تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
المصارف والتأمين خلال الأزمات أيادِ خفية وسقوط حر؟!

من خلال إمعان النظر في وضع المؤسسات والشركات المالية في جميع أرجاء العالم متمثلة بالجزء الأكبر منها بالمصارف وشركات التأمين وقدرتها على مقاومة الأزمات التي تواجهها والصمود والاستمرارية، لا بد لنا من التساؤل عن اليد الخفية التي تعزز من مواقع هذه الشركات والمؤسسات وتزيد من مناعتها وتجعلها قادرة على التعامل مع الظروف المحيطة والتكيف معها كحد أدنى إن لم يكن تجاوزها والتغلب عليها بغض النظر عن هذه الأحداث أو الظروف أكانت هذه الأخطار  أو المعوقات متوقعة أم غير متوقعة، محتملة الحدوث أم لا. 
لقد استثمرت وركزت العديد من إدارات التدقيق الداخلي على المخاطر المالية ومخاطر الالتزام مهملة أو غير مانحة الاهتمام الكافي للمخاطر الاستراتيجية المتعلقة  بشركاتها. من الناحية المقابلة، عززت العديد من إدارات التدقيق الداخلي من إمكانياتها في مواجهة المخاطر الإستراتيجية والتعامل معها دون إهمال مخاطر الالتزام والمخاطر المالية والتي يمكن اعتبارها من الأعمال التقليدية لعمل المدققين الداخليين.
فما هي الأخطار الإستراتيجية؟ 
يمكن تعريف الأخطار الإستراتيجية كما يلي: 
هي الأخطار التي تنبثق من القرارات الجوهرية المتخذة من قبل المدراء التنفيذيين والمتعلقة بأهداف الشركة. حيث يمكن اختصار تعريف هذه الأخطار بالخطر الذي يؤدي إلى فشل الشركة في تحقيق أهدافها.
بشكل بسيط يمكن تقسيم الأخطار الإستراتيجية إلى ما يلي: 
1.    الأخطار المتعلقة بالشركة: 
وهي الأخطار التي تنتج عن القرارات المتخذة من قبل مجلس الإدارة والمدراء والمتعلقة بخدمات أو منتجات الشركة كما تتضمن الأخطار المرتبطة بتطوير وتسويق هذه المنتجات أو الخدمات والأخطار الاقتصادية التي تؤثر على تكاليف وتسويق وبيع هذه الخدمات أو المنتجات بالإضافة إلى الأخطار التي تنتج من التغيرات التكنولوجية والتي تؤثر ببيع وتسويق المنتج.    

2.    الأخطار التي لا تتعلق بالشركة: 
وهي الأخطار التي لا تتعلق مباشرةً بمنتجات وخدمات الشركة، مثل الأخطار المتعلقة بمصادر التمويل.
يتعلق مستوى الأخطار الإستراتيجية بشكل أو بآخر بوضع الشركة ككل من البيئة المحيطة بها وليس فقط القرارات المتخذة من قبل الإدارة، كما أن تصرفات المنافسين ستؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مستوى الأخطار المتعلقة بسوق الخدمات أو المنتجات والتطور التكنولوجي الذي يعني بأن المنتجات أو خدمات الشركة أصبحت أو قد تصبح قريباً متقادمة.  
نتيجة لذلك، أضحى العديد من المدراء التنفيذين في المؤسسات المالية غير قادرين على إنكار الدور الإيجابي لليد الخفية أو بمعنى أخر الدور الإيجابي لإدارات التدقيق الداخلي والتي تساهم في إيضاح الصورة الحقيقية لبيئة الخطر وتأثيرها على اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تحدد وتؤثر مباشرةً في نجاح الشركة.  
لقد بدأ معظم المدراء التنفيذين بالتحرك بالاتجاه المعاكس وفتح باب الحوار مع المسؤولين عن التدقيق الداخلي (اليد الخفية) في شركات التأمين وذلك بهدف ضبط والتقليل من الأخطار الاستراتيجية.
لقد أصبح دور المدققين الداخليين أكثر أهمية مما قبل وخاصةً في شركات التأمين الناجحة وذلك يعود للأسباب التالية:
-    الانتقال من العمل التقليدي إلى العمل غير التقليدي في التدقيق الداخلي: 

لقد استثمر العديد من مسؤولي التدقيق الداخلي في مجموعة من الإجراءات الخاصة بمكافحة الأخطار التي تتعرض لها الشركة وذلك بهدف إظهار البيئة الحقيقية لهذه الأخطار. 

