تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
التأمين في الظروف الاستثنائية


مما لاشك فيه بأن الأزمة الحالية قد أرخت بظلها الثقيل على الوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي في سورية، ومما هو مؤكد أيضاً أن الجميع قد تأثر سلباً بما حصل ويحصل أفراداً كانوا أم مؤسسات وهذا بالضبط ما حمل بعض شركات التأمين العاملة في السوق السورية على إعادة تحديد حاجات السوق التي ظهرت مؤخراً  والتي تجلى أهمها بتغطية أساسية وهي تغطية الحرب وأخطار الإرهاب.

بعض الشركات قد أحجمت عن هذه التغطية وابتعدت عنها بداعي عدم الاستقرار الأمني في أغلب المناطق السورية واعتمدت مبدأ السلامة من خلال مراقبة الوضع الحالي حتى يتحسن أو يستقر. هذه الشركات خسرت حصة كبيرة من السوق وخسرت معها ماهو أهم من هذه الحصة وهو ثقة الزبائن والمشتركين. حيث رسمت هذه السياسات المتحفظة وجهة نظر قاسية بعض الشيء في مخيلة زبائنها بأنهم شركاء كانوا يقبلون بالأخطار العادية فقط والتي لايترتب عليها أية مطالبات إلا ما ندر وعندما أصبح الزبون بحاجتها لتمديد التغطيات لتشمل الإرهاب والحرب تخلت عنه وتركته. يجب أن تعي إدارات شركات التأمين المتحفظة بشدة بأن هكذا زبون لن يعاود العمل معها  تحت أي ظرف من الظروف، لأنه وضعها في خانة الخيانة له ولحاجاته. وبالنهاية جميعنا يعرف بأن التأمين ماهو إلا خدمة يجب أن تؤدى على أمثل وجه ويأمل الزبون بأن تكون دائمة ومستمرة في السراء والضراء.
أما بالنسبة للشركات الأخرى فباتت ترى بأنه الآن تكمن الفرصة الحقيقية  لزيادة  حصتها من الكعكة في السوق، حيث أنها بادرت لضم هؤلاء الزبائن وكانت سخية جداً في منح التغطيات التي تلبي حاجات الزبون من أخطار الحرب والإرهاب لا وبل منحته بلا مقابل تغطيات ومنافع وتسهيلات بالدفع وغيرها الكثير من أجل رضاه، لم لا؟ والآن تكمن الفرصة بالسوق بوجهة نظرها. إن الاندفاع لتلبية هذه الحاجة بحد ذاته خطير بل وخطير جداً، فالأقساط السنوية المرتفعة لهكذا تغطيات والتي تعتبر مغناطيس يجذب اهتمام هؤلاء الشركات لايشكل شيئاً عند تحقق المطالبة وعند تقديم فواتير الصيانة أو فواتير الأشياء والحاجيات المسروقة. حتى أن إدارات البعض من هذه الشركات ذهبت لأبعد من ذلك من خلال قبول الخطر وتحمله كاملاً حتى دون مشاركته لأي من شركات إعادة التأمين إما لرفض الشركات الداعمة الخطر المعروض أو لتأكد شركة التأمين بأنه لن تترتب على هذه البوليصة أية مطالبة في المدى المنظور، فبعد إصدار العقود، وتحملها الخطر بشكل كامل، استلام القسط المترتب عليها والمفاخرة به أمام الشركات المنافسة إما ضمن البيانات المالية السنوية أو من خلال وسائل الاعلام المباشرة وغير المباشرة. بعد كل هذا يأتي اتصال من زبون في يوم حزين من أيام هذه الشركة ليخبرها فيه بأن يد الإرهاب قد وصلت للشيء المؤمن عليه، وبأن العمليات العسكرية قد امتدت لتشمل منطقته. هنا الكارثة، إنه اليوم الذي تخشاه أية شركة تأمين بمشاركة الخطر المؤمن عليه، في حال اعتذرت شركة التأمين عن المطالبة المقدمة سيتحول كلام الزبون المعسول وثناؤه وشكره لإدارة الشركة عند توقيع العقد إلى حقد وكره وتهديد باللجوء إلى القضاء وغير ذلك من تصرفات لائقة أحياناً وغير لائقة غالباً. من الضروري على هذه الشركات التي تبالغ أحياناً بخفض أسعارها وقبول كل الأخطار الممكن وغير الممكن قبولها بتنازلات كبيرة أن تتخيل هذه اللحظات الصعبة، لأنه في هذه الأثناء يتم وضع الشركة بالمواجهة مع مسؤولياتها التي قطعتها على نفسها عند استلام القسط التأميني وإيداعه بحسابات الشركة.

في النهاية، التأمين بتعريف بسيط هو أن يستطيع المؤمن عليه أن يحمي نفسه من الخسائر المالية الناجمة عن حادث عرضي غير متوقع بدفع مبلغ صغير من المال بصورة دورية يسمى " قسط التأمين،"  وبالمثل وفي هكذا ظروف استثنائية نمر بها يجب على شركة التأمين أن تحمي نفسها أيضاً من خلال تطبيق قواعد الاكتتاب وأصوله، والاتفاق مع جميع الشركات في السوق السورية على توحيد العمل فيما بينها وتحقيق أسس العمل الجماعي من أجل الوصول إلى صيغة مشتركة بين الجميع تكفل القيام بأعباء هذه الصناعة وإيفاء جميع المؤمنين حقوقهم كاملة دون نقصان ودون وعود وردية قد لاتستطيع الشركة تنفيذها في حال – لاقدر الله – حصل الخطر
 و خاصة في ظروف استثنائية كالتي نعيش.
  
 

بقلم نوار البيطار

  • الشركة المتحدة للتأمين