مبدأ الحلول وأحكامه في القانون والتشريع السوري والمقارن
سبق أن بحثنا في مبدأ الحلول القانوني ودعوى رجوع المؤمن على المسؤول عن الحادث والأساس الفني للرجوع والرجوع بالاستناد إلى المسؤولية التقصيرية والرجوع بالاستناد إلى دعوى الحلول وأحكام حلول المؤمن محل المؤمن له ومجال الحلول ومدى جواز الجمع بين مبلغ التأمين وتعويض المسؤولية وجواز الجمع في التأمين على الأشخاص وعدم جواز الجمع في التأمين من الأضرار وبحثنا في حالات الحلول في التأمين من الأضرار
وسنعالج في هذه المقالة شروط الحلول
شروط الحلول
( ثلاثة شروط )
لاستفادة المؤمن من الحلول القانوني ، فإنه وإضافة إلى ضرورة تحقق الصفة التعويضية لمبلغ التأمين ، فإنه يشترط توافر عدة شروط، نتابعها وفق ما يلي:
الشــرط الأول: أن يكون المؤمن قد دفع مبلغ التأمين للمؤمن له ، أو أن يدفع عن المضرور ولحساب المؤمن له مصاريف إصلاح الضرر. وهذا الشرط ما هو إلا تطبيق للقواعد العامة في الحلول التي تقضي بأنه لا حلول إلا مع الوفاء. كفي أن يكون المؤمن قد قام بالتعويض العيني إذا اتخذ محل التزامه شكل الأداء العيني . هذا وإنه بقدر ما يدفعه المؤمن من مبلغ التأمين يتحدد نطاق حلوله محل المؤمن له في حقوقه.وعلى المؤمن أن يثبت هذا الوفاء ومقداره . وهذا الشرط يتعلق بالنظام العام أي لا يجوز للمؤمن, بالاتفاق مع المؤمن له , أن يرجع على الغير المسؤول قبل الوفاء بمبلغ التأمين.
ومن البديهي أن هذا الشرط يستلزم وجود عقد تأمين صحيح وساري المفعول ، وإلا فإن المؤمن لا يكون ملزماً بدفع مبلغ التأمين إلى المؤمن له ، وإذا قام بدفعه فله أن يسترده، فشرط الحلول لم يتحقق .وكذلك إذا صدر حكم بطلان عقد التأمين ، فيكون للمؤمن أن يرجع على الغير بما كان قد دفعه للمؤمن له ،,بمقتضى حلوله محله حلولاً اتفاقياً.
الشــرط الثاني : أن يكون لدى المؤمن له دعوى مسؤولية يرجع بها على الغير المسؤول ،فالحلول القانوني يفترض أن يوجد شخص أخر ملتزماً مع المؤمن بدفع التعويض للمؤمن له ، أو للمضرور في التأمين من المسؤولية . و للمؤمن له الحق في مطالبة المؤمن بالتعويض المستحق في ذمته ، وهذا الحق هو الذي ينتقل إلى المؤمن بعد وفاته بمبلغ التأمين .ولذلك يشترط أن يكون الضرر الذي ترتب على تحقق الخطر ذاته المؤمن ضده والذي يلتزم المؤمن بتغطيته ، ويجوز أن تكون دعوى المؤمن له ضد المسؤول دعوى المسؤولية التقصيرية أو تعاقدية . ولا فرق بين مسؤولية أساسها خطأ ثابت وتلك التي ترتكز على خطأ مفترض ومثال ذلك ( مسؤولية المستأجر عن احتراق العقار المأجور ) فإذا كان المؤجر قد أمن على هذا العقار ضد الحريق فللمؤمن، إذا دفع إلى المؤجر مبلغ التأمين ، الحق في الحلول محله في دعواه قبل المستأجر أو المتسبب في الحريق (المسؤول) .
