تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
العوارية العامة وأركانها

كتاب: الخسارة البحرية المشتركة (العوارية العامة)

د.طارق سيف

تعريف العوارية العامة:

يشير مصطلح العوارية العامة إلى لفظي العوارية والعامة، حيث يشير اللفظ الأول إلى الخسارة الجزئية، أما اللفظ الثاني فيعني أن تلك الخسارة وقعت لمصلحة جميع أطراف الرحلة البحرية، ومن ثم يجب عليهم المشاركة في تمويل نتائجها.

والعوارية العامة هي تضحية أو مصروف غير عادي في طبيعته يتم بشكل اختياري وإرادي وبدرجة معقولة في وقت الخطر العام الذي يهدد المخاطرة البحرية المشتركة (السفينة والبضائع والمصالح الأخرى عليها) بغرض تحقيق السلامة العامة لها.

أركان العوارية العامة

تدور كل هذه التعريفات حول مضمون واحد يشير إلى أن اكتساب خسارة ما صفة العوارية العامة يكون رهن أن تكتمل لها الأركان الآتية مجتمعة:

  1. تضحية في ظروف استثنائية:

وجود ظروف غير عادية تعرض المخاطرة البحرية المشتركة إلى خطر محقق ووشيك الوقوع، ولا يشترط أن تكون الخسارة المحتملة من الجسامة، حيث تصبح خسارة كلية، وعليه فالخطر يجب أن يكون حقيقياً فلا يكفي لاعتبار تضحية ما عوارية عامة أن تكون قد ترتبت على ظن من الربان بوجود خطر.

  1. تضحية غير عادية:

المصاريف أو التضحيات غير عادية أي التي لا تتسم بسمة الإنفاق الدوري أو العادي المتعارف عليه، وهنا نود أن نشير إلى أن عبارة (غير عادية) هي ترجمة للفظ الانكليزي extraordinary  والتي يوضح المقصود منها في قضية تعرضت خلالها السفينة إلى عاصفة شديدة، ما اضطر إلى تشغيل ماكينة الضخ بشكل مستمر، وبنفاد الوقود قام الربان باستخدام بعض الأخشاب الخاصة بتموينات السفينة، وحاول ملاك السفينة المطالبة بالمصاريف كعوارية عامة، حكم القاضي بأن الأخشاب فقط هي التي تدخل في حساب العوارية العامة لأنها مصروفات غير عادية، أما تكاليف الفحم وفحص الماكينة فهي من قبيل المصروفات العادية.

  1. تضحية اختيارية قصدية مبررة:

المصاريف أو التضحيات مقصودة ومتعمدة أي أن تكون إرادة الربان قد اتجهت نحو اتخاذ قرار العوارية العامة وأعمل قواه الذهنية في اتخاذه.

  1. تضحية من أجل السلامة العامة:

الهدف منها هو السلامة العامة، حيث لا يدخل بها أي تضحيات تستهدف المحافظة على عنصر واحد من عناصر المخاطرة البحرية منفرداً مثل السفينة أو البضاعة من دون العناصر الأخرى، أما إذا كان الخطر يتعلق بأحد المخاطر البحرية فقط، ولا يرقى لأن يصبح من قبيل الأخطار التي تهدد السلامة العامة؛ فإن أي أفعال أو مصروفات لتفاديه لا يمكن اعتبارها من قبيل العوارية العامة، ولتوضيح هذه الفكرة يمكن الرجوع إلى قضية nesbitt v. lushington  حيث اقتحم عدد من الغوغاء سفينة شاحطة في وقت مجاعة، وأجبروا الربان علي بيع شحنتها من القمح لهم بثمن أقل من القيمة الحقيقية للبضائع، وحاول الشاحنون اقتضاء الفرق في الثمن باعتباره عوارية عامة، إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب، حيث إن إرادة القراصنة هنا كانت قد انصرفت إلى الاستيلاء على البضائع من دون النية بالأضرار ببقية عناصر المخاطرة البحرية.

  1. وقوع الخسارة نتيجة مباشرة للتضحية:

يجب أن تكون الخسارة نتيجة مباشرة لفعل العوارية العامة أي أن تكون السبب المباشر لفعل العوارية، فالخسائر التبعية مثل فقدان العميل وغرامات التأخير لا تدخل في حساب العوارية العامة.

ففي قضية the leitrim  رفض القاضي التعويض عما أصاب مالك السفينة من خسائر تبعية بسبب ضياع الإيجار الزمني خلال التأخير بسبب إصلاح خسارة العوارية العامة باعتبارها خسارة تبعية.

  1. نجاة المخاطرة البحرية نتيجة التضحية:

يجب أن تأتي تلك التضحيات بنتائج إيجابية في النهاية أي أن تؤدي بشكل فعلي إلى إنقاذ الرحلة، وإلا انتفى المنطق وراء تقاسم هذه الخسائر بعد هلاك جميع المصالح.

وهذا ما حدث في قضيةmarrison  حيث هلكت البضائع بعد فعل العوارية العامة، وقبل وصولها الميناء النهائي ورفضت المحكمة تسوية العوارية العامة.

  1. أن تكون التضحية معقولة:

يجب أن يراعى فعل العوارية العامة جانب الحذر، حيث تكون التضحيات أو المصروفات معقولة وغير مبالغ بها وحتى عام 1994 لم يكن هذا الشرط ضرورياً لاعتبار التضحية عوارية عامة، إلا أنها أضيفت لتلك القواعد والأعراف المعمول بها في الحياة العملية كرد فعل مباشر لقضية السفينةTHE alpha  حيث تتلخص وقائعها في أن شحطت السفينة التي تحمل اسمها القضية على ضفاف نهر زائير وعلى تربة رملية، فأصبحت السفينة وشحنتها في حالة خطر، ما دفع الربان لمحاولة إعادة التعويم باستخدام ماكينات السفينة، ولكن نظراً لعدم مراعاة الربان للحذر الكافي فلم يقم بعمل الجسات اللازمة لتحديد الأعماق المختلفة حول السفينة ونوعية التربة، ما أدى إلى انسداد فتحات التبريد أثناء اندفاع المياه المحملة بالرمال إليها عند إدارة الماكينة، ما أتلف الماكينة واستلزم الأمر إصلاحات بتكلفة عالية، وبينما طالب ملاك السفينة بهذه الخسارة كعوارية عامة، دفع الشاحنون بأن هذا الخسارة ناتجة عن خطأ الربان.

 

بقلم د.طارق سيف