مقدمة :
هناك لغط وأخطاء وخلافات تقع بين شركات التأمين بسبب قيام إحدى شركات التأمين بتسديد كامل التعويض المترتب من جراء الحادث استناداً إلى المادة (7) من التعليمات التنفيذية للقرار 1915 الناظم لأعمال التأمين التي تنص على ما يلي: ((إذا اشترك بالحادث عدة مركبات مؤمنة لدى أكثر من شركة تأمين ونتج عنه ضرر بالغير ، يلجأ المتضرر بطلب التعويض إلى شركة التأمين التي تتحمل المركبة المؤمنة لديها المسؤولية الأكبر عن الحادث والتي تتحدد بإتفاق خبير أو خبراء الشركات المعتمدين أصولاً بالحادث وفي حال عدم وجود أي إعتراض للشركات .
من استقراء النص السابق يتبين لنا أن التعليمات التنفيذية للمادة (7) من القرار 1915 أوجبت على الشركة التي تتحمل نسبة من المسؤولية الأكبر أن تسدد كامل التعويض ومن ثم الرجوع على الشركة الأخرى بما سددته عن هذه الشركة وفقاً لنسبة المسؤولية ، وهنا تكمن المشكلة التي قد تعترض تنفيذ هذا النص إذ أن إحدى الشركات قد تمتنع عن تسديد ما عليها من هذا التعويض بعد أن تقوم الشركة الاخرى بتسديد كامل التعويض لذلك فقد تم إحداث لجنة لحل الخلافات الناشبة بين شركات التأمين سميت ( لجنة المبالغات في الأحكام القضائية وحل الخلافات ) وقراراتها ملزمة بالنسبة للخلافات التي تعرض عليها ، وذلك توفيراً للوقت وتسهيلاً لعمل شركات التأمين من أجل الحصول على مطالباتها دون اللجوء إلى القضاء الذي سيستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً .
والخلافات قد تنشب بين الشركات نتيجة لخطأ في التكييف القانوني ومعرفة النص الواجب التطبيق وقد يصل الخطأ في التكييف القانوني إلى حد الخطأ المهني الجسيم نتيجة لرأي خاطئ إما لضحالة معلومات الشخص الذي أبدى الرأي القانوني أو بقصد تهرب الشركة من دفع التزاماتها تجاه الشركات الأخرى ، وذلك نتيجة عدم التمييز بين مبدأ الحلول القانوني وحوالة الحق وأيهما يتوجب تطبيقه .
مما أقتضى أن نقدم هذا البحث القانوني توضيحاً لاختلاف الأساس القانوني في كل منهما.والمبدأ الواجب التطبيق ورأي محكمة النقض والقانون المقارن والاجتهاد القضائي في ذلك .
رجوع المؤمن على المسؤول عن الحادث
قد يتأتى الخطر ويتحقق بفعل الغير مما يمكن معه الرجوع على هذا الغير بإحدى المسؤوليتين : أ – المسؤولية التعاقدية ب ـ أو المسؤولية التقصيرية لصالح المؤمن له ، ويتم ذلك بإعمال القواعد العامة للمسؤولية المدنية فيقوم المؤمن بدفع التأمين إلى المؤمن له ، ومن ثم يرجع على الغير المتسبب بما أداه .
وهذا يكون بطريق تطبيق مبدأ الحلول القانوني .
