحوادث المرتكبة ونوع المركبة المستخدمة في السير وما إلى ذلك.
أخيراً، كثيراً ما تؤرقني عدالة ذلك المبلغ الجامد الذي نعتبره تجاوزاً "قسط تأمين" بينما قسط التأمين ينبغي أن يكون شديد الحساسية للمتغيرات ومعتمداً في احتسابه على عوامل متناهية الدقة، ولعل أهمها عامل حصول الخطر الذي يعتمد عليه احتساب القسط بدرجة كبيرة.