تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
مؤثرات الخطر المادية و المعنوية في تأمين المشاريع الهندسية

بالتزامن مع النهضة الشاملة للعلوم الهندسية في مختلف الميادين برزت النهضة العمرانية بشكل غير مسبوق وفرضت نفسها بقوة متمثلة بإنجاز مشاريع سكنية وصناعية وخدمية ضخمة، حيث كانت تنفذ تحت مظلة التأمين الهندسي الذي ساهم بحماية المستثمر من أخطار عديدة واجهت هذه المشاريع خلال مراحل العمل المختلفة.

هذه الأخطار التي تؤثر سلباً بشكل مباشر وغير مباشر في المشروع في مراحل تنفيذه المختلفة تأتي خارج نطاق السيطرة فيما يتعلق بأسباب حدوثها، ولكن كان الهاجس وما يزال في التفكير والبحث في كيفية إيجاد سبل للحيلولة دون التعرض لمثل هذه الأخطار وفي حالة التعرض لها العمل على تقليل وتخفيض نتائجها السلبية على عناصر المشروع الأساسية المتمثلة بالمنشأة المشيدة إضافة إلى الآليات، المخازن وسكن العمال.

يأتي ذلك من خلال التحكم بمؤثرات الخطر المادية والمعنوية التي تلعب الدور الأكبر في تحديد حجم الخسارة الناتجة، أما المؤثرات المادية فتختلف إجراءاتها باختلاف عمر المشروع وبشكل أساسي تقع المسؤولية في إدارة هذه المؤثرات على طرفين أساسيين ففي مرحلة الدارسة والتصميم تقع المسؤولية على عاتق الجهة الدارسة المخططة للمشروع أما خلال مرحلة التشييد فتنتقل المسؤولية للجهة المنفذة.

في مرحلة الدراسة تقوم الجهة الدارسة باختيار الموقع بشكل مناسب من عدة نواح:

- أولاً ينبغي أن تكون تربة التأسيس قوية متماسكة لتجنب مخاطر الهبوط والانزلاق في مراحل متقدمة من المشروع أو بعد فترة زمنية من وضع المنشأة في الخدمة ويتم التأكد من ذلك من خلال إجراء اختبارات جيوتكنيكية للتربة من مخابر خاصة (هذه الترب توجد في مناطق جنوب وشمال مدينة دمشق وهي من نوع كونغلوميرا).

- ثانياً ألا تقع في منطقة تواجه سيول أو أي عوامل طبيعية أو جغرافية استثنائية.

- ثالثاً دراسة إمكانية وصول سيارات الدفاع المدني والإسعاف للموقع خلال وقت قصير في حالة حدوث طارئ.

 

إضافة لاختيار الموقع بشكل يجنب بعض الأخطار المتوقعة يأتي تصميم البرنامج الزمني بالأهمية ذاتها من حيث توزيع فعاليات المشروع وربطها بشكل متناسق والعمل لتوضيع العمليات الأساسية في فصول مناسبة واختيار التوقيت المناسب للبدء في تنفيذ بعض الأعمال الحرجة التي يؤثر تأخرها في سير عمليات أساسية في المشروع بهدف تجنب أي تأخير في تسليم المشروع عن التاريخ المحدد.

مع بدء فعاليات المشروع على أرض الواقع تأخذ الجهة المنفذة مسؤولياتها في إدارة الخطر، ففي المرحلة التمهيدية عليها اتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية اللازمة من خلال تسوير الموقع بشكل مناسب وتأمين الإضاءة الملائمة إضافة إلى ضرورة وجود حارس ليلي لتقليل احتمالات التسلل للموقع.

 

أما أعمال التأسيس فيجب العمل بعناية ودقة فائقة عند البدء بأعمال الحفر وخاصة ما يتعلق باستخدام آليات تنتج عنها اهتزازات من الممكن أن تؤثر في الجملة الإنشائية للأبنية والمنشآت المجاورة كالهبوط والتصدع في عناصرها الحاملة مثل الأعمدة والأساسات كما يجب العمل على تدعيم كل جوانب الحفريات حسب الاشتراطات الملائمة لنوعية التربة لمنع الانهيارات التي قد تؤدي إلى أضرار كارثية إضافة إلى العمل على إنهاء كل الأعمال التي تقع تحت منسوب الأرض الطبيعية من حفريات وأعمال تأسيس في فترة زمنية معقولة لأنها غالباً ما تكون عرضة أكثر من غيرها للأخطار الطبيعية كالانهيارات وتجمع المياه من مصادر مختلفة تؤدي بدورها إلى خسائر عدة وتوقف في العمل.