فما هو الأساس الذي يستند إليه هذا الرجوع ؟
أولاً : الأساس الفني للرجوع :
من المتصور أن أغلب ما يتم فيه الرجوع استناداً إلى قواعد المسؤولية التقصيرية ، لعدم تصور قيام المسؤولية العقدية بين مسبب الضرر والمؤمن ، وذلك إما بدعوى المسؤولية التقصيرية وإما بدعوى الحلول ، استناداً إما إلى حوالة الحق أو تطبيقاً لقواعد الحلول القانوني أو الاتفاقي . هذا فبينما استبعد الفقه والقضاء احتمال الرجوع على أساس المسؤولية التقصيرية ، فإن المشرع أسس هذا الرجوع استناداً إلى الحلول وذلك في التأمين من الحريق ، ومنع ذلك في مجال التأمين على الحياة . وفي استعراض للقانون المقارن العربي في هذه المسألة نجد أن القضاء الكويتي ، قبل صدور كلٍّ من القانون المدني وقانون التجارة البحرية ، قد أخذ تارة بأساس حوالة الحق ( الحلول الاتفاقي ) ، وتارة أخرى (بالحلول القانوني) ، أو بهما معاً تارة ثالثة . أما عندما صدر القانون المدني الكويتي وكذلك قانون التجارة البحرية
( المادة 801 مدني والمادة 299 تجارة بحرية ) فقد استند في التأمين من الأضرار إلى الحلول واستبعد من ذلك التأمين على الحياة . ولكنه لم يحدد موقفه من مسألة مدى إمكانية الرجوع بالدعوى التقصيرية . فما هو الأساس الصحيح للرجوع ؟
الرجوع بالاستناد إلى المسؤولية التقصيرية
هذا ما كان عليه كلٌّ من الفقه والقضاء الفرنسيين ، بأن يرجع المؤمن على الغير المسؤول عن الحادث مطالباً إياه بالتعويض عن ضرر شخصي متمثلاً في اضطرار هذا المؤمن إلى الوفاء بمبلغ التأمين . إلا أن هذا الاتجاه لم يعش طويلاً بسبب النقص الجوهري في عناصر المسؤولية التقصيرية للغير تجاه المؤمن ، وتجلى هذا النقص في عدم توافر رابطة السببية بين خطأ الغير وبين الضرر المدعى به من قبل المؤمن ، إضافة إلى أن عنصر الضرر بذاته لا وجود له . ويبرر الرافضون لهذا المبدأ أن انعدام رابطة السببية يقوم على أن خطأ الغير المسؤول عن الحادث المؤمن عليه ليس هو السبب المباشر لالتزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له . أما القول بأن خطأ الغير كان السبب في تعجيل وفاء المؤمن بالتزامه تجاه المتضرر من الحادث المؤمن عليه ( المؤمن له ) فيصبح المؤمن متضرراً استناداً لذلك فمسألة فيها نظر .
إن البحث المتعمق للمبدأ المذكور يوضح ويؤكد أن السبب الحقيقي والأهم لرفض هذا المبدأ هو انتفاء الضرر المدعى به من قبل المؤمن ، كونه يقوم بالوفاء بالتزامه بدفع مبلغ التأمين ، إذ أن هذا الوفاء أساسه عقد التأمين ، كالتزام مقابل لالتزام المؤمن له بأداء أقساط التأمين ، لأن تنفيذ الالتزام التعاقدي لا يجوز اعتباره ضرراً أصاب الملتزم بالوفاء . كما أن عقد التأمين أساسه احتمال تحقق الخطر المؤمن منه في أي وقت ، وهذا الاحتمال كان محل اعتبار المؤمن عند التعاقد ، وأنه أدخل في حساباته هذا الاحتمال ، الذي يمكن أن يتحقق بفعل الغير ، وعلى هذا الأساس قدر وحدد قيمة القسط ، فليس له بعد ذلك الادعاء بأن ضرراً لحق به من جراء تسبب الغير بتحقق الخطر المؤمن منه لأن نظام التأمين ووثائقه ( العقد ) يفرضان عليه تنفيذ التزامه بدفع مبلغ التأمين إلى المؤمن له دونما اعتبار لكون تحقق الخطر بفعل الغير . وإذا أراد المؤمن الرجوع على الغير فيجب عليه مقدماً أن يلحظ ذلك عند تقدير قيمة القسط من ناحية ومن ناحية أخرى أن يشترط حلوله محل المؤمن له في الرجوع .
وإذا كان للمؤمن الرجوع على الغير فإن مصدر ذلك أمر غير عقد الـتأمين إلا أنه نشأ بمناسبته ، كأن تفرض القوانين بعض الدول ذلك تحكيماً لبعض أنواع التأمين ومثال ذلك المادة /18/ من القانون رقم 652 لعام 1955 الخاص بالتأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات ، التي أوجبها المشرع المصري ، وهذا النص في كل الأحوال لا يقوم على أساس الحلول ، بل يرجع إلى رغبة المشرع . والنص المذكور إنما يسري على الأشخاص دون الأشياء . وعليه فإنه يمكن تفسير هذا النص على أن المشرع أراد بذلك أن يضع نصاً خاصاً في هذه المسألة وهذا ما قرره كلاً من المشرع السوري وكذلك العراقي .
