تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
فيلم تأميني على الطريقة الهوليودية

هناك طبيعة خاصة ميزت صناعة كل دولة فاشتهرت سويسرا بدقة صناعتها للساعات وفرنسا بعطورها والصناعة الألمانية بجودتها وخاصة بالنواحي المتعلقة بهندسة الميكانيك والمحركات ويعود ذلك لعوامل كثيرة لا يمكن الإشارة الآن إليها في مقالنا، كما اشتهرت الهند برومانسية قصص أفلامها وببساطة أبطالها وقصصها وبالخيال الخصب، في حين اشتهرت الولايات المتحدة الأمريكية بصناعة الأفلام وبالبطل ذي مستوى الذكاء غير الطبيعي الذي لا يقهر وبقوة الدعاية لهذه الأفلام لدرجة أنه قد تتخطى إيرادات شباك التذاكر لفيلم واحد العائد الصافي لعمل شركة واحدة خلال /365/ يوماً مع كل المجهود المبذول من عمالها.
وما ينطبق على فن السينما بالولايات المتحدة من ناحية الترويج والتهويل والذكاء اللا معقول والبطل الخارق ينطبق على باقي قطاعات الحياة، فالحياة بطبيعتها مسرح هوليودي، ومن بين هذه القطاعات قطاع التأمين فمن منا لم يتابع الحملة التي أطلقت والمتعلقة بالتأمين الصحي منذ العام /2010/ (أو ما يسمى قانون الرعاية الطبية) والمشار إليه بـ (PPACA) أو (ACA) أوObama care)  ( الذي يهدف إلى إعادة صياغة وتحسين النظام الصحي وخفض إنفاق الأفراد في مجال الرعاية الطبية من خلال منح الحدود الدنيا للتغطية الصحية الضرورية فقط حيث تم اعتماد هذا القانون من قبل المحكمة المختصة في منتصف عام /2012/.
انطلقت الحملة في العام /2010/ وانطلق معها الترويج للمزايا الكبيرة التي يمكن أن يحققها هذا البرنامج. فعلى سبيل المثال: 
-    بقاء اليافعين مشمولين ببرنامج التغطية الطبية لوالديهم لغاية بلوغ سن الـ /26/ سنة.
-     منع شركات التأمين من فرض معدلات أسعار عالية.
-    منع التمييز بين الذكور والإناث.
-    الوفر الضريبي الناتج بمجرد الاشتراك ببرنامج الرعاية الطبية.
-    التوفير على الشركات الكبيرة من خلال تأمين موظفيهم وتحقيق وفر ضريبي للشركات متوسطة وصغيرة الحجم.
-    تغطية الجميع بنفس الشروط المحددة مسبقاً.
-    التأكد من أن كل برامج الرعاية الطبية تشمل الحد الأدنى من التغطيات الضرورية ومن بينها تغطية الولادة.
-    ..............
وبنفس الوتيرة وبنفس طريقة إخراج الأفلام الأمريكية المعتادة والمستمدة من نظرية الثواب والعقاب أو بمعنى آخر الترغيب والترهيب معاً وبنفس المؤثرات النفسية بدأ الترويج  والتلويح بالعصا حيث ترافق ذلك مع نشر إحصائيات تتكون من العشرات من الصفحات حيث البداية لكل مقطع: 
-     يوفر برنامج الرعاية الطبية.....
-     يؤمن برنامج الرعاية الطبية......
-     يساعد برنامج الرعاية الطبية......
-    يمكن برنامج الرعاية الطبية......
-    يقلل برنامج الرعاية الطبية...... 
-    يخفض برنامج الرعاية الطبية.....
-    سيمنح برنامج الرعاية الطبية .....
-    ..........
