مقدمة : يذكر أنه تم تسجيل أول جريمة سرقة لسيارة في عام 1912 حيث استهدفت عصابة بونات سيارة ديون بوتون الفاخرة على الطريق بين باريس وليون في فرنسا أسفر عنها مقتل شخصين كانا بداخلها.
وتعتبر سرقة السيارات في وقتنا الحاضر من أكثر الجرائم انتشاراً في جميع المجتمعات ويتم تسجيل مئات لحالات سرقة السيارات يومياً حول العالم ففي عام 2012 تم الإبلاغ عن 11500 حالة سرقة لسيارة في مصر وفي عام 2014 كشفت مصادر رسمية أنه تتم سرقة سيارة واحدة كل ساعة في السعودية ويعود السبب الرئيسي في ذلك لسهولة هذا النوع من السرقات وقلة عوامل الحيطة والأمان الذي يرجع أحياناً لإهمال مستعملي السيارات أو ضعف أجهزة الحماية إضافة إلى ضعف الرقابة الأمنية من السلطات المختصة والذي يشجع ضعاف النفوس على ارتكاب مثل هذه الجرائم .
هذا وقد إرتفعت معدلات سرقة السيارات في سورية بشكل كبير نظراً لتردي الوضع الأمني نتيجة الأزمة التي تعصف بالبلاد حيث كشفت إحصائيات وزارة الداخلية أن عدد السيارات العمومية التي تمت سرقتها خلال عام 2013 وصل إلى 3000 سيارة في المحافظات السورية أحرق منها 1000 سيارة وتم استخدام ما يقارب 500 سيارة للتفجير وهذه أرقام لم نكن نعرفها في ظل الاستقرار الذي كانت تعيشه سورية قبل الأزمة.
وإن انتشار هذه الظاهرة دفع الكثير من مالكي السيارات للإقبال على شراء بوالص التأمين الشامل (التكميلي) للسيارات كضمان لأموالهم ومصالحهم في حال تعرضت سياراتهم للسرقة .
وفي هذا السياق سنتحدث بشيء من التفصيل عن السرقة بالمفهوم القانوني وعن أحكام سرقة السيارات المؤمنة وعن إجراءات التعويض عنها.
أولاً : المفهوم القانوني للسرقة :
بداية لابد لنا من إلقاء الضوء على المفهوم القانوني للسرقة كما عرفها قانون العقوبات السوري بالمادة /621/ فالسرقة هي أخذ مال الغير المنقول من دون رضاه أي حرمان المرء من حيازة لما يملكه من مال منقول بفعل غير مشروع وعليه فإن للسرقة عناصر لابد من توفرها لاعتبار الفعل جرماً معاقباً عليه قانوناً تتمثل بما يلي:
1- فعل الأخذ أو الاستيلاء: وهو فعل مادي الغاية منه حيازة المال والتسلط عليه.
2- مال منقول: وهو المال الذي يمكن نقله من مكان لآخر.
3- مال مملوك للغير: بمعنى أنه ليس ملكاً للسارق ولم يسلم له برضاء المالك.
4- توافر النية لدى الفاعل وهو العنصر المعنوي القائم على القصد العام والقصد الخاص فالقصد العام في السرقة يتحقق بمجرد انصراف إرادة السارق إلى أخذ المال على الرغم من علمه بأنه مملوك لغيره ،أما القصد الخاص فإنه اتجاه إرادة الفاعل إلى حيازة الشيء المملوك للغير دون رضاه حيازة تامة ونهائية والاستئثار بالمال والتصرف به تصرف المالك فالسرقة هي من الجرائم التي لا يكفي لقيامها توافر القصد العام إذ لابد من توافر القصد الخاص إذن هي جريمة مقصودة ولا يتصور وقوعها بصورة غير مقصودة فإذا انتفى القصد انتفت الجريمة
فمن يدخل في حيازته مالاً منقولاً بصورة غير مقصودة لا يعتبر سارقاً له.
