تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
اختلال التوازن العقدي بين التزامات طرفي التأمين

ضرورة توافر المصلحة الاقتصادية في التأمين من الأضرار

المقصود بالمصلحة هو أن يكون للمؤمّن له أو المستفيد مصلحة في عدم وقوع الخطر المؤمّن منه, ومن أجل هذه المصلحة أمّن هذا الخطر ولذلك يرى الفقه أن مصلحة المؤمّن له في عدم تحقق الخطر هي محل التأمين, لأن محل التأمين ليس هو الشيء المؤمن عليه نفسه ولا حتى قيمته المالية.

وإن فكرة الصفة التعويضية هي التي أنشأت فكرة المصلحة في التأمين من الأضرار, ولذلك يعترف الفقه بضرورة توافر عنصر المصلحة كركن في التأمين من الأضرار, ولكن نظرا" لعدم اعتراف الفقه بفكرة الصفة التعويضية في التأمين على الأشخاص فقد اختلفت الآراء حول مدى اعتبارها عنصرا" في هذا النوع الأخير من التأمين.

 

أولا": المصلحة في التأمين من الأضرار:

إن فكرة الصفة التعويضية يترتب عليها عدم حصول المؤمّن له إلا على ما يجبر ما لحقه من ضرر وفي حدود مبلغ التأمين, ويترتب على ذلك ضرورة توافر المصلحة في الحفاظ على القيمة الاقتصادية للشيء المؤمّن عليه, وذلك لأن هذه القيمة الاقتصادية تصبح وحدها المعيار الذي يحدد مقدار الضرر الذي يلحق بالمؤمّن له, وبالتالي تتولى وحدها تحديد مقدار التعويض الواجب دفعه للمؤمن له وذلك بشرط ألا تتجاوز هذه القيمة مقدار مبلغ التأمين.

ومن هنا يبرز مدى الارتباط بين فكرتي الصفة التعويضية والمصلحة في التأمين من الأضرار, لأن من شأن هذا الارتباط أن يقتصر التعويض على تغطية ما لحق من ضرر بالقيمة الاقتصادية للشيء المؤمن عليه فيكون من نتيجته أن يمنع المؤمّن له من تعمد تحقيق الخطر, لأنه ليست له أية مصلحة في هذا ما دام لن يحصل إلا على تعويض يعادل قيمة الشيء المؤمّن عليه.

ويترتب على هذا الارتباط بين المصلحة والصفة التعويضية أنه يمكن إبرام عدة عقود تأمين متعددة على شيء واحد إذا قصد بكل عقد فيها حماية مصلحة متميزة عن المصالح الأخرى التي تتعلق بهذا الشيء, إلا أنه يترتب على الصفة التعويضية وتقيد التعويض بقيمة المصلحة أنه في حالة التأمين الزائد وفي حالة تعدد عقود التأمين ألا يتجاوز أداء المؤمّن قيمة المصلحة, وبالتالي لن يدفع للمؤمّن له من مبلغ التأمين إلا القدر الذي يجبر ما لحق هذه القيمة من ضرر.

وإن فكرة الصفة التعويضية حين تقضي بأن أداء المؤمّن يجب ألا يتجاوز قيمة الضرر فإنه لذلك يتقيد بقيمة الجزء الذي هلك أو تلف من المصلحة بسبب الكارثة, وبالتالي فالصفة التعويضية والمصلحة يعملان معا" لمنع المؤمّن له من تقاضي مبلغا"يفوق ما لحقه من ضرر, ومنعه من تعمد تحقق وقوع الخطر المؤمّن ضدّه, ولمنعه من المضاربة غير المشروعة حتى لا يتحول التأمين إلى مقامرة أو رهان.

ويدلل أنصار ضرورة توافر الصفة التعويضية والمصلحة على أنهما يمنعان التأمين من التحول إلى مقامرة أو رهان بالقول " إن التأمين يهدف إلى تعويض ضرر يمكن أن يصيب المؤمن له بسبب خطر يخشى تحققه, على عكس المقامرة أو الرهان وفيهما يفترض أن الخطر لا يسبب ضررا" للمتعاقد لأنه هو الذي ينشئ بنفسه الخطر وهذه المقامرة, أو على الأقل يتمنى حدوثه وهذا هو الرهان, وهذا الخطر لا يمس مصالح المالية, أما التأمين فإنه ينعقد لحماية مصلحة للمؤمّن له معرضة بطبيعتها للخطر الذي يريد المؤمن له عدم تحققه, إذا" فمعيار التفرقة بين التأمين من جانب وبين المقامرة والرهان من جانب آخر يتجسد في فكرتين هما الضرر ــ حيث يعمل مبدأ التعويض ــ والمصلحة, وهكذا فإن منع المضاربة غير المشروعة يقتضي ــ علاوة على وجوب اقتصار التعويض على مقدار الضرر ــ أن يكون للمؤمن له مصلحة في المحافظة على الشيء المؤمن عليه تمنعه من المضاربة على هلاك الشيء ليجني أرباحا" في حالة تحقق الخطر.

