تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
مفهـــــــــــوم اعادة التأمين والمبادئ التي تحكمها

للتعرف على اعادة التأمين والمهمة التي يؤديها ، أعتقد أنه من المناسب جداً من أن نبدأ من  الوقوف على مصدر هذا التعبير وما المقصود به تحديداً من حيث المعنى اللغوي  واستخدامه ، ومن ثم الانتقال  الى تعريف اعادة التأمين وبعد ذلك الى المفهوم السائد له مع التعريج الى تاريخه ونشأته والمبادئ الذي تحكمه .

ان كلمة " اعادة " جاءت في أدبيات الاستخدام بديل ترجمة بادئة الكلام "Re " في اللغة الانكليزية والتي  تعني " ثانية " أو " من جديد "   وكلاهما يفيد التكرار في عمل شيء ما  ، وبالتالي فان  Re-Insurance   والتي تم ترجمتها واستخدامها باللغة  العربية بـ" اعادة التأمين"  تدل حرفياً  على اجراء التأمين ثانية ً أو التأمين من جديد لذات الموضوع الذي تم التأمين عليه ، أي بعبارة أخرى فان اعادة التأمين تعني "تأمين التأمين "  "Insurance of Insurance "ولعل من توصل الى استخدام  مصطلح "اعادة التأمين" في هذا المقام كان موفقاً الى حدٍ كبير، لأنه من الصعب ايجاد عبارة أخرى تدل على المقصود من المعنى الأصلي لمصطلح "Re-Insurance" أفضل وأسهل من ذلك في اللغة العربية لهذه الصناعة التي وفدت الينا من الغرب ومن سوق التأمين بلندن بالتحديد  .

وبعد هذه المقدمه التي وجدتها ضرورة للدلالة على ما هو مقصود باعادة التأمين فان الانتقال الى معرفة الغاية أو الدور الذي يؤديه اعادة التأمين يعتبر أمراً حيوياً .

التعريف باعادة التأمين :

هناك العديد من التعاريف التي وضعت لعقد إعادة التأمين ومن القضاء الانكليزي حيث سوق التأمين الأقدم في العالم  ، جاء تعريف اعادة التأمين في القضية المرفوعة من قبل "ستيكل ضد إكسس" في عام 1939 (Stickle v. Excess -1939) حيث جاء في تعريف عقد اعادة التأمين على أنه "عقد و مقابل عوض يوافق بموجبه طرف على أن يعوَض طرفاً آخر بشكل كامل أو جزئي عن خسارة أو مسؤولية ناتجة عن خطر قام الطرف الأخير بتأمينه بموجب عقد منفصل ومحدد وكمؤمنٍ طرفٍ ثالثٍ ..."

أما تشريعات التأمين في كاليفورنيا فوصفت عقد اعادة التأمين بما يلي :

" عقد اعادة التأمين هو عقد بموجبه يقوم المؤمن – شركة التأمين – بترتيب طرف ثالث ليؤمنه ضد الخسارة أو المسؤولية التي قد تنجم عن عقد التأمين الأصلي ..."

من التعريفات التي وضعت لاعادة التأمين فان بعض الأساسيات لاعادة التأمين والخاصة بها هي :

- ان اعادة التأمين هي عقد منفصل عن عقد التأمين الأصلي وقائم بحد ذاته ويشكل بنفسه عقد تأمين (بالرغم من وجود بعض الحالات التي قد من الممكن أن  يضُمَن عقد التأمين الأصلي في عقد اعادة التأمين ).

- لاحاجة في اعادة التأمين في أن تغطي كامل التزام شركة التأمين في عملية الاعادة الناشئة عن عقد التأمين الأصلي سواء من جهة المبالغ القابلة للدفع أو من جهة الأخطار المغطاة ، وعلى كلٍ فان اعادة التأمين لايمكن أن تقدم تغطية أوسع من التغطية المؤمنة أصلاً ،  في قضية "تومي ضد ايغل ستار" (1993) –Toomey v. Eagle Star (1993) - - ذكر القاضي" هوبهاوس" – Hobhouse- " أن اعادة التأمين هو تأمين المصلحة التأمينية في الموضوع المادي لعقد التأمين الاصلي ".

- عقد اعادة التأمين يجب أن يغطي نفس الخطر المضمون كما هو في عقد التأمين الأصلي .

- ان عقد التأمين وعقد اعادة التأمين يجب أن يكونا متواجدين في ذات الوقت مع أسبقية  لعقد التأمين من الناحية الزمنية .

