الثابت في عصرنا هذا هو عدم الثبات المستمر فلا شيء أكثر ثباتاً من عدم الثبات والتقلبات الحاصلة على كافة الأصعدة انطلاقاً من الحياة الخاصة الفردية ووصولاً إلى الظروف الاقتصادية بكافة أبعادها، فنرى اليوم تمثال الحرية قد توقف عن استقبال الزوار وبدأ النقاش يدور في الولايات المتحدة الأمريكية عن أهمية إعادة افتتاح حديقة التمثال وفتح أبوابها قريباً للزوار مجدداً لما يحققه ذلك من دخل يبلغ قرابة /15/ مليون دولار أمريكي سنوياً لولاية نيويورك وللولايات المتحدة الأمريكية التي كانت بالأمس صاحبة فكرة أن الاقتصاد القوي هو من يدعم النقد وأطلقت العنان للدولار ليتسلط على كافة المعاملات التجارية المحلية والعالمية، في حين أن مؤسسة اليانصيب الأمريكية أوقفت تسليم الجوائز وأغلقت أبوابها لإشعار آخر مسقطة المقولة التي يرددها الكثيرون بأن الولايات المتحدة لا تتكلف إلا ثمن طباعة الفئات النقدية من الدولار وطرحها في الأسواق فلماذا لا تطبع الولايات المتحدة الدولار وتوزع جوائز اليانصيب على الأقل للفائزين ولماذا الاستمهال وإغلاق أبواب الشركة المنظمة لليانصيب حتى إشعار آخر؟ ألا يسقط هذا ولو نظرياً أو جزئياً أو يعري مقولة أنه لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الإفلاس لأنها تطبع الدولار وترميه بالأسواق؟ ألا يسقط هذا ولو على المستوى النفسي صورة الدولار الذي لم يعد إنفاقه أو طباعته تؤمن تكلفة سفر لحضور بعض الاجتماعات خارج الولايات المتحدة الأمريكية ؟
على الطرف المقابل، تظهر علامات القلق على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ذو العملة الموحدة (اليورو) من مشاكل الولايات المتحدة المالية والاقتصادية علماً بأن الهدف الأول من العملة الموحدة (اليورو) كان منافسة تسلط الدولار أو بمفهوم آخر إخراجه من المنافسة فلماذا القلق إذاً؟ ألم يعد الهدف غير المعلن من قبل الاتحاد الأوروبي قابلاً للتطبيق أم التهمته أيضاً دوامة عدم الثبات؟
قد يطل البعض قائلاً: من الطبيعي أن تتصف الأهداف والاستراتيجيات بالمرونة الكافية، فما بالك بأهداف واستراتيجيات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؟ لذا وجب علينا التمييز بين المرونة وبين عدم الثبات، فلا بد من الإشارة إلى أن المرونة بالأهداف لا تعني أبداً إلغاء الهدف (هدف الاتحاد الأوروبي بمنافسة الدولار أو إخراجه من المنافسة) ولا تعني نتائج أسوأ من المتوقع لأنه من المفترض أن تكون المرونة أداة للحصول على نتائج أفضل على كافة المستويات من خلال كفاءة وفاعلية أكبر.
إذاً حتى حالة الانتقال من الحروب التقليدية إلى الحروب الاقتصادية ومن ثم حروب العملات والتغيير الحاصل في النظام النقدي العالمي تعتبر نوعاً من عدم الثبات ويعزز هذه الصورة.
لنسقط هذه الصورة تأمينياً: عدم الثبات في أسعار الصرف جعل البعض يبدأ بالمطالبة بإصدار بوالص للتأمين على حياتهم أو ممتلكاتهم بالدولار الأمريكي بدلاً من العملات المحلية وهذه ظاهرة انتشرت نتيجة الحالة النفسية التي اجتاحت السوق بأن الدولار لا يقهر علماً بأن إصدار هذا النوع من البوالص التأمينية يخضع لضوابط وشروط محددة من قبل الجهات الوصائية. ومن ثم بدأ الناس بالتراجع والاقتناع بأنه حتى هذه المقولة التهمتها بشراسة دوامة عدم الثبات التي طغت بقوة على صورة الدولار وجعلت "ليس كل ما يلمع ذهباً".
أما على الصعيد الآخر، فالتغيير الطارئ على قيمة السيارات (الموجودات) الفعلية جعل المؤمن له يطالب بتعويض أكثر في حال المطالبة وذلك لتعويض الفرق الحاصل بين قيمة التأمين وبين القيمة الفعلية، ما يستوجب من شركات التأمين تطبيق شرط النسبية والذي قد يكون سبباً للخلاف بين شركة التأمين والمؤمن له. ويقصد بشرط النسبية، أن تصرف شركة التأمين نسبة من قيمة التعويض تعادل نفس النسبة من مبلغ التأمين المؤمن به إلى القيمة الفعلية للشيء المؤمن عليه، حيث أنه من المبادئ الأساسية لعقد التأمين، أنه لا يجوز الإثراء من التأمين فالقناعة في التأمين كنز لا يفنى.
الجوهر والعبرة هو القدرة على مجاراة عدم الثبات والانطلاق من حالة عدم الثبات ومن ثم التكيف معها بالأسلوب المناسب سواء أكان ذلك على مستوى الشركات أو الأفراد، مثلاً: كالإفصاح عن القيمة الفعلية للممتلكات وتعديل قيمة القسط التأميني بما يتوافق مع التغيرات الحاصلة على القيمة الفعلية وأخذ الاحتياطات الواجبة لتفادي تقلبات سعر الصرف والمخاطر اللاحقة لذلك.