تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
التوعية التأمينية
القرصنة البحرية  والتأمين

مفهوم القرصنة:

قد يبدو مناسباً جداً أن نبدأ موضوعنا بالتعرف بكلمة قرصنة ومصدرها، ومن ثم نتوسع إلى مفهومها، فإذا عدنا إلى المراجع اللغوية، كالمنجد في اللغة العربية مثلاً، للاستدلال على معنى هذه الكلمة ومقصودها  نجد مايلي:

"القرصان": هم  لصوص البحر ويجعلها بعض الكتّاب لفظة مفردة ويجمعونها على قراصنة، والاسم منه القرصنة (إيطالية). أي إن اصل الكلمة إيطالية.

وبالرجوع إلى اللغة الإيطالية التي نسب اليها مصدر كلمة  "قرصان" نجد أن هذه الكلمة جاءت من  كلمة "كورسا" - CORSA- التي تعني  القيام بالأعمال العدوانية ضد السفن والمراكب البحرية من سلب وسرقة وما إلى هنالك، ومنها أتت كلمة  "كورسارو"-CORSARO- التي تدل على من ينصب نفسه قائداً على سفينة يتم سلبها والاستيلاء ويكون خارجاً عن القانون.

كما أنه وفي  اللغة الإنكليزية أيضاً نجد كلمة "كورسير" - CORSAIR - التي تعني "مركب قراصنة أو قرصان أو لص البحر"  إلا أن هذه الكلمة ليست شائعة الاستعمال في اللغة الانكليزية عند ذكر أي شيء عن القرصنة حيث إن الكلمة المستخدمة للدلالة على القرصنة هي "بايراسي" - PIRACY  - ومنها جاءت كلمة  قرصان "بايرت"  -PIRATE-.

وهكذا فإن  القرصنة هي كلمة تدل على أعمال النهب والسلب والعنف التي تتعرض لها السفن في البحر بأشكالها وعلى اختلافها من سفن شحن أو ركاب أو ناقلات نفط أو مراكب صيد أو نزهة..الخ، من قبل جماعة من اللصوص سواء أتوا من خارج السفينة أم كانوا من ضمن الطاقم أو الركاب، ومن ثم فإن القرصنة هي من أبرز الأخطار التي تهدد حركة النقل البحري في العالم، هذا الخطر الذي لم يتوقف عبر التاريخ منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا. حتى إنه لا يكاد يمر يوم دون أن يكون هنالك قرصنة ما، في مكان ما، على خارطة العالم المائية من بحار ومحيطات وأنهار.

إذاً فالقرصنة تمتد في عمق التاريخ ومنذ أن بدأ الانسان بركب البحار مستخدماً إياها للنقل والتنقل والصيد والنزهة بدءاً من المراكب الشراعية القديمة امتداداً إلى المراكب والسفن والناقلات المتطورة في يومنا هذا، حيث يستخدم القراصنة ما يناسب كل عصر من أسلحة ومعدات، فاليوم نجدهم يستخدمون زوراق سريعة وأسلحة أتوماتيكية في عمليات المباغتة والانقضاض على السفن التي غالباً ما يكون لهم علم مسبق بهندستها وطبيعتها وحمولاتها وقيم هذه الحمولات، الأمر الذي يدفع الى الاعتقاد أن هؤلاء اللصوص يتعاونون مع شركاء لهم على اليابسة، وحتى في بعض المناطق التي تعمها الفوضى والفساد والخراب، فالتعاون قد يكون مع سلطات الموانئ فيها أيضاً!! علماً أن عمليات الانقضاض على فرائسهم من السفن والمراكب غالباً ما تكون ليلاً، حيث تنطلق قواربهم بلا أضواء لتسهيل عملية الانقضاض.

