- على الرغم من مضي سنة ونيف على إصدار السيد رئيس مجلس الوزراء للقرار رقم 1915 تاريخ 12/5/2008 وتعميمه على جميع الجهات لتطبيقه، إلا أنه وحتى تاريخه نجد بعض الأشخاص ليس لديه أي معلومات عنه، والبعض الآخر سمع به أو قرأ عنه ولكن ليس لديه المعلومات الكافية عنه.
- لذلك ونظراً لأهمية هذا الموضوع، فقد أحببت أن أتطرق في هذا العدد إلى الأحكام المتعلقة بالتأمين الإلزامي على المركبات في سورية.
- كما يعلم الجميع فقد صدر في عام 2008 المرسوم التشريعي رقم 11 الذي عدّل بعض أحكام قانون السير رقم 31 لعام 2004، كما ألغى المواد الخاصة بالتأمين الإلزامي بموجب المادة 39 منه التي نصت على إلغاء المواد ذوات الأرقام 188-189-190-191-192-193-194-197 وهي المتعلقة بالتأمين الإلزامي...
- وبناءً على أحكام المادة 198 من المرسوم التشريعي رقم 11 لعام 2008، فقد أصدر السيد رئيس مجلس الوزراء الأحكام الناظمة للتأمين الإلزامي وبدلاته وشموليته بناءً على اقتراح من السيدين وزيري المالية والعدل وبالتنسيق مع رئيس مجلس إدارة هيئة الإشراف على التأمين.
- وهذا ما حدث بصدور القرار رقم 1915 لعام 2008 الذي أصبح النص القانوني للتأمين الإلزامي على المركبات في سورية.
وبمجرد صدور هذا القرار عُمِّم على جميع الجهات العامة ومنها وزارة العدل التي عممته بتاريخ 15/5/2008 على السادة المحامين العامين في القطر لتعميمه على جميع المحاكم في دوائرهم.
من أهم الأحكام التي وردت بالقرار رقم 1915 لعام 2008 على سبيل المثال:
ما نصت عليه المادة 3: أ- والتي حددت سقوف وحدود التزامات جهات التأمين بالتكافل والتضامن مع المالك والسائق لجهة التعويضات وفق ما يلي:
- تعويض الوفاة بمبلغ 750 ألف ل.س.
- تعويض التعطل عن العمل كحد أقصى ستة أشهر ب72 ألف ل.س.
- نفقات العلاج والتداوي حد أقصى 200 ألف ل.س.. الخ.
وهذا النص هو نص آمر لجميع المحاكم وشركات التأمين وهو المعتمد في التسويات الودية..
- وفي حال حكم القاضي تبعاً لوقائع الدعوى بمبلغ يفوق التغطيات المحددة في المادة /3-أ/، ((فعلى سبيل المثال لو حكم القاضي بتعويض وفاة بمبلغ مليون ل.س أو بنفقات العلاج والتداوي بمبلغ أربعمئة ألف ليرة سورية بعد إثبات ذلك من المدعي المتضرر بفواتير أو خبرة معتمدة أصولاً..إلخ..
يطرح السؤال التالي نفسه: كيف يكون هنا الإلزام بالتكافل والتضامن..؟!
أجابت المادة /5-آ/ من القرار رقم 1915 لعام 2008 على أنه: ((تعد كل من جهة التأمين والمؤمن له والسائق مسؤولين بالتكافل والتضامن عن الضرر الذي يلحق بالغير وفق أحكام المادة 3 من هذا النظام)).
كما جاءت الفقرة (ب) من المادة الخامسة السالفة الذكر.. لتوضح أكثر:
((ب- يعد كل من المالك والسائق مسؤولين بالتضامن والتكافل عن أي مبلغ يُحكَم به يزيد على حدود التزام التأمين وفق أحكام المادة 3 من هذا النظام)).
وعليه، وتطبيقاً لهاتين الفقرتين من المادة الخامسة في المثال السابق باتَ للمحكمة أن تحكمَ بمبلغ 200 ألف ل.س نفقات علاج وتداوٍ تلزَم بها شركة التأمين وتلزَم جهة السائق والمالك بالتكافل والتضامن بما يفوقُ حدود التزاماتها بفقرةٍ حكميةٍ مستقلة، وكذلك في حالة الوفاة يتم الحكم على شركة التأمين بحدود التغطية 750 ألف ل.س، أما ما يزيد على ذلك فيتّم الحكمُ على المالكِ والسائقِ بفقرة حكمية مستقلة.
هذا الأمر يطبق على باقي سقوف التعويضات حين فرضها المشرع، فالقرار رقم 1915 رسم حدوداً واضحةً وشمل الأضرار الجسدية والمادية بالعقد الإلزامي.
وهنا الأمل معقودٌ على المحاكم الموقرة بأن تراعي ذلك وتتقيد به، لأنه قانون ويتضمن نصوصاً آمرة لا تقبل التأويل، لكونه يحمي مصالح شركات التأمين من جهة، ويجعل مالك السيارة وسائقها يدركان أهمية التقيد بأحكام قانون السير والتنبه لمخاطر وقوع الحوادث وتبعاتها.
وجهة نظر أخرى...