وبناء ً على هذا الشرط فإنه لا يحل المؤمن محل المؤمن له ،, إذا لم يكن للمؤمن له أي حق في الرجوع على الغير المسؤول ، وذلك سواء كان المؤمن له لم يكتسب أصلاً حقاً في الرجوع على هذا التعبير لعدم اكتمال شروطه القانونية , أو كان هذا المؤمن له قد اكتسب هذا الحق ولكنه تنازل عنه قبل الوفاء بمبلغ التأمين (كأن يتنازل المؤجر – المؤمن له – في التأمين على العقار المأجور ضد الحريق عن حقه في الرجوع على المستأجر في حالة تسبب هذا المستأجر بالحريق)
وتطبيقاً لهذا الشرط توجد حالات يتعذر فيها على المؤمن الحلول محل المؤمن له لأسباب ترجع إلى المؤمن له ، أي أن المؤمن له يمكن بفعله أن يضيع فرصة حلول المؤمن محله ، والأمثلة عديدة ففضلاً عن تنازل المؤمن له عن حقه في الرجوع على الغير المسؤول إذا تم ذلك كشرط لقبوله قبل الوفاء بمبلغ التأمين. ومنها أن يتصالح المؤمن له مع الغير المسؤول دون موافقة المؤمن ، أو أن يترك حقه يسقط بالتقادم قبل أن يرجع على المؤمن ،وغير ذلك من الفروض.
في مثل تلك الحالات فإن القول بأن المؤمن يلتزم بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له ,فإنه قول لاتقره العداله و لا يتسق و القواعد العامة للقانون ، وبل إن ذلك يشجع المؤمن له على تحريض الغير لإحداث الخطر المؤمن ضده في مقابل أن يمنع الرجوع المؤمن عليه . ولتفادي ذلك يجب أن تبرأ ذمة المؤمن تجاه المؤمن له بقدر ما أضاع هذا المؤمن له على المؤمن من فرص الرجوع على الغير المسؤول بدعوى الحلول ،وهذا الحكم تفرضه القواعد العامة و إن لم يوجد نص صريح بذلك.وهكذا يكون من مصلحة المؤمن له المحافظة على حقه لدى الغير المسؤول سواء في أصل هذا الحق أو في مداه.
الشـــرط الثالث : هو الشرط الذي عبرت عنه المادة 737 من القانون المدني السوري وهي المادة التي تقابل 771 من القانون المدني المصري ، والمقابلة لنص المادة ( 36/1) فرنسي ، وقانون الموجبات العقود اللبناني في المادة ( 972/3) والقانون المدني الكويتي في المادة ( 801/1) وجاء هذا الشرط في النص السوري بالحرف ( يحل المؤمن قانوناً بما دفع من تعويض عن الحريق في الدعاوى التي تكون للمؤمن له قبل تسبب بفعله في الضرر الذي نجمت عنه مسؤولية المؤمن ،ما لم يكن ممن أحدث الضرر قريباً أو صهراً للمؤمن له ممن يكونون معه في معيشة واحدة ، أو شخصاً يكون المؤمن له مسؤولاً عن أفعاله). ويهمنا من هذا النص لضرورة بحث الشرط الذي نحن بصدده النصف أو الجزء الثاني من نص المادة أي الذي يتعلق بالاستثناء والمعبر عنه ب ( ما لم ... الخ النص ) والذي أخطأ به واضع النص في استرساله مع صدر النص أو شطر الأول منه ، إذ كان من الأفضل تجزئة هذا النص إلى فقرتين ،كما فعلت التشريعات الأخرى .المهم أن قراءة النص تفيد أن الحلول مشروط بأن لا يكون المسؤول عن الضرر المستوجب أو المستتبع لمسؤولية المؤمن قريباً أو صهراً للمؤمن له وبشرط آخر ضمني أن يكون هذا القريب أو الصهر ممن يكون مع المؤمن له في معيشة واحدة أو شخصاً يكون للمؤمن له مسؤولاً عنه أفعاله ( المتبوع والتابع ) . هذا و إن بعض القوانين استثنيت من حكم تلك الحالة وقوع الحادث عمداً من قبل الأشخاص المذكورين . ويرجع منع المؤمن من الرجوع على الأشخاص يعولهم المؤمن له أو يسأل عن أخطائهم ، إذا وقع الحادث المؤمن ضده بفعلهم ، إلى عدة أسباب : فمن الناحية الأولى لو أجيز رجوع المؤمن على المذكورين لكان هذا رجوعاً على المؤمن له ، وهذا ما يمتنع على المؤمن القيام به . فإذا كان من تسبب في وقوع الحادث ممن يسأل عنه المؤمن له في أفعاله ( كتابعه مثلاً ) ، وأجزنا للمؤمن الرجوع على هذا التابع , لكان من حق المؤمن أن يرجع على المؤمن له أيضاً باعتباره مسؤولاً عن أعمال تابعه ، بينما هذا من حق المتبوع في الرجوع على تابعه لتحصيل ما تسبب به من ضرر ( وأغلب تطبيقات و أمثله هذا المفهوم هي العلاقة بين المشافي وتابيعها ) .