وبتحليل النص المشار إليه أعلاه نتبين أن السبب الذي أوجده إنما هو الرغبة في ألا يجمع المؤمن له بين مبلغ التأمين ومبلغ التعويض بما يحقق به ثراء لا أساس له ، ومن ناحية أخرى حتى لا يفلت المسؤول عن الضرر حين يمتنع على المؤمن له الرجوع عليه بعد أن حصل على مبلغ التأمين وتم تعويضه عن كل ما أصابه من ضرر . على أن هذا الغرض يمكن أن يتحقق بوسيلة أخرى هي الحلول . هذا وإن النص المذكور يتعلق بالتأمين من المسؤولية المدنية عن الإصابات التي تقع على الأشخاص وذلك في أشخاصهم جسدياً ومعنوياً ( أدبياً ) ولا يسري بالتالي على الأشياء . ومع ذلك يمكن تفسيره على محمل آخر يفيد أن المشرع أراد به أن يضع نصاً خاصاً يقرر فيه للمؤمن حق الحلول القانوني تطبيقاً للمادة 325 من القانون المدني السوري (326مدني مصري ) ، التي بموجبها يحل المؤمن ، في المسؤولية من حوادث المرور ، محل المضرور في الرجوع على الغير المسؤول عن الحادث
وقد نصت المادة (325) من القانون المدني السوري على :
(( إذا قام بالوفاء شخص غير المدين ، حل الموفي محل الدائن الذي استوفى حقه في الأحوال الآتية :
أ – إذا كان الموفي ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بوفائه عنه .
ب ـ إذا كان الموفي دائناً ووفى دائناً آخر مقدما عليه بما له من تأمين عيني ، ولو لم يكن للموفي أي تأمين .
ج ـ إذا كان الموفي قد اشترى عقاراً ودفع ثمنه وفاء لدائنين خصص العقار لضمان حقوقهم .
د ـ إذا كان هناك نص خاص يقرر للموفي حق الحلول . ))
الرجوع بالاستناد إلى دعوى الحلول
هذا ما كان عليه الرأي فقهاً وقضاءً ، وفي سائر الدعاوى التي تنشأ للمؤمن قبل الغير المسؤول عن الحادث . وفيما بعد اختلفت الآراء فيما بينهم حول الأساس الذي يرتكز عليه هذا الحلول . بعضهم أقامه على العرف التجاري ( التجاري البحري ) وفي ذلك يقاس التأمين البري على التأمين البحري . في حين أن فريقاً آخر أدرج هذا الحلول تحت إحدى حالات الحلول القانوني ، وهي الحالة التي يحل فيها الموفي محل الدائن إذا كان الموفي ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بالوفاء لهذا الدين عنه ( المادة 325 الفقرة /آ/ من القانون المدني السوري ) المادة 326/1 مدني مصري ، والمادة 1251/3 مدني فرنسي .
الرأي السابق ذكره عن الحلول انتقد من ناحيتين : الأولى ( أن تطبيق هذا النص يقتضي أن يكون مصدره الالتزام لكل من الدافع والمدين متحداً ، وأن يكون سببهما كذلك مشتركاً كأن يكونا مدينين متضامنين ، أو أن يكون أحدهما مديناً والآخر كفيلاً له في نفس الدين . وهذا ما لا يتحقق فيما نحن بصدده ، حيث أن مصدر التزام المؤمن هو عقد التأمين ، في حين أن مسؤولية الغير الناشئة عن ( الفعل الضار ) تختلف عن هذا الأساس . وقيل من ناحية أخرى بأن رجوع المؤمن على المدين بدعوى الحلول يقتضي أن يكون الموفي قد وفى للدائن بالدين المترتب في ذمة المدين بالذات ، لا بدين في ذمته هو ، وهذا لا يتحقق بالنسبة إلى المؤمن ، لأن وفاءه بمبلغ التأمين يستند إلى الالتزام المترتب في ذمته للمؤمن له بموجب عقد التأمين .