مفهوم اعادة التأمين ودورها :

ان المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه التأمين من الناحية العلمية هو نشرالخطر مبنياَ على قانون الأعداد الكبيرة

( Law of Large Number) وقانون الأعداد الكبيرة يمكن أن يؤدي دوره بشكل كامل و تام لتسوية الحوادث غير المنتظمة في حدوثها للأخطارالمؤمنة شريطة أن يكون لدينا عدد لا منتهي من الاخطار المتماثلة ، وبناءً عليه  فأنه من الواضح لا تستطيع أي شركة تأمين أن يكون لديها عدد غير منتهي من الاخطارعلى هذا النحو ، وفي حقيقة الأمر يوجد عدد قليل من الأخطار المتماثلة حقيقةً ، لذلك فان الهدف الأساسي لاعادة التأمين يكمن في تقديم المساعدة في تخفيف الدرجة من تقلب تكاليف المطالبات الناشئة عن الأخطار المؤمنة  كنتيجة للتطبيق غير المتكامل لقانون الاعداد الكبيرة ، اي أن دور اعادة التأمين هو بالتحديد فني ، فاعادة التأمين هي عبارة عن أداة أو وسيلة تستخدمها شركة التأمين لكي تخفف من حجم الخسائر المادية المحتملة عن الأخطار التي قبلتها والتي ستتحملها من خلال التعاقد مع شركاء لها ( معيدي التأمين ) لتحمُل تبعات تلك الأخطار المكتتبة والمشاركة بها .

ولعل  دور اعادة التأمين في هذا المجال يمكن تشبيهه – كما ذكر أحد الكتَاب -  بالدور الذي يؤدية "مستوعب الهزات"  absorber)  shock ) والذي يتم تركيبه في العربة أو السيارة ، فاذا كان لدينا طريق وعرة   ، فان هذه الطريق لن تصبح على الاطلاق مستوية نتيجة لتركيب أوتزويد العربة أو السيارة بهذه الاداة ، ولكن بالتأكيد فان الركاب سيشعرون بهزات وارتجاجات أقل خلال سير العربة أو السيارة على تلك الطريق الوعرة  وذلك بفعل تلك الأداة التي اضيفت الى العربة أو السيارة والتي هي"مستوعب الهزات "  ،... وهكذا عليه الأمر بالنسبة لاعادة التأمين ، فاعادة التأمين لاتخفَض أو تقلل الخسائر ولكنها تجعل التأمين أسهل بتحمل تبعاته .

ولعل من المفيد الاشارة  هنا الى أن أقدم عملية اعادة تأمين مسجلة تاريخياَ تعود الى تأمين رحلة بحرية من ميناء   “جنوا(Genoa) “ في جنوب  ايطاليا  الى ميناء ” سلويس “  (Sluys)  في جنوب غرب هولندا حيث تم اجراء اعادة تأمين ليس عن نسبة من الخطر وانما كانت لكامل الخطر ولكن لجزء من الرحلة من ميناء " قاديس "(Cadiz) في غرب اسبانيا (قرب مضيق جبل طارق ) الى "سلويس" والتي اعتبرها المؤمن الأصلي الأكثر خطورة .

المبادئ الأساسية التي تحكم اعادة التأمين :

ان اعادة التأمين هي عبارة عن وعد بدفع تعويضات أو مطالبات اذا تحققت بعض الحوادث المحددة بعينها ،  وبالتالي فهي مفهوم تعاقدي ، وهي عبارة عن بيع وشراء  لوعود تعاقدية وبالتالي فان قانون اعادة التأمين هو القانون الذي يتناول العلاقة بين المؤمن ومعيد التأمين وهذا يتم تعريفه من خلال علاقتهم التعاقدية ، كما أن قانون اعادة التأمين يغطي أيضاَ وبحدود أقل العلاقة بين الأطراف في عقد اعادة التأمين ووكلائهم سواء كانوا وسطاء أو وكلاء اكتتاب  ، وأخيراً فان قانون اعادة التأمين يتناول الطريقة التي تقوم بها أجهزة الرقابة والاشراف بالرقابة على ممارسة اعادة التأمين .

ان قانون العقود هو جوهر قانون اعادة التأمين ،  وبشكل أكثر تحديداً فان القانون الذي يتناول عقود التأمين هوالفيصل بالنسبة لقانون اعادة التأمين وهذا وفقاً لما جرت عليه المحاكم لسنوات طويلة في انكلترا بالذات ، حيث جاء في قضية "ديلفر ضد بارنيز (1807)" – Delver v. Barnes (1807) - “ان عقد اعادة التأمين هو عقد تأمين جديد ومنفصل".

ان عقود اعادة التأمين هي عقود تأمين ، لذا فان القواعد التي تحكم عقود التأمين هي نفسها  التي تحكم عقود اعادة التأمين ، ففي قضية " نورويتش يونيون فاير انشورنس ضد كولونيال ميتشوال انشورنس (1922) " - Norwich Union Fire Insurance V. Colonial Mutual Fire Insurance (1922) - أقرت المحكمة بـ:

"ان عقد التأمين وما يرافقه من حقوق والتزامات خاضعة لأية قواعد خاصة للقانون وأية شروط قانونية  أخرى تطبق على التأمين ، يجب أن يفسرعلى أساس المبادئ العادية للعقد والسائدة في المحاكم الانكليزية ، والتأمين بعد ذلك كله هو عبارة عن فرع من الجسم العام للعقود .. "

