تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
العوارية العامة وأعالي البحار

عندما يذكر التأمين البحري يتجه الذهن والتفكير إلى العوارية العامة general average
العوارية بالمفهوم العام تعني : البضاعة التي أصابها ماء البحر فنقصت بذلك قيمتها 
والعوارية بالمفهوم التاميني إما أن تكون خاصة أو عامة .
العوارية الخاصة : هي الخسائر التي تصيب البضائع أو جزء منها
العوارية العامة : فهي الخسائر التي تصيب كافة أطراف الرحلة البحرية المشتركة 
وبالتحديد العوارية العامة تعني : الوضع البحري الاعتباري للخسائر المشتركة ، أي الخسائر التي تصيب كافة أطراف المخاطر المشتركة في الرحلة البحرية : السفينة والبضائع وفي بعض الأحيان أجور الشحن .
جاء في المادة /259/ من قانون التجارة البحرية السوري  "الخسائر البحرية المشتركة هي ما ينتج من أضرار وهلاك أشياء أو نفقات استثنائية عن هلاك أقدم عليه الربان قصداً للمنفعة المشتركة ومجابهة لخطر تعرضت له الرحلة "
هناك عدة تامينات في التأمين البحري :
-    تامين أجسام السفت hull
-    تأمين البضائع البحرية gargo
-    تأمين أجور النقل freight
-    تأمين المسؤولية liability 
وهناك العديد العديد من الملاحق والشروط clauses  لأخطار البضائع والسفن .
وبالتأمينات البحرية والقوانين البحرية ، تبقى العوارية العامة الشغل الشاغل لكافة أطراف النقل البحري وخاصة المؤمنين .. لأنها من الأخطار الأساسية والرئيسية في وثائق التأمينات البحرية والتي يشترك المجموع فيها بالمصاريف لتخفيف التضحية التي يبذلها الفرد في سبيل المجموع .. بحيث يتم تقسيم الخسائر العامة على جميع أصحاب المصالح كل بنسبة مصلحته ، وذلك من خلال تضحية اختيارية يأمر بها قبطان السفينة حرصاً على سلامة السفينة وبغرض انقاذها وما عليها من الهلاك الكلي .
اذاً لانقاذ السفينة من الغرق تعلن العوارية العامة من قبل الربان ، والمبداً هنا والتضحية من أجل الجميع يساهم في تعويضها الجميع .
من الوقائع التي تؤدي إلى اعلان العوارية العامة :
-    جنوح وتشحيط السفينة – الانواء العاتية التي تتعرض لها السفينة – الحريق – حادث فجائي وغيره 

غالباً في حالة اعلان العوارية العامة هناك حالة التخلي : القاء بعض البضائع والأشياء من على ظهر السفينة لتخفيف وزنها وبقاءها طافيه فوق سطح البحر .
وجدت العوارية العامة قبل ظهور التأمين البحري بفترة طويلة وظهرت بشكل أو بآخر منذ ما يقارب ثلاثة آلاف عام ، حيث كان أصحاب البضائع المنقولة بحراً على السفن يتعاهدون فيما بينهم على تقاسم الاضرار التي تتعرض لها السفينة والبضاعة خلال الرحلة البحرية المشتركة .
منذ كان الرود يسيون في البحر الأبيض المتوسط كان نظام العوارية العامة من خلال قانون "رودوس " 916 قبل الميلاد والذي أشار إلى واقعة أغراق البضاعة في سبيل انقاذ السفينة وبحارتها من الغرق .
إذ كان الأصل التاريخي للعوارية العامة سند رودوس القانوني rhodos  فأن ما أصدره ملك فرنسا لويس الرابع عشر في عام 1681 من قواعد للعوارية كان أول تنظيم لهذا الموضوع .
بعدها لسنوات ونتيجة لازدهار التجارة العالمية والوسائل المستخدمة في النقل البحريس ونوعيته الشحنات البحرية وانتقال السفن بين الموانئ المختلفة ، وبعد الثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا .. تداعى ممثلو الأسواق البحرية لوضع أسس عامة موحدة لتسوية خسائر العوارية العامة .
ففي عام 1860 وفي المؤتمر الذي عقد بمدينة جلاسكو الاسكتلندية برعاية الجمعية الدولية  (CMI) Committee Maritime International كانت هناك توصية عامة لقواعد العوارية العامة .
وفي مدينة بورك بانجلترا عام 1869 وضع أول مشروع لقواعد موحدة للعوارية العامة عرفت باسم قواعد يورك ، ثم مراجعة قواعد يورك في مدينة انتورب بهولندا عام 1877 .

وهنا عرفت أسواق التجارة البحرية العالمية أهم نظام للعوارية العامة يحمل أسم يورك/ انتورب york Antwerp rules”" ومن بيينها شرط أساس "rule paramount" :لا يسمح بأي مبالغ مدفوعة أو تضحية أو مصروفات للعوارية العامة مالم تكن قد تمت أو أنفقت بدرجة معقولة .