 

ومع انتهاء أعمال التأسيس الخاصة بالمنشأة وبدء الأعمال الإنشائية بمراحلها المختلفة تبرز نوعية جديدة من الأخطار التي تحتاج إلى أساليب مختلفة في المعالجة والسيطرة كيلا تؤثر في هذا الهيكل الأساسي المشيد الذي غالباً ما يكون من البيتون المسلح، حيث يمكن أن تؤدي مع مرور الزمن إلى اهتلاكه وخروجه من الخدمة قبل انقضاء عمره الافتراضي التصميمي الذي غالباً ما يكون خمسين عاماً.

 

لذا على الجهة المنفذة استخدام قوالب صب بجودة عالية مع تدعيمها بشكل كبير حيث تمنع انهيارها خلال عملية الصب مع مراعاة استخدام الإضافات المناسبة للخلطة البيتونية أثناء التحضير مثل تلك التي تزيد مقاومة العنصر البيتوني وقدرة تحمله أو التي تسرع من عملية التصلب وذلك حسبما تقضيه ظروف العمل في تلك المرحلة، وبعد الانتهاء يجب عدم فك القالب قبل انقضاء الفترة الزمنية التصميمية الخاصة بنوع هذا العنصر والاهتمام بزيادة هذه الفترة في حالة مرور أيام غير مشمسة إضافة إلى القيام بالسقاية المنتظمة ليأخذ الصلابة المطلوبة حيث يكون قادراً على تحمل الحمولات والإجهاد المطلوبين.

 

أما في مرحلة الإنهاء تتداخل العمليات وتصبح أكثر تعقيداً فالهيكل الأساسي أصبح مفتوحاً وجاهزاً لاستقبال كل أعمال الإكساء، لذا لتجنب أي تعارض أو حوادث نتيجة هذا التداخل والتزامن يتم العمل على التنسيق الدقيق بين الجهات المسؤولة عن تنفيذ عمليات الإكساء من موردين أو مقاولي باطون إن وجدوا تحت ورقابة وإشراف مباشر من إدارة الجهة المنفذة وغالباً ما يتم العمل على تصميم برنامج لتوريد المواد حيث يتم تجنب مخاطر وأضرار التخزين في المستودعات المؤقتة بتركيبها مباشرة عند وصولها للموقع بعد تهيئة كل الظروف اللازمة للتركيب.

 

إن مواد الإكساء متنوعة وفي المباني السكنية غالباً ما تكون النسبة الأكبر فيها للمنجور الخشبي الذي يشكل مصدراً كبيراً للخطر بقابليته السريعة للاشتعال لذا يتم تزويد المبنى من الداخل في هذه المرحلة من المشروع بأجهزة إطفاء يدوية ويتم التأكد من قابليتها للتشغيل بشكل فعال عند الحاجة مع مراعاة توزيعها توزيعاً سليماً لتغطي مختلف مناطق المنشأة المشيدة.

 

إن مثل هذه الإجراءات تأتي لتقلل من احتمال حدوث الأخطار وتقلل من جوانبها السلبية في حالة حدوثها بالنسبة للمنشأة نفسها أما الآليات العاملة في هذا المشروع التي هي مصدر آخر للخطر يجب التعامل معها بنفس درجة أهمية الأخطار المحدقة بالمنشأة من خلال إجراء الصيانة الدورية وتخزين الوقود الخاص بها في أماكن آمنة إضافة إلى اختيار الأماكن المناسبة لوقوفها في خارج أوقات العمل.

 

وبالنسبة للمخازن التي تشكل عنصرا مهماً آخر من عناصر المشروع فيتم العمل على أن يكون البناء قوياً مقاوماً للعوامل الجوية من أمطار وعواصف وأن تكون قاعدة هذه المخازن مرفوعة عن الأرض مسافة كافية حيث تحول دون وصول المياه للمواد المخزنة في حالات الأمطار والأعاصير والفيضانات.

 

تحتوي هذه المخازن في مراحل معينة من المشروع على كميات كبيرة من مواد البناء الأولية لذا يتم التخزين بطرق منتظمة حيث يسهل الوصل إليها وإنقاذها في حالة تعرض المخزن لحادث معين كالحريق ومراعاة عدم تكديسها بشكل غير منتظم يعرقل عمليات الإنقاذ.

من العناصر التي يحتمل وجودها في المشروع أيضاً سكن العمال الذي يجب أن يُراعى فيه قوة البناء وثباته في وجه العوامل الجوية وأن توجد فيه أجهزة مكافحة الحريق إضافة إلى توزيع الوحدات السكنية، حيث يتم ترك مسافة أمان كافية تعمل على تخفيض احتمال انتقال الحرائق من وحدة لأخرى في حالة نشوبها حيث يسهل الوصول إليها من سيارات الإنقاذ المعنية بالحادث.

