تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
اقتصاد

لا يبدو أن فهم علم الاقتصاد حيوي كموازنة ميزانية الأسرة  أو تعلم قيادة السيارة. وعلى كل حال، فلعلم الاقتصاد أثره على كل لحظة من لحظات حياتنا لأنه، في صميم الأمر، يعتبر دراسة للخيارات وكيفية صنعنا لها وانتقاءنا لها. في هذه المقالة سنلقي الضوء على بعض المفاهيم الاقتصادية الأساسية التي يتوجب على كل فرد منا فهمها.
النقص
إنك، ولو في داخلك، تفهم ما تعنيه كلمة النقص سواء أكنت تدرك ذلك أم لا. إنها أكثر المفاهيم الاقتصادية حقيقة  وحقيقتها صلبة أكثر من كونها أمراً تجريدياً. وكي نشرح الأمر بطريقة سهلة، هناك القليل من الوسائل في العالم لمجابهة الكثير من الاحتياجات لذا كان لابد من اختيار أمر ما. مثلاً، هناك الكثير من القمح يتم زراعته، إلا أن بعض الناس يريد خبزاً، والبعض الآخر يريد حبوباً، وآخرون يريدون بيرة وهكذا. ولا يمكن الإكثار من إنتاج نوع واحد فقط بسبب النقص في كمية القمح. فكيف يمكننا أن نقرر كمية الطحين اللازمة إنتاج الخبز، أو الأكثر من ذلك كمية البيرة؟ أحد الأجوبة هو نظام السوق.
العرض والطلب
يتأثر نظام السوق بمبدأ العرض والطلب. لنأخذ البيرة أيضاً كمثل ونقول إن أكثر الناس يريدون البيرة، أي أن الطلب على البيرة عالٍ. في هذه الحال ستفرض مالاً أكثر على البيرة كي تتمكن من كسب مال أكثر في المعدل العام بالانتقال إلى البيرة من القمح وعملية طحنه وتحويله إلى الطحين. الكثير من الناس يتجهون إلى إنتاج البيرة، ولكنهم وبعد عدة دورات إنتاجية يجدون أن البيرة قد أغرقت السوق وأن الأسعار قد انهارت. أثناء ذلك تكون أسعار القمح قد ارتفعت بسبب النقص في العرض مما يدفع بالمزيد من المنتجين إلى التهافت على شراء القمح وهكذا دواليك.
هذا المثال المتطرف والبسيط يغلف فعل التوازن الجميل في عملية العرض والطلب. وتكون السوق في أغلب الحالات أكثر تجاوباً في الحياة الفعلية بحيث تصبح الصدمات الحقيقية للعرض نادرة – على الأقل تلك التي تكون السوق سببها. ففي الأساس، يساعد العرض والطلب في تفسير السبب وراء انخفاض سعر منتج ضارب في السوق إلى النصف في العام التالي.
التكلفة والمنفعة
يتضمن مفهوم التكلفة والمنفعة مساحة كبيرة من الاقتصاديات التي لها علاقة بالتوقعات  والخيارات العقلانية. فمن الطبيعي أن يميل الناس إلى الخيار الذي يضمن لهم منفعة أكبر بأقل كلفة أو، بطريقة أخرى، الخيار الذي يؤمن لهم فوائد أكثر من الكلفة. وإذا ما عدنا إلى موضوع البيرة، نجد أن مصانع الجعة العالمية تتجه إلى عدد أكبر من الموظفين لإنتاج كميات أكبر من البيرة وذلك شريطة أن يكون سعر البيرة وحجم المبيعات يبرران التكاليف التي ستضاف إلى الأجور وإلى المواد التي ستحتاجها تلك المصانع لإنتاج المزيد. وبشكل مشابه، سيقوم المستهلك بشراء أفضل أنواع البيرة التي يمكنه أن يتحمل سعرها وليس من الضروري أن يكون طعم تلك البيرة هو الأطيب.
هذا الأمر يتعدى الصفقات المالية إلى حد كبير. فطلبة الجامعات يقومون بإجراء تحاليل يومية على الفوائد والتكلفة وذلك بالتركيز على دورات معينة يعتقدون أنها ذات أهمية أكبر بالنسبة لهم، بينما يختصرون الوقت الذي يمضونه في الدراسة أو في حضور دورات ذات أهمية أقل.
بالطبع، كل واحد منا يعرف شخصاً ما قام باختيار خاطىء في حياته. وعلى الرغم من أن الناس في العادة عقلاء إلا أن هناك الكثير الكثير من العوامل التي قد تجعلنا نرمي مثلاً بالمحاسب الداخلي من النافذة. الإعلانات هي إحدى هذه العوامل التي يعرفها الجميع. فالإعلانات التجارية تقرص المراكز العاطفية في أدمغتنا وتقوم ببعض الحيل الحذقة الأخرى كي تدفعنا إلى الرفع من مزايا وفوائد مادة ما. وبعض هذه التقنيات تستعمل بمهارة في اليانصيب وذلك بإظهار شخصين يبحران في يخت ويتمتعان بحياة خالية من الهموم. هذه الصورة مع ما يرتبط بها من رسالة عاطفية (يمكن أن تكون أنت مكان هذا الشخص) تسيطر على الجانب العقلاني من دماغك الذي يمكن أن يتلاعب ويقنعك بأنك قد تكون الشخص الرابح. قد لا تسيطر التكلفة والمنافع على عقلك في جميع الأوقات ولكنها موجودة بالفعل وبحجم أكبر مما تتوقع وبالأخص عندما يتعلق الأمر بالمفهوم التالي.