قد يستند البعض إلى نص المادة 184/آ من قانون السير رقم 31 لعام 2004 التي جاء فيها: ((أ-يعد باطلاً كل اتفاق يُلغي أو يُحدد المسؤولية المدنية..)).
هنا ما نوع هذا الاتفاق ومن أطرافه؟
الجواب على ذلك:
يحتاج إلى رأي خاص في تفسير وشرح هذه الفقرة، فالقرار 1915 لعام 2008 لم يلغِ ولم يحدد المسؤولية المدنية بل فقط وضع حدوداً لالتزامات جهات التأمين متكافلة متضامنة مع المالك والسائق، وما تحكم به المحكمة زيادة عن هذه الحدود يُلزَم بها المالك والسائق على حدة أيضاً بالتكافل والتضامن.
تعقيباً على ما تقدم، فإن تطبيقَ أحكام قانون السير هو الواجبُ والأولى لكونه القانون الخاص والخاص يقيد العام، وبالعودة إلى أحكام المادة 714 من القانون المدني؛ فقد نصت على أن الأحكام المتعلقة بعقد التأمين التي لم يرد ذكرها في هذا القانون تنظمها القوانين الخاصة.
وهنا القرار رقم 1915 تاريخ 12/5/2008 المستند إلى نص المادة 198 من قانون السير هو واجب التطبيق باعتباره استند إلى قانون خاص، وكما أسلفنا ((الخاص يُقدم على العام)).
علماً أن إرادة المشرع في المرسوم 11 لعام 2008 وعند إلغائه المواد من (188 حتى 197) انصرفت إلى أنه سيُصدر نظاماً خاصاً ينظِّم عمل التأمين الإلزامي بعدما أحدث لدينا في سورية هيئة مختصة بالإشراف على التأمين.
إيجابيات أخرى للقرار رقم 1915 لعام 2008:
- معلومٌ للجميع أنه في السابق كان عقد التأمين الإلزامي (المرحلة الأولى يضمن الأضرار الجسدية للغير فقط)، أما في ضوء أحكام القرار 1915 لعام 2008 والذي يمكن أن نسميه (نظام التأمين الموحد) فقد شمل التأمين الإلزامي الأضرار المادية للغير أيضاً، وفي هذا مكسبٌ كبير للأفراد والمالك، والمبالغ التي تزيد على التزامات جهات التأمين المحددة في المادة 3 يُحكم بها المالك والسائق، وليس في ذلك إجحاف أو انقاص لحقوق المتضرر الذي حُفظ حقه تجاه التأمين، وتجاه المالك بإشارة الحجز الاحتياطي الموضوعة على صحيفة المركبة.
- كما أصبح ركاب السيارة عدا المالك والسائق من عداد غير المشمولين بالعقد.
- بات نموذج عقد التأمين الإلزامي موحداً وجاء في مقدمته:
((عقد تأمين إلزامي لمركبة آلية وفقاً لأحكام القرار 1915 تاريخ 12/5/2008 الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء))، كما وضع في أسفل العقد توضيح وتبيان لحدود التزامات شركة التأمين للأضرار الجسدية والمادية بشكلٍ واضحٍ ومفصل تحديداً واضحاً وظاهراً.
في إلزامية القرار رقم 1915 لعام 2008 ونزوله منزلة القانون:
لا يعقل أن يلغي المشرع كل المواد من الفصل المتعلق بالتأمين في قانون السير رقم 31 لعام 2004 ولا يضع بدلاً منها.
هذا البدل جاء في القرار 1915، ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين المواد الملغاة والمواد التي جاءت في القرار 1915 لوجدنا أنها مواد متقاربة، ومنها ما هو مطابق لها حرفياً مع إعادة الصياغة والتوزيع في الفقرات، ومنها ما هو جديد مثل توسيع التغطيات وتحديد السقوف لالتزام جهات التأمين.
ومع أنّ أحكام التعليمات الإلزامي قد صدرت بشكل قرار وليس مرسوماً تشريعياً أو قانوناً؛ فقد اعتمدت بعض المحاكم بعض ما ورد فيه وخصوصاً لجهة عدم صحة إقامة الدعوى بمواجهة شركة التأمين فقط، بل لابد من إدخال أو اختصام المالك والسائق لأن مسؤولية التأمين مسؤولية تبعية وعقدية عن خطأ المتعاقد (المؤمن له)..
بينما لم تتقيد بعض الأحكام القضائية بحدود سقوف التغطيات المنصوص عنها في القرار بالنسبة لشركة التأمين.
مما تقدم، لابد من الوصول إلى النتيجة التالية:
إن القرار 1915 هو النظام الخاص بالتأمين الإلزامي الصادر استناداً إلى أحكام القانون، ومن ثم فإن أحكامه ملزمة تستمد شرعية وجوبها من نص المادة 198 من قانون السير وخصوصاً أنه وضع أصولاً للخصومة وسقوفاً للتعويضات، وما زاد عن الحدود المحددة في المادة 3 من القرار يُحكم بها المالك والسائق بفقرة حكمية مستقلة، وقد تم تعميمه من السيد وزير العدل والسادة المحامين العامين على جميع محاكم القطر للعمل به.