المسؤولية، مصطلح يتردد كلّ لحظة منذ أن نشأت فكرة الحق ، وسيبقى ما بقي خالداً طالما بقي الإنسان يعيش على وجه البسيطة، فالإنسان قد يكون مسؤولاً تجاه ربه وقواعد الأخلاق إذا صدر عنه فعل منافٍ لقواعد الدين والضمير وحتى لو لم يتضرر أحد نتيجة ذلك، وتكون هنا مسؤوليته أدبية، وقد يكون مسؤولاً تجاه الحق والمجتمع إذ ارتكب جرماً جزائياً ألحق اضطراباً بالمجتمع ويكون حينئذ مسؤولاً جزائياً عن فعله ويجب عليه تحمل العقوبة، وقد يكون الفعل الجرمي الذي رتب مسؤولية جزائية قد ألحق أذى أو ضرراً بفرد أو مجموعة من الأفراد، فيلتزم حينها بالتعويض عن الضرر الذي أحدثه، وبإصلاح ذلك الضرر تجاه المتضرر، وبذلك يكون مسؤولاً بالمال أيضاً ومسؤوليته حينئذ مسؤولية مدنية..
ولا يستلزم أن يكون المسؤول مدنياً مسؤولاً جزائياً أيضاً، فالمسؤوليتان منفصلتان ولكن قد تترافقان، وتَرَافقهما ليس بشرط لترتب أي منهما، إذ قد تترتب المسؤولية الجزائية دون المدنية، وقد تترتب المسؤولية المدنية دون الجزائية.
الفرق بين المسؤولية الجزائية والمسؤولية المدنية:
- في المسؤولية الجزائية: يكون مرتكب الفعل الضار مسؤولاً تجاه الدولة باعتبارها حامية للمجتمع ويكون الجزاء عقوبة حجز الحرية أو دفع مبلغ أو حرماناً من بعض الحقوق المدنية، وتوقع عليه باسم المجتمع زجراً له وردعاً لغيره وتتولى النيابة العامة تحريك الدعوى عليه أمام المحاكم الجزائية، ويجب أن تستند إلى قانون العقوبات أو أي نص تشريعي آخر بينما في المسؤولية المدنية يكون الفاعل قد أخلّ بالتزامٍ مقرر في ذمته، ويترتب على هذا الإخلال ضرر للغير، ويكون للمتضرر وحده حق المطالبة بالتعويض، ويعتبر هذا الحق حقاً مدنياً خالصاً له وتختص بها المحاكم المدنية.
فنطاق المسؤولية المدنية أكثر اتساعاً من نطاق المسؤولية الجزائية لأن المسؤولية الجزائية مقصورة على حالات الإخلال بأوامر صريحة منصوص عليها في القوانين الجزائية، أما المسؤولية المدنية فيكفي في قيامها الإخلال بأي واجب قانوني، ولكون الواجبات القانونية لا حصر لها فإن نطاق المسؤولية المدنية يكون لا حد له.
المسؤولية عن العمل غير المشروع: وتنقسم إلى ثلاثة أنواع:
- المسؤولية عن الأعمال الشخصية والمسؤولية عن عمل الغير والمسؤولية الناشئة عن الأشياء، ونص عليها القانون المدني السوري على المسؤولية في المادة 164 التي تنص (كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض)
- والمسؤولية القانونية تتوزع بين مسؤوليتين: جزائية ومدنية، والمسؤولية المدنية ليست موحدة إذ إنها تنقسم إلى مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية تترتب عن عمل غير مشروع يصدر عن شخص وينجم عنه ضرر، ما يلقي على المسؤول عنه واجب إصلاح الضرر.
الفرق بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية:
نظراً لوجود رابطة عقدية أو عدمها تنقسم المسؤولية المدنية إلى عقدية أو غير عقدية (تقصيرية)، فتترتب الأولى على عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على الوجه المتفق عليه.
أما المسؤولية غير العقدية أو التقصيرية؛ فهي تقوم على التزام قانوني مصدره نص القانون يقع على عاتق المسؤول بتعويض المضرور دون علاقة عقدية بينهما، بما في ذلك مثلاً مسؤولية قائد المركبة عن إصابة أحد المارة أو عن وفاته، ومسؤولية الجار عن تهدم المنزل المجاور أثناء ترميم منزله.
وقد انتهى الفقه الحديث إلى أن العناصر الجوهرية في نوعي المسؤولية واحدة إلا أنه يسلّم باختلافات عدة بينهما تتمثل في:
- نطاق التعويض: فالتعويض في المسؤولية التقصيرية أوسع نطاقاً منه في المسؤولية العقدية، ففي الأولى يلتزم المدين بتعويض الضرر المباشر، سواء أكان متوقعاً أم غير متوقع، بينما لا يشمل التعويض في المسؤولية العقدية سوى الضرر المتوقع أو المحتمل وقوعه عادة وقت إبرام العقد.
- التقادم : تنطبق على المسؤولية العقدية.
القاعدة العامة في التقادم أي إن المسؤولية تسقط بمضي خمس عشرة سنة، أما في المسؤولية التقصيرية، فالقاعدة العامة أنها تسقط بمضي ثلاث سنوات واستثناء بمضي خمس عشرة سنة.