لقد حدد مكتب الملاحة البحرية الدولية ثلاثة أشكال للأعمال التي يقوم بها القراصنة وهي:

  • السطو على السفنية وسلبها باستخدام أسلحة خفيفة، وهي غالباً ما ترتكب في الموانئ أو على مقربة من السواحل ومعظم الضحايا سفن الصيد وزوارق النزهة (اليخوت) ويكون هدف القراصنة الرئيسي في مثل هذه الحالات هو الاستيلاء على النقود والأشياء الشخصية غالية الثمن، وهذه الحالات من القرصنة تمثل نسبة كبيرة من أعمال القرصنة كلها.
  • السرقة والاعتداء المسلح المصحوبة بالخطف في بعض الأحيان، وغالباً ما تسفر مثل هذه العمليات عن إصابات جسدية، وتنفذها عصابات منظمة بشكل جيد، وتستخدم في عملياتها الأسلحة المتوسطة والثقيلة أحياناً وتشكل مثل هذه العمليات في حال اقترانها بالخطف خطراً على الملاحة.
  • الاختطاف الكامل للسفينة أو المركب، حيث يقوم  القراصنة بالاستيلاء التام على السفينة أو المركب والحمولة، ومن ثم يعمدون الى تمويه وتغيير معالم السفينة أو المركب وتسجيلها باستخدام التزوير، وغالباً ما يقوم بمثل هذه الحالات قراصنة مدربون على درجة عالية ومسلحون تسليحاً ثقيلاً ومستعدون للقتل والإبادة.

ويضاف إلى ذلك عمليات الخطف والاحتجاز بغرض الحصول على فدية مالية.

البؤر الأكثر قرصنة في العالم:

جنوب شرق آسيا (أرخبيلات إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، مضايق مالاكا، سنغافورة)– مدخل البحر الأحمر- شرق وغرب أفريقية (الصومال، جيبوتي، نيجيريا، ساحل العاج)- أميركا اللاتينية (السواحل البرازيلية، جزر الكاريبي، سان دومينغو، هاييتي، قناة بنما).

كما أن السواحل الصينية كانت للأمس القريب على القائمة السوداء في أعمال القرصنة إلا أن دخول الصين في منظمة التجارة العالمية أسهم في الحد من عدد الهجمات التي تحصل في تلك السواحل، كما أن هناك هجمات خطرة تحدث أيضاً في جنوب شبه القارة الهندية قرب السواحل الهندية والبنغلاديشية والسريلانكية، وهذا لا ينفي وجود أعمال قرصنة ولو كانت محدودة في مناطق وأماكن أخرى من العالم، فسواحل بعض الدول الخليجية تسجل حوادث قرصنة على مراكب الصيادين وهواة الصيد في تلك السواحل، حيث يسلب القراصنة المسلحون ضحاياهم ما يحملون من أموال وهواتف نقالة وأجهزة إلكترونية وما اصطادوه من أسماك، وحتى زوارقهم في بعض الأحيان.

لقد شهد عام 2008 زيادة ملحوظة في أعمال القرصنة البحرية وارتفاع معدلاتها في خليج عدن ومضيق باب المندب من قبل القراصنة الصوماليين، وأصبحت سواحل "هراديري" الكينية قاعدة خلفية للقراصنة الصوماليين حيث سجل مركز التقارير الأخبارية عن القرصنة  Piracy Reporting Centre في كوالالمبور بماليزيا والعائد لمكتب الملاحة البحرية الدولية International Maritime Bureau في العام الماضي 111 هجوماً قرصنياً في السواحل الصومالية، حيث خطفت 42 سفينة و848 من بحارتها احتجزوا رهائن، ومن بداية عام 2009 وحتى 27/4/2009 سجل 95 هجوماً، و25 سفينة اختطفت و443 من البحارة احتجزوا رهائن، لأن الخراب والدمار والاقتتال الذي حل بالصومال أنعش وبشكل كبير هجمات القرصنة الصومالة وأسهم إلى حد كبير جداً في أن يجعل من القرصنة الصومالية محط أنظار العالم واهتماماته من أجل القضاء عليها دون أن يعير اهتماماً إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي آل اليه هذا البلد النامي بفعل الحروب الأهلية والمؤامرات الخارجية.

القرصنة في التأمين البحري:

تُعرَّف القرصنة في التأمين بأنها "قيام عصابات مسلحة تعمل بإمرة زعيم لها بقطع الطرق البحرية على السفن التجارية في أعالي البحار والاستيلاء عليها أو على حمولتها بقوة السلاح، ولا تخضع هذه العصابات لسلطة دولة ما، ولا ترفع سفنها أي علم دولة من الدول" ويمتد التعريف في التأمين، والذي يُشتق أصلاً من التعاريف القانونية إلى أن القراصنة قد يشملون أيضاً الركاب وحتى الطاقم الذين يتمردون بغرض الاستيلاء على السفينة أو حمولتها إضافة إلى المشاغبين الذين قد يهاجمون السفينة من الساحل.