إن كل المؤثرات المادية السابق ذكرها لا يتم الأخذ والعمل بها بمعزل عن مؤثرات الخطر المعنوية التي تلعب دوراً لا يُستهان به إذا أوليت العناية اللازمة لتقويض وتخفيف حدة الخطر في مراحل مختلفة:

-         قبل حدوث الخطر لمنع وقوعه.

-         خلال حدوث الخطر لتخفيض حدته.

-         بعد حدوث الخطر لتقليل تبعاته وآثاره المستقبلية السلبية.

 

 

إن مؤثرات الخطر المعنوية كالمؤثرات المادية يتحملها طرفان أساسيان، ففي مرحلة الدراسة تقع المسؤولية على عاتق الجهة الدارسة والمخططة للمشروع من خلال التحقق من خبرة وكفاءة الكادر الفني والتأكد من أن عملية التصميم الإنشائي تتم بدقة عالية ووفق مقاييس واشتراطات الكود الهندسي المعتمد من حيث تسليح وأبعاد العناصر الإنشائية الأفقية والشاقولية وقدرة تحملهم للحمولات التصميمية المطلوبة مع التحقق من أن الدراسة قد تمت بأخذ عامل أمان عالٍ لمواجهة أي تغيرات طارئة بالنسبة لأبعاد العناصر الإنشائية والحمولات التصميمية، إضافة إلى ذلك العمل على اختيار كادر بخبرة مميزة لاختيار نوعية المواد التي ستستخدم في المشروع بمواصفات مناسبة من حيث خواصها المطلوبة، كميتها اللازمة وإمكانية توفرها في السوق. 

 

أما في مرحلة التنفيذ فتتجلى مؤثرات الخطر المعنوية من خلال سلوك كادر العمل اليومي في الموقع وقدرته على تحمل المسؤوليات التي تقع على عاتقه بشكل كامل وأخذ دوره الصحيح المناسب في إدارة الأزمات من خلال التزامه الكامل بالتعليمات الإدارية الصادرة عن شركته إضافة إلى التزامه بالتعليمات الفنية الصادرة عن الجهة المشرفة على المشروع ويتجلى ذلك من خلال التقيد الكامل بالمواصفات والكميات اللازمة من مواد البناء، إضافة للالتزام بالبرنامج الزمني للمشروع.

لذا على الجهة المنفذة أن تلتزم بنشر الوعي لتحقيق أمن الموقع وسلامته من خلال إجراءات عديدة تتمثل أولها بانتقاء كادر ذي خبرة وكفاءة عالية لكل السويات الإدارية يكون قادراً على إدارة الأزمات بالشكل المطلوب، فعدم خبرة الكادر الهندسي في الموقع ربما تتسبب بحوادث كارثية مثال ذلك القراءة غير الدقيقة للمخططات التي قد تتسبب بحوادث ضخمة كضرب خطوط خدمات مهمة في أرض الموقع تؤدي بدورها إلى أضرار وتبعات خطيرة للمشروع نفسه وبالنسبة لأطراف أخرى تستفيد من هذه الخطوط إضافة إلى أن احتمال تنفيذ العناصر الإنشائية بشكل لا يتناسب مع الأوزان التصميمية المفترضة من شأنه أن يعرض المنشأة لأخطار عديدة كالتشققات في العناصر المختلفة ما يتطلب تدعيماً دقيقاً غالباً ما يكون ذا كلفة عالية.

 

أما على مستوى عمالة المشروع فيجب إخضاعهم لدورة إسعاف أولية ودورات متعددة للتعامل مع الأخطار المختلفة والعمل على منع التدخين في كل أماكن المشروع وتعريض المتجاوزين لإنذارات ثم عقوبات، إضافة إلى تدريب خاص لسائقي المعدات الثقيلة لضمان تعاملهم السليم مع هذه المعدات.

 

هذه الإجراءات تتطلب تعيين موظف مختص بالأمن والسلامة والبيئة إن لم يكن إنشاء إدارة أو قسم كامل للمشاريع الضخمة يهتم بالتوعية ورصد مكامن الخطر والإنذار بوجوده لتجنبه من خلال الإرشادات والتقارير اليومية التي يتم إرسالها يومياً لإدارة المشروع.

 

إن السيطرة والمتابعة الحثيثة لمؤثرات الخطر بشقيها المادي والمعنوي تسعى وتسهم في تحقيق أمن الموقع وسلامته الذي هو مصلحة مشتركة بين شركة التأمين والجهة المنفذة للمشروع، حيث إن الجهة المنفذة شريك أساسي في الخطر من خلال وجود مبالغ التحمل والاستثناءات في وثيقة تأمين المشروع المتمثلة في وثيقة تأمين كل أخطار المقاولين التي تشمل تغطيتها كل عناصر المشروع من منشأة وآليات ومخازن وسكن عمال إضافة إلى تغطية المسؤولية المدنية تجاه الطرف الثالث.