إن هذا الانتقاد يمكن أن يكون محل نظر أحياناً . وفي هذا الصدد نشير إلى أن من بين صور المسؤولية المشتركة الحديثة ، صورة المسؤولية المجتمعة حيث يلتزم أكثر من شخص بدين واحد تضامنياً . وحيث أن في الالتزام التضامني يتعدد مصدر الالتزام مع اتحاد الهدف في الالتزامات . فمن المتصور عند إصابة المؤمن له بالضرر من جراء فعل الغير ، أن ينشأ التزامان وأن يتحدان في الغاية ، من جهة يكون المؤمن هو المدين في الالتزام الأول الناشئ عن عقد التأمين ، ومن جهة ثانية يوجد التزاماً ثانياً المدين هو الغير ، ومصدر التزامه هو فعله الخطأ ، الذي سبب ضرراً يرتب مسؤولية تجاه المؤمن له . وإذ يتحد الالتزامان في الغاية وهي تعويض الضرر ، فإن وفاء المؤمن بالتزامه هذا يترتب عليه تخفيض دين التعويض المستحق في ذمة الغير ، وفي حدود هذا التخفيض يكون المؤمن قد أوفى بدين الغير ، ولا يخرج ذلك عن إحدى حالات الحلول القانوني . ومن بين تلك الحالات الحالة التي ينص فيها القانون على ذلك فيقرر للموفي حق الحلول ( المادة 325/د مدني سوري ) .
وحتى في حال عدم أحقية المؤمن بالتمسك بأحكام الحلول القانوني للرجوع على الغير المسؤول فإن من مصلحته أن يضمن وثيقة التأمين شرطاً بمقتضاه يحل المؤمن محل المؤمن له في حقوقه ودعاواه قبل الغير المسؤول أو قبل مؤمنه . أو أن يتفق في التأمين من المسؤولية ، مع المضرور بأن يحل محله ، بعد أن يدفع له التعويض ، كما في الرجوع على الغير المسؤول عن الحادث ( وهو غير المؤمن له المتعاقد مع المؤمن ) . ولا يجوز القول في مثل هذا الشرط بأنه يتضمن حلاً اتفاقياً يمكن تنفيذه قبل الوفاء بمبلغ التأمين ( لأن هذا الشرط يتضمن حلاً اتفاقياً يمكن تنفيذه قبل الوفاء بمبلغ التأمين (لأن هذا الشرط أو هذا الحلول إنما يفترض سبق الوفاء ) أو بعبارة أخرى أن هذا الحلول لا يقع إلا على حق قد حل أداؤه فعلاً ، على فرض أن الشرط المذكور وجد قبل أن يوفي المؤمن بمبلغ التأمين للمؤمن له ، ويمكن تحليل هذا الشرط على أنه وعد بالحلول . أو أن هذا الشرط وجد قبل أن يستحق المبلغ للمؤمن له ، ولذلك فإن بعض المحاكم قد اعتبرته حوالة حق وليس حلولاً اتفاقياً ، وخاصة إذا ورد على بضاعة منقولة بحراً ، وعليه فإن الأقرب إلى الصحيح القول بأن شرط الحلول سواء ورد في وثيقة التأمين أو في اتفاق لاحق ، يتضمن حوالة حق محتمل يمكن المؤمن له التنازل للمؤمن عن دعواه بالتعويض ضد الغير المسؤول عن الحادث . إلا أنه يشترط لإعمال هذه الحوالة أن يقع الخطر بفعل الغير ، وأن يقبل هذا الغير ذلك ويعلن عنه ( مادة 305 مدني ) التي نصت على :
(( لا تكون الحوالة نافذة قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا قبلها المدين أو تبلغها . على أن نفاذها قبل الغير بقبول المدين يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ . ))
ويكون إعلانه بموجب سند مكتوب ثابت التاريخ . وإذا ما تحققت الشروط المذكورة لإعمال حوالة الحق ، فإنه يجوز للمؤمن عند رجوعه على الغير المسؤول أن يتمسك ضده بكل ما كان يستطيع المؤمن له أن يتمسك به قبله ، ومقابل ذلك يجوز للغير المسؤول أن يحتج في مواجهة المؤمن بكل الدفوع التي كان يستطيع التمسك بها ضد المؤمن له . هذا وإذا كان الاتفاق على الحوالة وقع بعد وقوع الحادث فإن هذه الحوالة تكون غير احتمالية ، إلا أن قواعد التأمين تمنع هذا الحلول إذا كان من أحدث الضرر شخصاً يكون المؤمن مسؤولاً عن أفعاله كتابعه مثلاً ( مادة 737 مدني سوري ) .