ويبقى السؤال المحير اليوم لمعظم المؤمَّن لهم الذين يؤمِّنون على بضائعهم ومستورداتهم وصادراتهم، وحتى للمهتمين بتأمين السفن والمراكب على أشكالها، ألا وهو: هل القرصنة مشمولة بعقد التأمين البحري؟

إن الإجابة عن هذا السؤال أو التساؤل يكمن فيما يلي:

أولاً – في تأمين البضائعMarine Cargo Insurance  :كما هو شائع في معظم أسواق التأمين في العالم استخدامها لنصوص عقود التأمين الصادرة عن مجمع مكتتبي التأمين بلندن وبأشكال الشروط الثلاثة A,B & C – والتي جرى تسميتها في بعض أسواق التأمين العربية اجتهاداً بالشروط المعهدية وتقابلها بالعربية الشروط (أ)، (ب) و(ج) .

الشروط (أ) أو Clause (A): هي تغطي كل الأخطار (ALL Risks) عدا ما هو مستثنى صراحة في نص العقد، ومن ثم فإن خطر القرصنة يبقى مشمولاً في التغطية لما يتعلق بالإرسالية المؤمَّنة بالعقد مالم يرد صراحة في النص وضمن الشروط ما يخالف ذلك، ويبين بأن الأضرار والخسائر الناتجة عن أخطار أو خطر القرصنة مستثناة من التغطية التأمينية، علماً أنه وللإيضاح هنا فإن ذكر القرصنة صراحة كاستثناء في عقد التأمين في حال قررت شركة التأمين عدم تغطيتها والالتزام بالخسائر الناتجة عنها لما يخص الإرسالية المؤمَّنة هو أمر ضروري لأن من الخطأ الجسيم أن نقول إن القرصنة غير مشمولة في العقد التأميني لكل أخطار النقل البحري فقط لا غير في غياب صراحة الاستثناء ووضوحه.

الشرطان (ب،ج) Clauses (B&C): في هذين النوعين من عقود التأمين لا مجال للاجتهاد فيهما لما يخص خطر القرصنة نظراً لعدم ذكرها كخطر مشمول بالتغطية ضمن الأخطار المسماة بموجب هذين النوعين من شروط التأمين فالشرط (ب) أو(B) يسمي الأخطار المغطاة على الشكل التالي:

  • الحريق أو الانفجار.

 

  • جنوح أو غرق أو انقلاب السفينة أو المركب.
  • انقلاب وسيلة النقل البري أو خروجها عن القضبان الحديدية.
  • تصادم أو احتكاك السفينة أو المركب أو وسيلة النقل بأي جسم خارجي عدا الماء.
  • تفريغ البضاعة في ميناء إغاثة.

- التضحية في الخسارة العامة (العوارية العامة).

- الرمي في البحر أو اكتساح الأمواج لسطح السفينة أو المركب.

- دخول مياه البحر أو البحيرة أو النهر إلى السفينة أو المركب أو وسيلة النقل أو الحاوية أو الشاحنة أو مكان التخزين.

- الخسارة الكلية لأي طرد يفقد بسقوطه من على متن السفينة أو بسقوطه أثناء التحميل على أو التفريغ من السفينة أو المركب.

إن هذه التغطية عادة هي أوسع من التغطية بالشرط (ج) أو (C) حيث إن هذه الأخيرة تغطي كل الأخطار المسماة في الشرط (ب) أو (B ) عدا:

  • اكتساح الأمواج لسطح السفينة أو المركب.
  • دخول مياه البحر أو البحيرة أو النهر إلى السفينة أو المركب أو وسيلة النقل أو الحاوية أو الشاحنة أو مكان التخزين.
  • الخسارة الكلية لأي طرد يفقد بسقوطه من على متن السفينة أو بسقوطه أثناء التحميل على أو التفريغ من السفينة أو المركب.

وهكذا نجد أن هذين النوعين من العقود لم يرد في أي منهما ذكر القرصنة كخطر مشمول بالتأمين ومن ثم فهو غير مغطى.