ويترتب على ذلك أن شرط المصلحة يجب توافره عند إبرام العقد وأن تستمر قائمة طوال مدة سريان عقد التأمين, لأنه يترتب على زوالها انقضاء عقد التأمين فيسقط التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين, ولكنه يحتفظ لنفسه بما دفعه للمؤمن له من أقساط طوال توافر شرط المصلحة لأن هذه الأقساط كانت ــ في نظر أنصار الصفة التعويضية ــ مقابل تحمل المؤمن تبعة الخطر.

ولقد أوضحت مادة من القانون المدني شرط المصلحة بقولها " يكون محلا" للتأمين كل مصلحة اقتصادية مشروعة تعود على الشخص من عدم وقوع خطر معين " وبالتالي يذهب الفقه إلى وجوب أن تكون المصلحة اقتصادية أي تمثل العلاقة المالية بين المؤمن له والشيء, وذلك كمصلحة مالك المنزل في عدم احتراقه أو تهدمه, ومصلحة مالك المجوهرات في عدم سرقتها, ومصلحة المستأجر في تأمين مسؤوليته عن حريق العين المؤجرة, وتأمين الطبيب ضد مسؤوليته عن أخطائه الطبية.

فإذا لم تكن المصلحة اقتصادية كان العقد باطلا" لذلك لا يجيز الفقه الاكتفاء بوجود مصلحة أدبية للمؤمن له, وتطبيقا" لذلك لا يجوز لشخص ــ ليست له مصلحة اقتصادية ــ أن يقوم بإبرام عقد تأمين على لوحة أو منزل لمجرد أن له مصلحة أدبية في عدم المساس بهما كأن تكون له ذكريات خاصة بهذه الأشياء, وذلك مهما بلغت قيمة هذه المصلحة الأدبية من وجهة نظره, لأن الصفة التعويضية تمنع التأمين على مصلحة غير اقتصادية.

ويترتب كذلك على الصفة التعويضية أن يستوي أن تكون المصلحة الاقتصادية حالة أو مجرد ربح منتظر, لأن التعويض يشمل ما يلحق الشخص من ضرر وهو الأمر الذي أقره المشرع الفرنسي حيث أجاز التأمين على أية مصلحة مباشرة أو غير مباشرة, وأن الربح الفائت يمكن اعتباره ضررا" غير مباشر, ومثال ذلك التأمين على البضائع بقيمتها وقت وصولها, والتأمين على المزروعات بقيمتها وقت نضوجها, والتأمين ضد خسارة مصنع, ولكن الفقه اشترط لتأمين الربح الفائت أن يرد به شرط صريح في عقد التأمين, وأن يكون هذا الربح مؤكدا" وليس محتملا" حتى لا يترتب عليه إثراء المؤمن له, كما ينبغي أن توضع معايير محددة لتقدير هذا الربح.

أما الشرط الثاني للتأمين على المصلحة الاقتصادية هو أن تكون مشروعة متفقة مع النظام العام والآداب, ويتحقق ذلك عندما يكون الخطر المؤمن منه ناشئا" عن نشاط متفق مع النظام العام والآداب, ولذلك لا يجوز التأمين على المصلحة الاقتصادية الناشئة عن ممارسة عمل غير مشروع كالإتجار في المخدرات.

ثانيا": المصلحة في التأمين على الأشخاص

إن قبول الفقه لفكرة الصفة التعويضية في عقد التأمين من الأضرار ترتب عليه قبول فكرة ضرورة توافر المصلحة الاقتصادية لإبرام ذلك العقد, أما في مجال التأمين على الأشخاص  حيث تتراجع تماما" فكرة الصفة التعويضية ولا يقبل الفقه بها فكان من المنطقي عدم اشتراط المصلحة الاقتصادية لإبرام عقد التأمين على الأشخاص, وهو الرأي الذي يذهب إليه جانب من الفقه, ولكن هناك اتجاه فقهي آخر يشترط المصلحة كركن في هذا النوع من التأمين خروجا" على فكرة عدم وجود الصفة التعويضية في هذا النوع من التأمين.