لدرجة معها لم أستطع إكمال تصفح كامل الإحصاءات لكثرتها وخاصة مع تكرار بعضها بصيغة أخرى أو باستخدام مرادفات أخرى كأن يقول برنامج الرعاية الطبية يقلل من عجز الموازنة وبعد صفحة يعيد العبارة بقوله سيخفض برنامج الرعاية الطبية مبلغ العجز المحلي بالموازنة بقيمة تريليون دولار أمريكي وهكذا لدرجة شعرت معها بفرط إيجابيات (من كثرة الترويج للبطل – برنامج الرعاية الطبية) طبعاً دون التصفيق لهذا البطل وملل لا يمكن وصفه بانتظار أن يفرغ مسدس البطل لعل وعسى أن يقوم أحد الممثلين بالفيلم على الأقل بخدش البطل أوخدش حيائه على الأقل معنوياً.
لكن الحبكة لم تقف هنا بل تعدتها للعقاب من خلال فرض رسوم ضريبية سنوية على كل من لم يقم بالاشتراك أو بتجديد بياناته سنوياً وباليد الأخرى رصاصة الرحمة من خلال التمديد المتواصل لفترات الاشتراك والتمديد بطلب من الأحزاب والتمديد لمنح فرصة أخرى والتمديد والتمديد دون توقف.
لكن البطل الذي لا يشق له غبار ما زال حياً وتظهر نتائجه بأنه لغاية شهر شباط من العام /2015/ حصل شخص من كل ستة أمريكين على تأمين صحي بتكلفة لا تزيد عن /100/ دولار أمريكي في حين أن شهرزاد لم تبح بما يلي: 
•    خلق هذا البرنامج حالة من عدم العدالة الضريبية بين الأمريكين أنفسهم وبأنه زاد النفقات لبعض العائلات وخاصة للأشخاص الذين لا يعانون من مرض أو بمعنى أخر تاريخهم الطبي يخلو من المطالبات أو مطالباتهم محدودة.
•    لم يراع هذا البرنامج الظروف الاقتصادية التي تمر بها الشركات من ناحية ضغط النفقات.
•    لم يميز هذا البرنامج الأشخاص اليافعين وكبار السن بالنسبة للتكلفة بالإضافة لمحدودية تغطيته لدى المشافي ومحدودية الأطباء الممكن اختيارهم مما يجعل من هذا البرنامج يهتم بتغطية الناس بالحدود الدنيا دون الاهتمام بنوعية التغطية ودون الاهتمام بالتكاليف العالية التي سيدفعها حوالي /30/ مليون مؤمن نتيجة حتمية استبدالهم للتأمين الصحي الخاص بهم وخاصة بأن برنامج الرعاية الطبية يلزم بتغطية حالات الولادة ذات الكلفة العالية والتي لا يرغب بها عدد لا بأس به من الأمريكيين.
•    بالإضافة لذلك سيفقد حوالي /5/ مليون موظف تأمينهم المدفوع من قبل أرباب العمل لكون الغرامة المفروضة على الشركات أرخص من تكلفة التأمين لذا سيضطر كل موظف لشراء التأمين بمفرده.
•     كما سيضطر حوالي /4/ مليون أمريكي لدفع غرامة الضريبة بدلاً من شراء برنامج الرعاية لعدم قدرتهم على الشراء.
•     وستضطر شركات الأدوية لرفع أسعارها لزيادة الضريبة المدفوعة من قبلها والذي سينعكس على دخل المواطنين.
•    لا يراعي هذا البرنامج السرية اللازمة لدى الاشتراك به لكون معلومات الصحية كلها مراقبة من الجهات الحكومية كوزارة المالية وغيرها.
•    ......
لقد بلغ عدد الأطباء الذين برفضون برنامج الرعاية 215000 طبيب (إحصائيات نهاية العام /2014/) لكونه يسدد /80 %/ مقابل تسديد /100%/ لباقي برامج التأمين لنفس الحالات وبدء البعض بالتهرب من الاشتراك ببرنامج الرعاية. وأعلنت بعض شركات التأمين الخاصة (أكبر /7/ شركات في الولايات المتحدة) معارضتها لهذا البرنامج مما نتج عنه قرار ديمقراطي من الجهات الوصائية يمنع هذه الشركات من انتقاد هذا البرنامج ومع كل هذا مازال مخرج الفيلم مصراً على منحه جائزة أفضل قصة طويلة وأفضل إخراج وأفضل دور تمثيلي لهذا البطل. 
 
ماهر سنجر