تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
معلومة بوجهين

يُقال: إنك يمكن أن تأخذ الحصان إلى منهل الماء، لكن لا يمكن لك أن تجعله يشرب، يحق لجميعنا التساؤل عن عدم إمكانية جعل الحصان يستفيد من المياه المتوافرة بعد جره إليها، علماً بأن النية الموجودة وهي جره للمياه للاستفادة منها، والتساؤل عن عدم تفكير صاحب الحصان قبل جره إلى المياه، أو على الأقل عن عدم تفكير المالك بالاستفادة من رفض الحصان شرب الماء، ومن ثم تحويله لمشروع آخر كجلب كمية لا بأس بها من المياه تجنبه محاولة دفع الحصان مرة أخرى إلى منبع المياه، وتوفيراً للوقت اللازم لاستقدام حصان غير راغب بالشرب إلى المنهل الذي قد يبعد مسافة لا بأس بها، وهذا ما قد يتكرر مع أكثر من حصان غير راغب بالمياه.
إن إطلاق حكم من بعيد على أي موضوع، وتكوين رأي سريع والتساؤل لماذا لم تتم الاستفادة؟ أو لماذا لم يرغب الحصان بشرب المياه؟ ومن وكيف ومتى وأين...؟ يجعل من الحكم مطلقاً بالشكل أكثر من المضمون، ومن ثم تنخفض الفائدة من طرح كل هذه الأسئلة التي هي بمجموعها واحدة من مفاتيح المعرفة. أحياناً قد ترى بريق الذهب وتظنه سريعاً انعكاساً لأشعة الشمس، لكن انعكاس أشعة الشمس على الذهب لا يفقده أياً من خصائصه. إذاً لإطلاق حكم ومن ثم اتخاذ قرار يتوافق مع هذا الحكم سواء أكان هذا الحكم على المستوى الشخصي أم على مستوى العمل أم على مستوى شركة التأمين كلها يتطلب التريث والاطلاع على الموضوع بتفصيل أكثر، وبصورة أدق وأوضح والنظر إليه من عدة اتجاهات مختلفة.
عادةً ما يتم بناء الأحكام واتخاذ القرارات استناداً إلى منهجية معينة، وهذا الكلام ينطبق على شركات التأمين، كما ينطبق على كل أنواع الأنشطة والشركات الأخرى، حتى على المستوى الفردي، فالقرار بالخروج بعطلة إلى محافظة أخرى يبنى استناداً إلى المعطيات المتوافرة لدى الفرد من موازنة موضوعة لهذه العطلة إلى المكان والوقت المتوقع لقضاء العطلة فيه، إلى وقت المغادرة ووقت العودة، والوسيلة الأنسب للسفر، ومعرفة حالة الطقس، وبعدها تحديد قائمة المغادرين في هذه الرحلة، لأن الحرمان قد يشمل بعضاً من أفراد الأسرة لعدم حصولهم على العلامات الكافية في امتحان ما، أو لخطأ تقني في قائمة الحرمان ليبقى وحيداً في المنزل، أو نتيجة لفرمان بالحرمان من رب الاسرة من دون معرفة الأسباب (في هذه الحالة لا يسمح لك بالمراجعة ومعرفة الأسباب فما عليك إلا التنفيذ).
إذاً فالجزء المهم من منهجية بناء الأحكام واتخاذ القرارات في شركات التأمين هو ترتيب الأولويات ضمن المعطيات والإمكانيات الممنوحة والمتاحة، فلا يمكن أن يتم الحكم إلا بعد معرفة الظروف الداخلية والخارجية والارتباطات الأمامية والخلفية لكل شركة، وخاصةً شركات التأمين لعلاقتها الحساسة مع معيدي التأمين وباقي العاملين في القطاع ذاته من شركة تأمين وشركات إدارة النفقات الطبية والوسطاء والوكلاء والعملاء، ولعلاقتها المهمة جداً مع الجهات الرقابية والوصائية. فلو توافرت لشركتي تأمين المعلومات ذاتها عن إصدار بوليصة معينة فهل سيتم الحكم على درجة الخطر وعلى سعر التأمين بالطريقة ذاتها؟ وهل ستتوصل كلتا الشركتين للقرار ذاته (القبول أو الرفض).
إن النتيجة الطبيعية لو توافرت المعلومات ذاتها هو اختلاف القرار لشركات التأمين أو شركات الوساطة المالية أو غيرها، فقد تتوافق كلتا الشركتين على قبول التأمين أو رفضه، لكن مع رؤية مختلفة لدرجة الخطر، ومن ثم سيتم الانعكاس بشكل متباين على موضوع السعر وعلى مدى قبول هذه الشركة لهذا الخطر، وذلك للأسباب التالية:
1. طبيعة ومرونة استراتيجية إدارة المخاطر المعتمدة من مجلس الإدارة.
2. حدود الخطر المحددة ضمن هذه الاستراتيجية.
3. طبيعة الإدارة بحد ذاتها فيما إذا كانت راغبة بأخذ درجة مخاطرة أعلى من باقي الشركات العاملة في القطاع ذاته.
4. قدرة إدارة الشركة على إدارة فجوة المعلومات والمقصود بها حاجة الإدارة إلى مزيد من المعلومات والمعرفة لبناء القرار الصحيح بدلاً من اتخاذ مبادرة بصنع قرار.
5. اختلاف النماذج التحليلية المستخدمة بين شركات التأمين ومن ثم اختلاف النتائج.
6. انعكاس التجارب الماضية لشركة التأمين على حاضرها.
7. قدرة شركة التأمين على إدارة الخطر وتحمله.
8. وجود اتفاقيات تأمين تغطي موضوع الخطر.
9. السعات الاكتتابية لاتفاقيات إعادة التأمين.
10. بيئة العمل التي قد تشجع أو لا تشجع على قبول أعمال كهذه.
11. خبرة مسؤولي الاكتتاب القائمين على الأعمال الفنية لشركات التأمين.
12. حدة المنافسة في السوق وتأثيرها في عملية التسعير وقبول الأخطار.
13. الخسائر المترتبة على المحفظة التأمينية.
إذاً إن عملية صنع القرار ومن ثم القرار المتخذ يتباين حسب المعلومات المتوافرة وطبيعة الشخص متخذ القرار، فالمعلومة الواحدة قد ينتج عنها قرارين متناقضين تماماً من شركتي تأمين، وقد تُفهم المعلومة ذاتها بوجهين متناقضين كلياً، ومن ثم سيتم التصرف حيالها وتحليلها بطرق مختلفة. إن التمييز بين مبادرة اتخاذ القرار وصنع القرار يمنح الأولوية لصانع القرار في شركات التأمين، فالدفع بالحصان للشرب من منهل المياه يبقى مبادرة من صاحب الفرس، لكن تحويل هذه المبادرة إلى قرار يتطلب مديراً ناجحاً وصانع قرار حقيقياً.

 

بقلم أ.ماهر سنجر