- الإعذار: يجب إعذار المدين في المسؤولية العقدية بينما يعفى الدائن من إعذار المدين لاستحقاق التعويض.
- التضامن: لا تضامن في المسؤولية العقدية عند تعدد المسؤولين إلا بنص في القانون أو باتفاق المتعاقدين، بينما التضامن في المسؤولية التقصيرية مقرر بحكم القانون.
- الإعفاء من المسؤولية: يكون الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية باطلاً في المسؤولية التقصيرية، بينما يكون صحيحاً في المسؤولية العقدية.
وعليه فإن الاختلافات بين نوعي المسؤولية تؤدي إلى نتائج عملية مهمة أخصها أن أحكام المسؤولية التقصيرية أفضل للمتضرر من زوايا عدة، لأن التعويض فيها يشمل الضرر المتوقع وغير المتوقع، بعكس المسؤولية التعاقدية، ففي المسؤولية التقصيرية يقوم التضامن بين المسؤولين بنص في القانون، بينما لا تضامن في غياب اتفاق عليه في المسؤولية العقدية، وتبطل شروط الإعفاء من المسؤولية التقصيرية بعكس المسؤولية العقدية.
مفهوم التعويض
- المقصود بالتعويض ß هو جبر الضرر الذي لحق بالمتضرر، بهدف إعادة التوازن إلى العلاقة بين المتضرر والمتسبب بالضرر.
- شروط الضرر: يجب أن تتوافر فيه الشروط التالية: أن يكون مؤكداً، أي محقق الوقوع، وحالاً وشخصياً وماساً بحق ثابت.
أشكال التعويض:
- الأصل - التعويض النقدي ß تقدير الضرر اللاحق بمبلغ من النقود.
- استثناءً - التعويض العيني ß الحكم بإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر.
التعويض القضائي
- التعويض القضائي ß هو التعويض الذي يتم تقديره بمعرفة القاضي.
- وتختلف أسس تقدير التعويض القضائي للضرر باختلاف أنواع الضرر (ضرر مادي "مالي أو جسدي"/ ضرر معنوي).
- المبادئ العامة المنظِّمة لتقدير التعويض القضائي
- التقدير الموضوعي للتعويض ß تقدير التعويض وتحديد قيمته/ مداه يتوقف على حجم الضرر فقط.
- التقدير الواقعي للضرر ß بخلاف التعويض، ينبغي تقدير الضرر تقديراً شخصياً واقعياً.
- مبدأ التعويض الكامل:
ß يجب أن يكون التعويض شاملاً: يغطي جميع عناصر الضرر الواقع على المتضرر.
ß يجب أن يكون التعويض مانعاً: لا يشمل الأضرار غير المستوجبة للتعويض، فلا يمنح المتضرر تعويضاً أكبر من المستحق له.
- مبدأ التعويض العادل ß إذا كان الأصل هو وجوب كون التعويض كاملاً، فإن هناك حالات يتعذر فيها ذلك، ويكتفى معها بمنح المتضرر تعويضاً عادلاً وفقاً لظروف كل حالة.
إعادة النظر في تقدير التعويض:
- الأصل: تقدير التعويض على أساس قدر الضرر + قيمته يوم النطق بالحكم.
التعويض المؤقت ß يمكن للقاضي، أثناء نظر الدعوى وقبل صدور الحكم، أن يحكم بنفقة مؤقتة تدفع من قبل المسؤول إلى المتضرر، وذلك خصماً من حساب التعويض النهائي.
تقادم دعوى التعويض: (دعوى المسؤولية) ß المادة 173 من القانون المدني السوري:
- 1- تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المتضرر بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه، وتسقط هذه الدعوى في كل حال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع.
- 2 ـ على أنه إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة، وكانت الدعوى الجزائية لم تسقط بعد انقضاء المواعيد المذكورة في الفقرة السابقة، فإن دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجزائية.
التعويض الاتفاقي
- التعويض الاتفاقي ß هو التعويض الذي يتم بالاتفاق بين المتضرر والمسؤول عن الضرر.
- نطاق الاتفاق ß الاتفاق على نوع التعويض /قدره/ طريقة الوفاء به.
- الإعفاء من التعويض ßيرتبط جوازه بتوقيته:
- قبل قيام المسؤولية ï يبطل الاتفاق على الإعفاء الجزئي/ الكلي من التعويض.
- بعد قيام المسؤولية ï يجوز الاتفاق على الإعفاء الجزئي/ الكلي من التعويض (لثبوت حق المتضرر بالتعويض).
التعويض القانوني
- الأصل ß يقدر التعويض من قبل القاضي.
- و لكن ß هناك حالات يتدخل فيها المشرع لتحديد مقدار التعويض.
أخيراً ، وبعد هذا البحث فإننا سنتطرق إلى البحث في المسؤولية المدنية الناجمة عن استعمال السيارة التي تعد في عصرنا هذا من أخطر الأشياء التي يتعرض حارسها للمسؤولية في العدد القادم بإذن الله.
يتبع في العدد القادم