تمت مراجعة قواعد يورك/انتورب في مؤتمرات عديدة وفي مدن أوروبية مختلفة بغية التطوير والتعديل ، ففي عم 1994 وفي المؤتمر الذي عقد في مدينة سيدني بأستراليا تم ادخال تعديلات شاملة على قواعد يورك/انتورب  بمشاركة الاتحاد الدولي للتأمين البحري "IUMT" ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( الاونكتاد) UNCTAD  وتوجت القواعد ب " القاعدة الحاكمة "

القاعدة الحاكمة : تكون هناك خسارة عامة عندما تبذل تضحيية بصورة غير اعتيادية ومقصودة وفي حدود المعقول وذلك لغرض السلامة العامة وحماية الأموال من الخطر في رحلة بحرية مشتركة .
تعتبر قواعد يورك/انتورب ذات استقلالية عن قوانين الدول ومع هذا فأن شركات التأمين تأخذ بقواعدها وتضع شرط تطبيقها في بوليصة النقل البحري للبضائع أي عقود الشحن Bills of landing  وعليه فأن قواعد يورك/انتورب معتمدة في دول العالم كافة لأنها تهم أطراف وأصحاب النقل البحري العالمي لا سيما شركات النقل وأندية الحماية والتعويض protection and indemnity  ، بالإضافة إلى المنظمات والهيئات التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على التأمين البحري ومنها منظمة الملاحة البحرية الدولية "imo" والجمعية الدولية لهيئات تصنيف السفن “IACS” لهذا كانت اتفاقية السلامة البحرية للسفن العاملة بالنقل البحري من موجبات التأمين .

من قواعد العوارية العامة :
-    الخطر حقيقي وبتهديد السفينة
-    التضحية والمصروفات غير عادية ومعقولة 
-    التضحية مقصودة وإرادية من قبل القبطان
-    التضحية ذات فائدة لسلامة السفينة والبضاعة
-    المصلحة والمنفعة العامة للأطراف المرتبطين بالمخاطر ...

للتأمين البحري قواعد خاصة ونكهة خاصة ، في النصف الثاني من القرن السابع عشر كان مقهى ادوارد لويد في لندن محط تجمع التجار وأطراف الحديث عن البضائع والسفن التي تمخر أعالي البحار ..بعدها ومنذ العام 1779 أصبح المقهى أشهر سوق للتأمين وكانت وثيقة – اللويدز- للتأمين البحري ومن ضمن التغطيات تغطية العوارية العامة ما بين الصفحات .

ومثلما التأمين البحري من أقدم أنواع التأمين كذلك الاتحاد الدولي للتأمين البحري من أقدم الاتحادات التأمينية ففي عام 1874تأسس الاتحاد العالمي لضامني الأخطار البحرية ( iumi) international union of marine insurance، ويضم بين ظهرانيه عدة لجان ومن بينها لجنة العوارية العامة ولجنة حرية التأمين .

في اجتماع للاتحاد بمدينة بورج في بلجيكا عام 2009 تحدثت رئيسة الاتحاد ديردري ليتيلفيد حديثاً مهما مهما في شؤون وشجون التأمين البحري ولعله أهم ما قيل في التأمين بعد أزمة شركات التأمين العملاقة ، ومما قالته في حضور كوكبة من الضامنين : 
-    أن التوقف عن اصدار بوالص التامين التي يحتاجها السوق يعني أن تتخلى شركات التأمين عن علة وجودها 
-    على الضامنين البحريين أن يشدوا العزائم لتقديم الضمانات والتغطيات التي يحتاجها المصدر والمستورد 
-    نحن وجدنا لتوفير الحماية لعمليات النقل وعلينا أن نحافظ على دورنا كضامنين للحركة التجارية ولعمليات الاستيراد والتصدير في العالم .

في التأمين البحري كانت وما زالت العوارية العامة تثير النقاش والجدل على شراع تنمية قواعد السلامة البحرية  .. وعلى هذه القواعد تتم تسوية العوارية العامة من قبل مسوي العواريات Average Adjusters .
واصبحت لمسوي العواريات الاتحادات الدولية الخاصة والمختصة ، وبالأجمال تتم تسوية خسارة العوارية العامة بالقانون والعرف وقواعد يورك/انتورب  .
للعوارية العامة شؤون وشؤون : في العيب الذاتي في السفينة والبضاعة إلى المصروفات الاضافية extra   والغش fraud ومن التلوث إلى الغرامات .
وفي كافة الأحوال السياج الواقي لاعلان العوارية العامة وتسويتها التفسير الواضح والموحد لقواعد بورك/انتورب 

علي شفا عمري
مستشار في التأمين