ارتبط مفهوم النسبية بشكل أو بآخر بالحياة الشخصية ومفاهيم كل فرد، إضافة إلى ارتباطه بمبادئ وأسس إدارة الشركات التي اعتمدت على نظرية القيمة المضافة والتي تنص تقليدياً على أن الربح هو القيمة المضافة لأي نشاط تجاري يستثنى من ذلك الأنشطة غير الربحية بطبيعتها كالجمعيات الخيرية.
فالنسبية فرضت على الجميع وقعها فما اعتبر ربحاً للطرف الأول قد يكون خسارة للأطراف الأخرى، وما اعتبر إيجابياً لشركة ما قد يعد سلبياً بأثره لكيان آخر، وذلك كله يعتمد على الظروف والبيئة السائدة، ما جعل البعض يتراجع عن التعامل مع الخطر كواقع ملموس وكأنه مجرد مصادفة حصلت.
في حين اعتبر البعض الآخر بأن التعامل مع الأخطر هو مفهوم ملزم للجميع، وينسب الفضل في ظهور هذا الفكرة بشكلها الحالي إلى صناعة التأمين التي ساهمت في تبلور فكر إدارة المخاطر ومازالت لها اليد العليا في إعادة صياغة مفهوم إدارة الخطر وإدارته وفقاً لمستجدات الثورة الصناعية الخامسة التي يشهدها العالم.
لا يمكن فصل مفهوم إدارة الخطر عن مفهوم التأمين رغم الاختلاف بينهما من ناحية الشمولية وطريقة التعامل مع الأخطار المادية والمعنوية وبمدى قابلية الخطر للتأمين وعدم تركزه ورغم التشابه بالانطلاق من التعامل مع الاحتمالات وحالات عدم التأكد كأساس لمفهوم التأمين ومفهوم إدارة المخاطر.
لعب التأمين دوراً في مواجهة نتائج الأخطار والحث على التعامل الوقائي معها، فالخطر المؤكد الوقوع لا يغطى لذا فقد اجتهدت شركات التأمين في وضع منهجيات لمواجهة الأخطار التي تقع تحت الشروط والمبادئ التأمينية بالشراكة أو بالنيابة عن الأفراد أو عن المؤسسات حسب طبيعة وحجم الخطر وآثاره المتوقعة.
لقد ساهم مفهوم التأمين بالتأثير في الكثير من النظم الإدارية والتشغيلية، فانطلاقاً من مفهوم التأمين نشأت فكرة التفكير المبني على المخاطر التي اعتبرت من أهم الإضافات على نظم معايير إدارة الجودة، حيث أكدت المواصفة القياسية الدولية رقم 9001 لعام 2015 أهمية التفكير المبني على المخاطر، وأفردت له بنداً خاصاً.
كما أن التأمين حدد سعر خدماته بناء على التوزيع العادل للخسائر والمصروفات الخاصة بعملية التأمين بناء على الإحصائيات المتوافرة عن المدد الماضية لبناء مؤشرات، لما ستكون عليه النتائج المستقبلية، ومن ثم ساهمت طريقة تحديد السعر في التأمين بتكوين مفهوم رأس المال الاقتصادي المستخدم في إدارة المخاطر.
بالحقيقة لقد مهد التأمين لظهور الاستراتيجيات المستخدمة في إدارة المخاطر، وساهم في تبني إدارة التغير وفقاً للتغير بطبيعة الأخطار نتيجة لاختلاف الثورات الصناعية والتقنية والفكرية أيضاً التي أثرت في تحديد شكل الخطر ونتيجة لتغير بأشكال الحضارات الإنسانية التي بنيت على التعامل مع الأخطار والتغير الذي يرافقها في حاجات ورغبات الأفراد والشركات على حد سواء.
بشكل أو بآخر شكل التأمين بوابة العبور لمغارة الكنوز المعرفية، وكانت إدارة المخاطر هي كلمة السر المستخدمة لفتح هذه البوابة عبر العصور.