ألقت التغيرات العالمية والأزمات الاقتصادية السريعة بثقلها على كافة الأصعدة ونواحي الحياة بما في ذلك النواحي الثقافية والاجتماعية تاركةً أثراً يمكن لأي مراقب للأحداث تعقبه والشعور به فصار جلياً لمعظم الأفراد فهم المفردات اللغوية التي اقتحمت حياتنا دون سابق إنذار، فبين الفينة والأخرى أضحى سماع مصطلح جديد أمراً اعتيادياً والسؤال عنه نتيجة لاحقة لذلك. فبمجرد صعودك سيارة الأجرة ستجد نفسك متورطاً بالحديث مع السائق صاحب النظريات الكثيرة عن الإصلاح الاقتصادي وسيد من وجد حلولاً للأزمات الاقتصادية المتعاقبة.
لكن ما يلفت النظر في الوقت الحالي هو طريقة العزف المنفرد وضياع المنطق بالتعامل مع كافة الحالات التي تواجهنا كأفراد أو كشركات فباتت السياسة الداخلية لمعظم الشركات، بالتعامل مع المؤمن له، تستند إلى حالة من التطرف أي حصول حالة من المغالاة إما بقبول الخطر أو رفضه تماماً مسقطين مبدأ الشهية للخطر (أي القبول بالحد الممكن تحمله من الخطر) ومسقطين المقولة التي كانت سائدة في التسعينات "كلما ازداد الخطر ازداد معه العائد" وبالتالي أضحى الأسود أكثر اسوداداً والأبيض أنصع بيضاً وبين اللونين غاب عنا مشهد اللون الرمادي.
للمرة الأولى أضحت سياسة شركات التأمين الداخلية تحكم طريقة عملها أكثر من استراتيجيتها بعيدة المدى التي ترسم سياستها الخارجية وآلية تعاملها مع الأطراف ذوي العلاقة، فالخطأ في سياسة الشركة الداخلية قابل للمعالجة من خلال مجموعات الحوكمة بغض النظر عن الزمن اللازم لذلك، في حين أن الخطأ في استراتيجية الشركة سيكون قاتلاً.
لا يعتمد نجاح الشركات على المدى البعيد على سياستها الداخلية بقدر اعتماده على استراتيجيتها المعتمدة على قدرتها بجعل أصحاب المصلحة والأطراف ذوي العلاقة على رضاً تام وعلى ارتباط وثيق معها وذلك من خلال خلق مصلحة دائمة تمر عبر التمييز والتطبيق السليم للاستراتيجية. فنجاح تطبيق استراتيجية صحيحة متناسقة مرنة سيجعل من التطرف بالتأمين (أي المغالاة والابتعاد بالشيء وفقاً لمفهومه اللغوي كما نصت عليه المعاجم العربية) بمعناه العملي أي قبول فقط ما يتناسب مع سياسة شركة التأمين الداخلية يأخذ معنى التطرف من الشيء أي ترك سياسة التأمين الداخلية والعمل على إنجاح الإستراتيجية المرسومة.
إن التعامل مع المؤمن له والأطراف ذوي العلاقة بالشكل الصحيح هو الغاية والهدف والنجاح بذلك هو القيمة المرجوة فالفوز بهذه الطريق ليس آنياً أو مؤقتاً بل هو شيء دائم يجعل من النجاح عادة "فمرارة الجودة الرديئة تبقى أطول بكثير بعد أن ننسى رخص سعرها".