وتظهر أهمية تكييف هذا الشرط على أنه حوالة حق وليس حلولاً اتفاقياً أو قانونياً في نواحي عدة ، فمن ناحية يحق للمؤمن الرجوع على الغير المسؤول بالتعويض المستحق للمؤمن له في ذمته ، حتى قبل أن يوفي بمبلغ التأمين للمؤمن له إذا وجد شرط الحوالة في الوثيقة ، بحيث إذا تحقق الخطر المؤمن منه ، فإنه يزول عن الحق المحال صفة الاحتمالية ويغدو وجوده محققاً وينتقل إلى المؤمن ولا يكون معلقاً على الوفاء بتعويض التأمين إلى المؤمن له . في حين أن المؤمن لا يحل ( اتفاقاً أو قانوناً ) إلا بعد أن يوفي للمؤمن له مبلغ التأمين ، لأنه لا حلول إلا مع الوفاء . ومن ناحية فإنه يجوز للمؤمن أن يرجع على الغير المسؤول وفق حوالة الحق بكل التعويض المستحق في ذمته للمؤمن له ، ولا يقتصر رجوعه (كما في حالة الحلول الاتفاقي ) على ما يدفعه للمؤمن له ، في حين أن المؤمن لا يحل محل المؤمن له وفقاً لقواعد الحلول ، إلا بالقدر الذي أداه له من مبلغ التأمين ( مادة 328 مدني سوري ) التي نصت على :
(( من حل قانوناً أو اتفاقاً محل الدائن كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص ، وما يلحقه من توابع ، وما يكفله من تأمينات ، وما يرد عليه من دفوع ، ويكون هذا الحلول بالقدر الذي أداه من ماله من حل محل الدائن . ))
ومن ناحية ثالثة فإنه حين يرجع المؤمن له على الغير المسؤول في حدود ما تبقى من ضرر لم يشمله مبلغ التأمين بالتعويض ، ( فرضاً ) فإنه يتقاسم مع المؤمن التعويض المستحق في ذمة الغير المسؤول قسمة غرماء . على حين أنه وفقاً لقواعد الحوالة العامة ( مادة 329/1 مدني سوري ) فإن المؤمن له ( بصفته دائناً استوفى جزءاً من حقه ) وعلى المؤمن أن يسعى في استيفاء ما تبقى له من حق . ولذلك فإن من مصلحة المؤمن له أن يتفق مع المؤمن على عدم انتقال حقه في الرجوع على الغير إليه بالحوالة ، إلا بعد أن يحصل على تعويض كاف لجبر كل ما أصابه من ضرر ، أي أن تكون له الأولوية في استيفاء ما تبقى له من حق ، كما أن مصلحة المؤمن في أن يتفق مع المؤمن له على أن محل رجوع المؤمن على الغير يتحدد بمقدار ما أداه من مبلغ التأمين فقط .
وبالإضافة إلى مخاطر حوالة الحق التي تحدق بالمؤمن له فإن في أحكامها ما يجافي فكرة الضمان ذاتها التي يقوم عليها التأمين أصلاً . ذلك أنه متى كانت حوالة الحق بالتعويض بمقابل فإن المؤمن له يكون مسؤولاً ، وفق أحكام الحوالة ( مادة 308 مدني سوري ) عن ضمان وجود هذا الحق في ذمة الغير المسؤول مع أن المؤمن هو المسؤول عن الضمان بموجب أحكام التِأمين .
مما تقدم يتضح أن في أحكام الحوالة ما يشكل ضرراً قد يلحق بالمؤمن له . ولذلك فإن الوسيلة الفنية التي يمكن أن تكفل للمؤمن الرجوع على الغير المسؤول في نفس الوقت الذي لا تضر فيه بحقوق المؤمن له تتمثل في الحلول القانوني .
ولقد قضى القضاء الفرنسي ( محكمة النقض ) بأن انتقال حق المؤمن له إلى المؤمن إنما يكون بمقتضى الحلول القانوني لا بمقتضى حوالة الحق . وفي القضاء العربي فإن بعض المحاكم في الكويت وجدت بعض الاعتبارات التي دفعتها إلى الجمع بين قواعد حوالة الحق وأحكام الحلول القانوني لتأسيس رجوع المؤمن على الغير المسؤول . أما في مصر فإن المشرع تدخل بنصوص صريحة أقام بمقتضاها حقاً للمؤمن . في التأمين من الأضرار ، في الرجوع على الغير المسؤول بمقتضى الحلول ، ومنع ذلك في حالة التأمين على الحياة ، وهذا ما هو معمول به في سورية.