تقليدياً، اعتمد عمل المدققين الداخليين على التأكيد على النواحي التقليدية مثل الأخطار المالية ومخاطر الالتزام، حيث أنه لا بد من الإشارة إلى أنه من الضروري عدم التخلي كلياً عن أعمال التدقيق التقليدي (التركيز على الأخطار المالية ومخاطر الالتزام) وبدلاً من ذلك ابتكر المدققون الداخليون  طرقاً أفضل لترتيب (منح الأفضلية والأولوية) وتحديد المستوى المناسب لأعمال التدقيق الداخلي التقليدية وتوسعوا في أعمال التدقيق غير التقليدية (التركيز على الأخطار الإستراتيجية).  

وهكذا غادر  المدققون الداخليون النواحي المريحة في التدقيق الداخلي (تقديم التأكيد الخاص فيما يتعلق بالمخاطر المالية ومخاطر الالتزام) وانتقلوا باتجاه تقديم التأكيدات اللازمة بالنسبة للمخاطر الإستراتيجية والمخاطر التشغيلية لما لها من أهمية أكثر مما قبل.

يبذل المدققون الداخليون جهداً كبيراً للقيام بالتدقيق بالاستناد إلى المخاطر بالشكل الذي يعكس الوجه الحقيقي لبيئة المخاطر ويوفر للمدراء التنفيذيين العوامل الأساسية لاتخاذ القرارات المهمة المناسبة التي تسمح بمزيد من الإنجازات بالتوازي مع حماية أكثر من الأخطار غير المتوقعة. 

-    الانتقال من الحفاظ على القيمة إلى خلق القيمة:

إن التركيز على أعمال التدقيق غير التقليدية وتقديم التأكيدات المناسبة في هذا الخصوص هو الخطوة الأولى في عملية التقدم نحو خلق القيمة.

بالنسبة للتدقيق الداخلي يمكن اعتبار عملية تحديد النشاطات والإجراءات  المقبولة بالنسبة للإدارة نوعاً من الحفاظ على القيم، لكن تقديم التأكيدات اللازمة بالنسبة لتطبيق هذه الإجراءات والنشاطات من قبل الإدارة هو خلق للقيم. 

يمتلك معظم المدققين الداخليين المعرفة الكافية والخبرة اللازمة من أجل تقيدم التأكيدات اللازمة وخاصة فيما يتعلق بالنواحي التقليدية من التدقيق (مثلالنواحي المالية...) لكن القليل منهم قد كيفوا أعمال تدقيقهم لتقابل الأخطار الإستراتيجية، حيث تبدأ عملية تكييف أعمال التدقيق انطلاقاً من تخطيط عملية التدقيق وانتهاءاً بتقديم التأكيدات اللازمة على المخاطر الإستراتيجية.

قد يكون من العملي التأكيد على أن الانتقال من أعمال التدقيق التقليدية إلى أعمال التدقيق غير التقليدية ومن الحفاظ على القيم إلى خلق القيم يتطلب وجود بيئة ناضجة، تعاون تام مع الأطراف المعنية بعملية التدقيق الداخلي وخاصة المدراء  التنفيذيين، الخبرة العميقة، المعرفة الواسعة، مهارات تفكير عالية ومهارات تواصل.

يساعد تقديم التأكيدات اللازمة من قبل المدققين الداخليين الإدارة في تحقيق  أهدافها ويجعل منها جاهزة لمواجهة المخاطر الاستراتيجية. 

إنه الوقت المناسب للانتقال من أعمال التدقيق الداخلي التقليدية إلى أعمال التدقيق الداخلي غير التقليدية وأخذ المبادرة بهدف زيادة الفاعلية والكفاءة لمسؤولي التدقيق الداخلي وللشركة ككل من خلال التركيز على الأخطار الإستراتيجية ومنع السقوط الحر لهذه الشركات.

 

بقلم ماهر سنجر