ثانياً- في تأمين جسم السفينة أو كما يسميها البعض هيكل السفينة مع محركاتها Hull & Machinery: إن شروط التأمين الموضوعة من قبل مجمع مكتتبي التأمين بلندن عموماً ولما يتصل بالتأمين على جسم السفينة، تعتبر خطر القرصنة، خطراً مشمولاً بالتغطية كما تنص الشروط صراحة على أن القرصنة هي من ضمن الأخطار المسماة والمشمولة بالتأمين، وهذا ما جرى عليه الأمر أيضاً بالنسبة للمجمع الأميركي أيضاً، علماً أن جميع عقود التأمين يجب أن تكون متوافقة مع القوانين الناظمة للتأمين، ففي إنكلترا مثلاً جاء قانون التأمين البحري لعام 1906 على ذكر أن خطر القرصنة هو ضمن الأخطار المشمولة بالتأمين، علماً أن بعض الدول الأخرى كمصر مثلاً خرجت عن ذلك حيث ورد خطر القرصنة كاستثناء من الأخطار المشمولة بالتأمين إلى جانب أخطار الحرب والحرب الأهلية والاستيلاء والاضطرابات والثورات والإغلاق وأعمال التخريب والإرهاب..الخ، أي إن قانون التجارة البحرية المصرية اعتبر خطر القرصنة كخطر الحرب، وإن كان ذلك ظاهراً كاستثناء من الأخطار، إلا أن ذلك لا يمنع أن يغطى هذا الخطر أو غيره تأمينياً بموجب اتفاق بين المؤمَّن له وشركة التأمين، مادامت التغطية في النهاية لا تتعارض مع القانون والنظام العام، وهذا ما نجده واضحاً من خلال التغطيات التي تمنح من قبل شركات التأمين لتغطية أخطار مستثناة في عقد التأمين الاعتيادي، كأخطار الحرب والإرهاب مثلاً.

والجدير ذكره هنا أن هناك العديد من القضايا التي نظرت أمام المحاكم وعلى الأخص المحاكم الإنكليزية والتي شكلَّت بأحكامها مراجع تفسيرية للشروط التعاقدية في قضايا التأمين على اختلاف أنواعها والتي كانت موضع خلاف نظرت وحسمت أمام القضاء.

الخطف والفدية KIDNAP & RANSOM :

من الممارسات التي يقوم بها القراصنة عادة هي عمليات الخطف لطاقم السفن أو بحارتها والتي يمكن أن تطول الركاب من المسافرين، ومن ثم المطالبة بفدية للإفراج عن هؤلاء المخطوفين، والحصول على الفدية هو دائماً الهدف الأساسي من وراء عمليات الاختطاف، وعادة ما يقوم القراصنة بالتهديد بقتل الطاقم أو المحتجزين لديهم ويتراوح طلب الفدية من مليونين إلى 10 ملايين دولار، حسب حجم السفينة، مع السماح للمخطوفين بمهاتفة أهاليهم وذويهم كنوع من الضغط لتحقيق مطالبهم، وفي بعض الأحيان يقوم القراصنة بنقل مخطوفيهم إلى معسكرات على اليابسة إلى حين انتهاء المفاوضات على مبلغ الفدية المطلوب، علماً أن فترات الاختطاف قد تطول في بعض الأحيان، وقد بلغت 50 يوماً في عام 2008 من قبل القراصنة الصوماليين، والتكاليف المالية المباشرة لهذه العمليات تبلغ نحو 500 مليون دولار سنوياً!

إن مثل هذه الأمور وما تحمله معها من أعباء وتكاليف مالية ونفسية ومسؤوليات، يفترض معها البحث عن حلول، هذه الحلول يمكن وضعها على الشكل التالي:

  • تعديل سير الرحلة ليصبح عن طريق رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي سيزيد مدة الإبحار من 10 إلى 20 يوماً.
  • مرافقة السفينة لقطع بحرية حربية كحماية لها.
  • توفير رجال مسلحين على ظهر السفينة.
  • التعاون الدولي الجاد وخاصة بين دول المناطق التي تنشط بها أعمال القرصنة، كما حصل في مضايق مالاكا  (Malacca Strait).

 ويضاف إلى هذه الحلول حل آخر ألا وهو شراء تأمين لتغطية حالات الخطف والفدية إضافة إلى خطر الحرب لجسم السفينة، نظراً لأن التغطية الاعتيادية للتأمين -وإن تضمنت خطر القرصنة- فإنها لا تشمل بأي حال من الأحوال حالات الخطف والفدية، لذلك جاءت هذه التغطية التأمينية التي يمكن شراؤها ويغطيها مكتتبو تأمين متخصصون على مستوى العالم.

                              ****************************