وبما أن السيارات تعتبر من المنقولات إلا أنه لا تطبق عليها القاعدة القانونية التي تقضي بأن "الحيازة في المنقول سند الحائز" وذلك لأن فقد المالك حيازته لسيارته نتيجة السرقة لا ينزع منه ملكيتها ولا تنتقل هذه الملكية للسارق بمجرد الحيازة لأن المقصود بالحيازة التي تكون سند الملكية هي الحيازة المشروعة إضافة إلى ذلك فإن قانون السير قد أضاف إلى سند الحيازة سنداً آخر لإثبات الملكية هو وجوب التسجيل لدى دوائر النقل والمواصلات المختصة وذلك بالمادة /97/ من قانون السير والتي نصت (( تسجل جميع المركبات الآلية مع مقطوراتها في سجلات خاصة لدى مديرية النقل المعنية وذلك منذ وضعها في السير للمرة الأولى ........ الخ )) ومن ثم فإن سجلات مديرية النقل هي المرجع الأساسي في إثبات ملكية السيارة.
إضافة إلى أن المشرَّع قد وضع عقوبات تتفاوت وفق الأحوال التي ترافق ارتكاب الجرم ،فالسرقة هي من الجرائم الجنحية البسيطة وقد تصبح جنحة مشددة، وقد تصل في بعض الحالات إلى جناية وقد نص عليها قانون العقوبات السوري بالمادة /621/ وما بعدها في حين خص جرم سرقة السيارات بمادة مستقلة هي المادة /625/ مكرر التي نصت:
1- أ- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة من 2,000 إلى 5,000 ليرة سورية كل من أقدم بأي طريقة ومن أي مكان على سرقة أي سيارة من السيارات المعرفة في الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون السير.
2- أ- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة من 1,500 إلى 3,000 ليرة سورية كل من أخذ أو استعمل من دون حق وسائل النقل المبينة في البند الأول من هذه المادة إذا لم يكن قاصداً سرقتها.
وبالتالي نجد أن المشرع شدد العقوبة على سرقة السيارات واعتبرها جرم جنائي الوصف لما له من أثر سلبي في المجتمع وبالمقابل حدد ثلاثة شروط تجعل هذا الجرم جنحة عندما نص بالفقرة ب من البند /2/ في المادة /625/ مكرر عقوبات على أنه (( تخفض العقوبة المنصوص عليها في الفقرة (أ) من البند /2/ من هذه المادة إلى الحبس مع الشغل سنة واحدة على الأقل والغرامة من 500 إلى 1,000 ليرة سورية إذا أعاد الفاعل ما أخذه أو استعمله إلى صاحبه أو مكان أخذه خلال ثلاثة أيام على الأكثر من تاريخ الفعل دون إحداث تلف فيه))
ثانياً : أحكام سرقة السيارات المؤمنة :
وبالانتقال إلى سرقة السيارات المؤمنة بموجب وثيقة تأمين تكميلي (شامل) نجد بأن الشروط العامة لهذه الوثيقة نصت بالمادة /1/ تحت عنوان الأخطار المؤمنة الفقرة /ت/ على أن (( السرقة الكلية للمركبة المؤمنة أو الأضرار الناتجة عن محاولة سرقتها عندما تكون تلك المركبة متوقفة ومقفلة بالمفتاح ولا يشمل التأمين السرقة الجزئية أي سرقة الإكسسوارات وقطع المركبة على سبيل المثال لا الحصر ما لم تتم سرقة المركبة بكاملها وتعتبر الأضرار التي تصيب المركبة خلال سرقة الكلية مشموله بوثيقة التأمين حسب الشروط الواردة في المادة الرابعة والمتعلقة بتسوية الحوادث أمام حالات السرقة الجزئية التي تصيب المركبة أثناء السرقة الكلية فيعتبر ثمن القطع المسروقة مشمولاً فيما زاد عن قيمة التحمل المنصوص عليها في الشروط الخاصة )).