كل شيء موجود في الحوافز
تعتبر الحوافز جزءاً من الكلفة والفوائد والتوقعات العقلانية ولكنها ذات أهمية بالغة بحيث أنها تستحق مزيداً من الدراسة. الحوافز تجعل العالم يدور وفي بعض الأحيان يغلط. فإن كنت أباً أو رب عمل أو معلّماً أو أي شخص في موقع المسؤولية عن الإشراف وتتخذ الأشياء منحىً منحرفاً بشكل فظيع، تصبح حوافزك بعيدة عن التطابق مع ما تريد إنجازه.
على كل حال ، سنأخذ مثالاً آمناً عن مصنع للجعة. لدى هذا المصنع بالذات حجمان من الزجاجات: الزجاجة الأولى حجمها 500 مل والثانية 1 ليتر لشخصين اثنين. يرغب صاحب المصنع بزيادرة الإنتاج وبالتالي يعرض مكافأة على عمال الوردية الذين ينتجون العدد الأكبر من زجاجات البيرة في اليوم الواحد. وخلال عدة أيام لاحظ ارتفاعاً في أرقام الانتاج حيث أصبح الانتاج 15000 زجاجة في اليوم بدلاً من 10000. وسرعان ما غرق في المكالمات الواردة من الموردين يتساءلون فيها عن موعد وصول شحنات الزجاجة سعة 1 ليتر. طبعاً المشكلة هي أن حافزه ركّز على الموضوع الغلط – أي عدد الزجاجات بدلاً من حجم البيرة الأمر الذي أصبح مربحاً بالنسبة لعمال الورديات المتنافسين كي يغشّوا باستخدامهم لزجاجات ذات حجم أصغر.
عندما تنسجم الحوافز مع الأهداف التنظيمية للشركة تصبح الفوائد استثنائية.  فقد ثبت أن بعض هذه الحوافز فعالة جداً لدرجة أنها أصبحت ممارسة شائعة لدى العديد من الشركات، كالمشاركة في الأرباح، مكافآت الأداء ومساهمات الموظفين. ومع ذلك، حتى هذه الحوافز يمكن أن تصبح كارثية إن لم تتطابق معاييرها مع الهدف الرئيسي. إن مكافآت الأداء غير المبنية على أسس سليمة، على سبيل المثال، دفعت بالعديد من المدراء التنفيذيين لاتخاذ إجراءات مؤقتة لتحقيق نتائج مالية تكفي للحصول على المكافآت – هذه الإجراءات التي تبين أنها  ضارة على المدى الطويل.
ربط الخيوط ببعضها
النقص هو الموضوع الأساس في جميع العلوم الاقتصادية، فهو يبدو سلبياً وهذا هو أحد الأسباب التي سمي بسببها علم الاقتصاديات بالعلم الكئيب إلا أنه وببساطة تامة يعني أن هناك خيارات لابد من الإقدام عليها. يتم تحديد هذه الخيارات في ضوء التكاليف والفوائد التي تؤثر على الخيار، مما يؤدي إلى نظام سوق ديناميكي حيث يتم التلاعب بالخيارات من خلال العرض والطلب. وعلى المستوى الشخصي، يعني النقص أن علينا أن نختار بالاعتماد على الحوافز التي تعطى لنا وعلى الكلفة والفوائد وعلى مسارات العمل المختلفة. إن هذه نظرة واسعة على موضوع يفرض نفسه بقوة، صدق أو لا تصدق. إن هذه المفاهيم  تتداخل مع مفاهيم أخرى  كالميزة النسبية، وروح المبادرة، والمنفعة الحدية وهكذا دواليك. العالم واسع ومليء بالخيارات لذا فإن مجال علم الاقتصاد واسع أيضاَ ومليء بالنظريات، والقوانين والمفاهيم التي تستكسف تلك الخيارات.
الخلاصة: 
هذه المفاهيم ليست بالقوانين القوية التي تُدخل التفاعلات البشرية في الأنماط الحالية. إنها اعتراف بتلك الأنماط التي تبرز من مئات، وآلاف، وملايين وبلايين الأفراد الذين يقدمون على خيارات بناء على المعلومات المعطاة لهم. ففي الوقت الذي قد لا تسمح تلك المفاهيم لك بتغيير العالم بصورة جذرية، إلا أنها وإلى حد كبير ستسهم في التفسير. (اكتشف النظريات التي حددت لنا الطرق التي نفهم من خلالها علم الاقتصاد