تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
الإدارة من منظور باب الحارة

 

استمتعنا كثيراً ونحن نتابع على شاشات التلفزة المتعددة ما يسمى مسلسلات الحارة دون الانتباه بأن هذه المسلسلات قد حملت ضمن طياتها فكراً إدارياً معيناً وخاصة مع استلام قبضاي الحارة في معظم هذه الأحيان منصب تاجر جملة مختص بالحبوب أو طاحون للحبوب بالإضافة لمزرعة لتربية الخيول وبساتين للانتاج "المالكانات" دون إهمال المضافة التي لا تفرغ من الوجهاء وشكلين ما بيحكي.

 

 فلو أسقطنا الرموز المذكورة فسوف نكتشف بأن "قبضاي الحارة" يمثل مدير شركة لخزن وتسويق وتوزيع الحبوب السريعة الاستهلاك والعالية الربحية (قسم التوزيع يتمثل في مزرعة الخيول) أما قسم الانتاج فيتمثل "بالبساتين" أما "المضافة" فتمثل قسم العلاقات العامة وقاعة الاجتماعات أما "شكلين ما بحكي" فهي تمثل أحد ركائز مفاهيم الإدارة السائدة في الشركة والغير قابلة للنقاش.

 

وإنطلاقاً من مقولة "شكلين ما بحكي" وما رافقها من خسائر منيت بها الشركات المعتمدة على فكر الرجل الواحد أو ما يطلق عليه (One Man show)، أثارت هذه الخسائر زوبعة حول مفهوم الإدارة السائد الغير قابل للنقاش ومفهوم المظلة الذهبية التي تحمي متخذي القرار.

 

وتزايدت أوجاع الشركات وبدى أنه من الصعب لشخص مثل "قبضاي الحارة" مهما كان موقعه في الشركة وتحصيله العلمي وخبرته من فرض تأثيره باستخدام الأساليب التقليدية المتبعة، وجعل من الصعب على "المضافة" أن تساهم بخلق القيمة المضافة المرجوة وتحقق الجدوى الاقتصادية المنشودة رغم الجهود المبذولة من قبل المسؤول عن المضافة بإكرام الضيوف.

 

وتحولت مصاريف "المضافة" إلى عبء ونفقات لا يقابلها جدوى اقتصادية وبدأت تهتز صورة "القبضاي"، من الناحية المقابلة تأكلت مقولة "شكلين ما بحكي" وسقط من بين طياتها مفهوم المرونة اللازمة لإدارة أي منشأة ترغب بالاستمرار وتبحث عن تحسين أدائها.

 

انطلاقاً من ذلك، بدأت شرارة التفكير بإدارة رشيدة للشركات تلمع وخاصة مع القلق المتزايد لأصحاب المصلحة في تلك الشركات من حملة أسهم أو موظفين وعمال وموردين بأنه لا يمكن الاعتماد على  فكر الرجل الواحد للمحافظة على مصلحة الشركة الواجب أن تبقى في أعلى قمة الهرم وأن تستمر في عملها دون أي انقطاعات أو توقف.

 

تمحورمفهوم الإدارة الرشيدة للشركة حول إيجاد وتنظيم التطبيقات والممارسات السليمة للقائمين على إدارة الشركة بما يحافظ على حقوق أصحاب الشركة أو المساهمين فيها وأصحاب المصلحة من موردين وموظفين وغيرهم وزيادة الشفافية من خلال تطبيق معايير خاصة بالإفصاح.

 

إذاً إدارة رشيدة للشركة أو بمعنى أخر "حوكمة الشركة" تعني علاقة منظبطة بين إدارة الشركة وبين أصحاب المصالح بما في ذلك العاملين في الشركة. انطلاقاً من هذا المفهوم تسارعت خطوات المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومن بعدهم الجهات الرقابية والإشرافية في كل دولة للانقلاب على مفهوم باب الحارة في الإدارة والاتجاه نحو وضع قواعد ناظمة لتحقيق نوع من التوازن بين معطيات الإدارة والملكية والأطراف الأخرى.

الإدارة

 

الملكية

أصحاب المصلحة

 

والغاية النهائية هي تحقيق عدد من الأهداف التي يمكن ايجازها بما يلي:

  1. تعزيز مستوى الشفافية والإفصاح.
  2. رفع مستوى الأداء والاستخدام الأمثل للموارد.
  3. تعزيز الرقابة الداخلية (أنظمة الضبط الداخلي).
  4. تحقيق النزاهة والمصداقية والحد من حالات تضارب المصالح.
  5. تعزيز القيمة الاقتصادية للشركة.

 

بالنظر إلى التجربة السورية في هذا المجال، بدأ مفهوم الحوكمة بالانتشار بعد استخدامه من قبل مصرف سورية المركزي وخاصة بعد انطلاق تجربة المصارف الخاصة في نهاية العام 2004 وبداية العام 2005 ومن ثم تعزيزه من قبل سوق دمشق للأوراق المالية، كما كان لهيئة الإشراف على التأمين دور في وضع أسس حوكمة شركات التأمين بإصدارها قرار هيئة الإشراف على التأمين الخاص بحوكمة شركات التأمين السورية.

 

أصبح مفهوم "حوكمة الشركات" أو "الإدارة الرشيدة للشركات" يغدو الأكثر انتشاراً كما حصل بمسلسات الحارة التي بدأت تنتج الجزء تلو الأخر وتصدر النسخة المشتقة من النسخة المنسوخة وبالتالي اعتمد مفهوم الحوكمة كمنهج إصلاحي وآلية عمل من شأنها تعزيز مصالح جميع الأطراف بما فيهم الإدارة وتقليل أو تجنب تنازع المصالح فيما بينهم من خلال الالتزام والتأكد من أن إدارة الشركة ملتزمة بتحقيق أهداف الشركة والحفاظ على حقوقها.

 

إن التزام الشركات بمعايير الحوكمة يؤدي فعلياً إلى تحسين فرص الحصول على رأس المال، ويعزز من الدور الاجتماعي للشركة لكن لا بد من الإشارة بأن الشركات والمؤسسات لا تحتاج فقط إلى حوكمة داخلية رشيدة تكفل أداءً جيداً وتنمية مستمرة لأعمالها وإنما تحتاج إلى بيئة عمل سليمة تعزز من حوكمة الشركات فهل لعب "مختار الحارة" هذا الدور. 

 

 

بقلم ماهر سنجر