وبموجب هذه المادة تكون السرقة الكلية للمركبة مغطاة بعقد التأمين وتلتزم الشركة المؤمنة بتعويض المؤمن له عن الضرر الذي لحق به جراء ذلك وفق شروط العقد إلا اذا توافر أحد الأسباب الواردة في المادة /3/ من الشروط العامة تحت مسمى الاستثناءات والمتعلقة بحادث السرقة والتي عند توافر إحداها تكون الشركة المؤمنة في حل من التزامها بالتعويض ونذكر من هذه الاستثناءات على سبيل المثال لا الحصر الفقرة /25/ السرقة الناجمة عن ترك السيارة في وضع تشغيل أو تركها مفتوحة والمفتاح داخلها أو عليها .
ولما كان عقد التأمين التكميلي (الشامل) كغيره من العقود الاتفاقية التي تتضمن حقوق وواجبات للطرفين وتنشئ التزامات متبادلة بينهما تحكمها الشروط الخاصة التي يتم الاتفاق عليها وتندرج ضمن بنود العقد ولكون هذه الشروط الخاصة هي شروط اتفاقية ما يجعلها تختلف من عقد لآخر.
لذلك تقوم شركات التأمين بإدراج بعض الاستثناءات من التغطية ضمن الشروط الخاصة عند إصدار عقود التأمين كدرجة قرابة السائق للمؤمن له والمنطقة الجغرافية التي تشملها التغطية والنسبة التي يتحملها المؤمن له من مبلغ التعويض عند وقوع حادث مغطى والإصلاح داخل الوكالة وغيرها.
ثالثاً : إجراءات التعويض عن سرقة السيارات المؤمنة :
عند وقوع حادث سرقة مغطى تأمينياً يتم إتباع الاجراءات الخاصة بالتعويض عنه والتي نصت عليها الشروط العامة بالمادة /5/ الفقرة /ج/ (( إذا سرقت المركبة يتوجب على المؤمن له أن يبلغ الأمر إلى السلطات المختصة في ظرف 12 ساعة وعليه أن يرفع الأمر إلى النيابة العامة ولا يستحق مبلغ التعويض إلا بعد مضي ستة أشهر على تنظيم الضبط لدى السلطات المختصة وإبراز كتاب تأكيد بعدم العثور على المركبة المؤمنة وفي حال تم العثور على المركبة المؤمنة بعد دفع مبلغ التعويض إلى المؤمن له يتعهد المؤمن له بإعادة مبلغ التعويض كاملاً إلى الشركة المؤمنة أو بنقل ملكية المركبة المؤمنة لاسم الشركة أو لاسم من تختاره على نفقة المؤمن له متضمنة كافة الرسوم وبراءة ذمة المركبة تجاه كافة الجهات الرسمية )) .
وبالتالي فالإجراءات الواجب اتباعها تتلخص بما يلي:
- تنظيم ضبط شرطة لدى الجهات المختصة خلال 12 ساعة من وقوع حادثة السرقة.
- الانتظار مدة ستة أشهر من تاريخ ضبط الشرطة.
- إبراز كتاب من الجهات الرسمية يفيد بأن المركبة لم يتم العثور عليها.
- تعهد المؤمن له بإعادة مبلغ التعويض أو نقل ملكية المركبة بريئة الذمة في حال العثور عليها.
وعند الانتهاء من استكمال تلك الاجراءات يتم احتساب مبلغ التعويض وفق الشروط الخاصة للعقد بعد حسم نسبة التحمل المتفق عليها والتي تتراوح بين 10 – 25 %.