وبموجب هذا الشرط الذي نحن بصدده فإن هذا المنع يتعلق بالنظام العام فلا يجوز الاتفاق على مخالفته.
هذا وإن الشروط الثلاثة السابقة الشرح للحلول قانوناً لا يستلزم معها أية إجراءات أخرى أو خاصة الحلول ،فهو يتم بقوة القانون وذلك من لحظة الوفاء بمبلغ التأمين . ولكن على المؤمن لكي يعود عليه الحلول بالنفع ، أن يقوم بإخطار الغير المسؤول بالحلول ، لكي لا يدفع هذا الأخير التعويض للمؤمن له , لأن الوفاء بالتعويض مبرئاً لذمة المسؤول متى تم بحسن النية . ويترتب على الحلول القانوني نتيجتان :
النتيجة الأولـــى : أنه لا يجوز لدائني المؤمن له ( من تاريخ الوفاء بمبلغ التأمين ) الحجز على ما لمدينهم ( المؤمن له ) لدى الغير المسؤول , لأن الحجز يقع في غير محله لأن التعويض المستحق في ذمة المسؤول يكون منذ هذا التاريخ , من حق المؤمن . ولكن مع الممكن لدائني المؤمن له , إذا ما أثبتوا أن التاريخ العرفي للمخالصة التي حصل عليها المؤمن من المؤمن له بعد وفاء بمبلغ التأمين أن هذا التاريخ قدم غشاً ليظهر بأنه سابق على الحجز ،فيقع حجزهم صحيحاً.
ومن مصلحة المؤمن أن يحصل على مخالصة ثابتة التاريخ من المؤمن له لكي يستطيع بموجبها أن يحتج بحقه بالحلول على المحال إليه الذي نقل إليه المؤمن له حقه في التعويض . وفي وقت لاحق على هذا التاريخ ، وذلك بمقتضى حوالة الحق أبرمت بينهما .
النتيجــة الثانيــة : للحلول أنه لا يحتج بتنازل المؤمن له عن حقه في الرجوع على الغير مادام هذا التنازل قد تم بعد أن أوفى المؤمن بمبلغ التأمين للمؤمن له ، لأن هذا الحق أصبح منذ تاريخ هذا الوفاء للمؤمن ، فليس للمؤمن له من ثم أن يتنازل عن شيء لم يعد يملكه. أما إذا تم هذا التنازل قبل قيام المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين ،فلا يكون للمؤمن الحق في الحلول محل المؤمن له، و إنما يبقى له فقط أن يرجع عليه لاسترداد ما أداه إليه من مبلغ التأمين و ذلك بما يساوي ما قد أضاعه عليه من فرص الحلول وفق ما تم تفصيله آنفاً . ومن الجدير بالذكر فيما نحن بصدده أن لا يحتج عليه بالصلح الذي جرى بين المؤمن له و الغير المسؤول .
و إذا استوفى حق المؤمن في الحلول محل المؤمن له شروط قيامه ، فإنه إذا جاز للمؤمن التنازل عن استعمال هذا الحق ، فلا يجوز له أن يتفق مع المؤمن له على التنازل عن القيود التي ترد على استعماله لحقه في الحلول ، لأن القيود هنا من النظام العام التي لا يجوز الاتفاق على خلافها . والحق أنه لا يجوز للمؤمن له أن يرجع على الغير المسؤول ، بعد أن تنازل المؤمن عن حقه في الحلول ، و إن أي قول بغير ذلك إنما يعني أن المؤمن له يستعمل حقاً ليس له ، كما أن يؤدي في أي حال ( بل في جميع الأحوال ) إلى جمعه بين تعويضين . هذا و إن الوسيلة الفنية ( دون مخالفة النظام العام ) و تكفل رجوع المؤمن على الغير المسؤول هي الحلول . فلا الاتفاق مع المؤمن له يسمح أن يكون هذا الرجوع بمقتضى حوالة الحق لأنها تحفظ حقوق المؤمن له كما تحفظها أحكام الحلول .
وبذلك نكون قد انهينا بحث الحلول من كافة جوانبه والله ولي التوفيق