أي ان عقود التأمين وبالتالي عقود اعادة التأمين يجب أن تتبع قانون العقود العام  كما تخضع بالوقت نفسه لأية قواعد خاصة لقانون أو تشريعات قانونية مطبقة على التأمين أو اعادة التأمين ،لذلك  من الضروري لعقد اعادة التأمين أن يتماشى مع المتطلبات القانونية الضرورية للعقد العادي ، وبناء عليه فان عقد اعادة التأمين يجب أن يتوفر فيه :

- العرض Offer -

- القبول – Acceptance

- العوض –Consideration

- غير مشاب من الناحية القانونية - Certainty

- توفر النية والقصد في خلق علاقة قانونية-An intention to create a legal relation

- توفر الشرعية القانونية  – Lack of illegality

عندما نأخذ بعين الاعتبار قضايا معقدة لاعادة التأمين ، فانه من المهم جداً أن نتذكر وببساطة شديدة بأن عقد اعادة التأمين هو عبارة عن عقد شأنه شأن كافة العقود الأخرى ، وغالبا ماتكون الاجابات على هذه القضايا المعقدة لقانون اعادة التأمين يمكن أن نجدها مباشرة في قانون العقود .

ان  المبادئ الأخرى الهامة في قانون العقود تطبق على اعادة التأمين مثل الكثير من العقود الأخرى بما فيها مبدأ "الخصوصية " والذي يعني أن اطراف العقد هم من لهم أية حقوق ينص عليها العقد ، وعندما يكون لدينا أية تشريعات قانونية تفرض على انواع تأمين محددة فان هذه التشريعات تنسحب تلقائياً على اعادة التأمين .

ان عقود اعادة التأمين ونظراً لكونها عقود تأمين اصلاً فهي بالتالي عقود مينية على مبدأ منتهى حسن النية وكما أن مبدأ المصلحة التأمينية يستلزم توفره في عقود التأمين فان هذا المبدأ ايضاً هو أمر يتوجب توافره لانشاء عقد اعادة تأمين ، لقد ذهب القضاء الانكليزي ليؤكد في العديد من القضايا ومنها قضية " هايلاندز ضد كونتننتال (1987) –- Highlands v. Continental (1987) وقضية "بان أتلانتيك ضد بين توب (1994) – Pan Atlantic v. Pin Top (1994) - بأن القسم الثامن عشر من قانون التأمين البحري الانكليزي لعام 1906 ينسحب على عقود اعادة التأمين سواء كانت عقود اعادة تأمين بحري أم لم تكن، حيث نص القسم المذكور على مايلي:.

     "  -    يجب على المؤمن له أن يفصح للمؤمن قبل ابرام العقد كل ظرف مادي معروف بالنسبة للمؤمن له ، ويعتبر المؤمن له عارفاً بكل ظرف مفترض أن  يكون في السياق العادي معروفاً له ، واذا أخفق المؤمن له بأن يقوم بمثل هذا الافصاح فيمكن للمؤمن أن يلغي العقد ."

" -  ان الظرف المادي هو الذي يؤثر على قرار المكتتب الحصيف  في تثبيت القسط أو اتخاذ القرار في قبول الخطر من عدمه " .

وبناءً عليه فعند طلب اعادة التأمين فان المؤمن الاصلي – شركة التأمين التي تطلب الاعادة – يجب عليها أن تعرض على معيد التأمين كافة الحقائق المادية المتعلقة بالخطر المطلوب اعادة تأمينه ،علماً بأن بعض الجدل والنقاش سبق أن دار حول الكيفيية التي يجب أن يتم عليها العرض ، ففي قضية " بان اتلانتيك ضد بين توب " المشار اليها آنفاً قام وسيط التأمين بتوفيركامل المعلومات للمكتتب ولكنه في الوقت نفسه عرض عليه بيانات موجزة وغير دقيقة ، الأمر الذي اعتبر حينئذٍ أنه عرض غير عادل ولا يتفق مع القواعد، و أقر مجلس اللوردات البريطاني بأنه ليس من الضروري أن نبين أن  الافصاح الكامل والدقيق يمكن أن يؤدي بالمكتتب الحصيف الى رفض الخطر أو تعديل الشروط التي يمكن قبول الخطر بناءً عليها ، لقد كان كافياً للمحكمة بأن ترى بأن الحقائق المعروضة أثرت على قرار معيد التأمين ، كما ذهبت المحكمة أيضاً الى القول بأنه من الضروري لمعيد التأمين بأن يبين بأن اساءة العرض وعدم الافصاح في معرض القضية هما عملياً  من أغريا المكتتب بقبول الخطر بالشروط المعرضة .

أرجو بأن ما تم عرضه في هذا الموضوع من اضاءات على بعض الجوانب الهامة لاعادة التأمين  أن تحقق بعض الفائدة المرجوة على يتم الكتابة في جوانب أخرى مستقبلاً اذا اسعفني الوقت لذلك وكان ما أكتبه وأعرضه موضع ترحاب .

بقلم د. محمد عماد الدين خليفة

  • نائب المدير العام
  • شركة المشرق العربي للتأمين / سوريا