حيث يقع على عاتق الجهة المنفذة للمشروع تحمل كل الخسائر التي لا تتجاوز مبلغ التحمل إضافة إلى الخسائر المستثناة من التغطية في الوثيقة كالغرامات المالية الناتجة عن أسباب مختلفة منها التأخر في تسليم المشروع عن الموعد المحدد.

 

إن هذه الأسباب تفعل من دور الجهة المنفذة بالعمل الجدي والمثابر لفرض إجراءات عديدة للحيلولة دون وقوع خسائر تؤثر سلباً في سير المشروع والعمل على تخفيف آثارها في حالة وقوعها هذه الإجراءات تأتي استجابة وتنفيذاً لمتطلبات وثيقة تأمين كل أخطار المقاولين التي تفرض على المؤمَّن له في أحد شروطها أن يتخذ على نفقته الخاصة كل الاحتياطات المعقولة لتفادي وقوع الخسارة وإن مخالفة الجهة المنفذة لهذا الشرط يمكن اعتباره إخلالاً بأحد شروط العقد وربما يعطي الحق لشركة التأمين في التفكير ملياً قبل الموافقة على المطالبة في حالة وقوع حادث وطلب تعويض عن الخسائر الناتجة.

 

وللتأكد من أن الجهة المنفذة للمشروع تلتزم بقواعد الأمن والسلامة العامة بالنسبة لأعمال المشروع وبالنسبة للعمالة الموجودة يأتي دور شركة التأمين في الرقابة والمتابعة للتأكد من أن هذه الإجراءات يتم تنفيذها بشكل مرضٍ وسليم.

إن وثيقة تأمين كل أخطار المقاولين تنص في أحد شروطها بشكل صريح على أنه يحق لشركة التأمين القيام بهذا الإجراء إما من خلال موظفيها الفنيين أو من خلال معاينين خارجيين تقوم شركة التأمين بتعيينهم لهذا الغرض، حيث إن الشرط يعطي الحق لشركة التأمين بالكشف وفحص الخطر المؤمَّن في أي وقت خلال فترة سريان عقد التأمين.

 

إن عملية الكشف الفني الدوري من شركة التأمين تأتي دعماً إضافياً لجهود الجهة المنفذة في تجنب الأخطار من خلال إرشادات وتوجيهات المعاين خلال عملية الكشف وتأتي أهمية المعاينة من ناحية أخرى للتأكد من أن كل عناصر المشروع التي تم تأمينها ضمن وثيقة تأمين كل أخطار المقاولين متوافقة مع ما تم التصريح به في بداية المشروع وأن تكون قد أسقطت في جدول الوثيقة بشكل سليم، إضافة إلى التأكد من عدم وجود أي أعمال إضافية قد تم تلزيمها للجهة المنفذة، ولم يتم الإبلاغ عنها لتعديل مبلغ التأمين في الوثيقة المتمثل بقيمة المشروع الأساسية بهدف احتساب قسط تأمين إضافي.  

لذا إن دور عملية المعاينة والكشف الدوري لا يقتصر فقط على التأكد من إجراءات الأمن والسلامة بل لفحص عناصر المشروع المؤمَّنة وإجراء عملية مطابقة بين قيمها الحقيقية والقيم المصرح بها للتأكد من كفاية مبلغ التأمين ولتجنب أي تعارض وسوء فهم في تفسير الوثيقة في حالة تعرض أحد عناصر المشروع لأي حادث قد يسفر عنه خسائر معينة.

 

إن العمل الحثيث للجهة المنفذة للمشروع على الربط الوثيق والتنسيق العالي بين مؤثرات الخطر المادية والمعنوية من خلال كل السبل المتاحة التي تختلف حسب طبيعة المشروع وخصوصيته تأتي لتجنب المشروع خسائر مادية ومعنوية مختلفة فبالنسبة للخسائر المادية يجد المؤمَّن له من يشاركه فيها وذلك من خلال إيفاء شركة التأمين بالتزاماتها بتعويض المؤمَّن له الجزء المغطى من المطالبة بوثيقة التأمين من هذه الخسائر المادية وهو بدوره يتحمل جزءاً آخر كمبالغ التحمل والخسائر التبعية التي غالباً ما تكون مستثناة من وثيقة تأمين كل أخطار المقاولين.

أما الخسائر المعنوية وهي الأخطر كتضرر سمعة الشركة وفقدان الثقة بها في حالة تعرضها لأخطار كبيرة نتيجة الإهمال أو سوء الإدارة؛ فإن آثارها السلبية لا تُمحى بسهولة ويبقى المؤمَّن له ليتحمل نتائجها منفرداً حيث يعمل جاهداً ليمحوها من الذاكرة محاولاً إعادة شركته إلى مكانتها السابقة في سوق العمل الإنشائي.