وتجدر الاشارة هنا إلى إشكالية قد تواجه شركات التأمين وتهدد حقوقهم تتمثل بالغموض الذي يعتري نص الفقرة /ج/ من المادة /5/ فيما إذا كان الخيار في إعادة مبلغ التعويض أو نقل الملكية يعود للمؤمن له أم للشركة وما هي الضمانات التي يجب على المؤمن له تقديمها إضافةً للتعهد المشار إليه بنص المادة حفاظاً على حقوق الشركة في حال تم العثور على المركبة من دون علم الشركة ولم يبادر المؤمن له لإعادة التعويض أو نقل ملكيتها للشركة كونه يبقى المالك قيداً وفق سجلات مديرية النقل وسيتم تسليمه المركبة من قبل السلطات المختصة عند العثور عليها وله الانتفاع أو التصرف بها فيكون قد حصل على التعويض واحتفظ بالمركبة وهذا مخالف للقانون ويعتبر من أسباب الاثراء بلا سبب سيما وأن المادة لا تضمن حق الشركة بمبلغ التعويض الذي تدفعه للمؤمن له فالفترة الزمنية الممتدة من تاريخ دفع التعويض للمؤمن له ولحين العثور على المركبة المسروقة لا يُعرف فيها الوضع القانوني للمركبة وهل يتوجب على الشركة دفع التعويض دون أية ضمانات لحين العثور عليها أم ينبغي نقل الملكية للشركة فوراً عند دفع التعويض وينتهي حق المؤمن له بمجرد قبضه للتعويض وفق شروط العقد.
وهنا نقول إن الغاية الأساسية من قيام مالك المركبة من التعاقد مع شركة تأمين هو حفظ حقه في حال تعرضت مركبته للضرر أو السرقة بأن تقوم الشركة بتعويضه عن ذلك وفي حالة السرقة الكلية فإن المؤمن له فقد الحيازة الكلية لمركبته وبالتالي فإن مطالبته للشركة بالتعويض يقوم على أساس فقدان المركبة وينحصر حقه بالتعويض المتفق عليه وتنتقل كافة الحقوق المتعلقة بالمركبة للشركة وإلا كانت الشركة وكأنها تقرض المؤمن له مبلغ التعويض لحين العثور على المركبة مهما طالت الفترة وهذا مخالف للمنطق ولا يتناسب مع الأسس التي بني عليها التأمين ويلحق ضرراً بالشركة.
إضافة إلى ذلك فإن ما ورد بالفقرة /ت/ من المادة /5/ والتي اعتبرت السرقة بمثابة الهلاك الكلي كالحريق والفقدان وألزمت المؤمن له بنقل الملكية للشركة أو من تختاره يتناقض مع نص الفقرة /ج/ الذي هو بالأساس غير واضح وهذا الغموض ينشأ عنه خلافات حين يتمسك المؤمن له بنص وتتمسك الشركة بنص وكلا النصين بذات القوة القانونية.
وتفادياً لمثل هذا الاشكال تلجأ بعض شركات التأمين لإدراج شرط نقل الملكية قبل دفع التعويض عند وقوع حادث سرقة كلية للمركبة المؤمنة ضمن الشروط الخاصة بالعقد عند الإصدار.
إلا أنه ومن جهة نظرنا لا بد من إجراء تعديل على الفقرة /ج/ يزيل التناقض والغموض ويكفل حقوق المؤمن له والشركة المؤمنة على حد سواء كأن تصبح الفقرة بالصيغة التالية:
((عند تعرض المركبة المؤمنة للسرقة يتوجب على المؤمن له إبلاغ السلطات المختصة خلال 12 ساعة وتنظيم الضبط اللازم ورفع الأمر للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية ولا يستحق المؤمن له التعويض المتفق عليه إلا بعد مضي ستة أشهر على تنظيم الضبط لدى الجهات المختصة وتزويد المؤمن بكتاب يفيد عدم العثور على المركبة صادر عن الجهة المختصة التي أذاعت البحث عنها كما يلتزم المؤمن له وقبل قبض التعويض بنقل ملكية المركبة لاسم الشركة أو لاسم من تختاره بريئة الذمة وعلى نفقة المؤمن له متضمنة كافة الرسوم تجاه الجهات الرسمية، وفي حال تم العثور على المركبة بعد ذلك يمكن للمؤمن له طلب استرجاع المركبة وإعادة مبلغ التعويض وعلى نفقته إذا وافق المؤمن على ذلك)).
وختاماً نقول إننا مازلنا بحاجة ماسة لإصدار تشريع خاص ينظم قضايا التأمين ويحكم نزاعاته بكافة صورها ويكفل حقوق كافة الأطراف المتعاملة به.
شركة التأمين العربية – سورية