تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
التوعية التأمينية
أهمية الوعي التأميني ودور وسائل الإعلام

كل شيء في عالمنا الحديث يحتاج إلى تأمين، فهو ضروري جداً سواء كنا نتحدث عن لعبة كرة قدم أو حفلة موسيقية؛ عن شراء سيارة أو بناء مشروع تجاري؛ عن الغواصات أو الأقمار الصناعية. التأمين اليوم هو صناعة متعددة الوجوه، متطلبة وتتطور باستمرار، وهي تقوم على حماية الأفراد والشركات والحكومات ضد المخاطر والاضطرابات المالية، وقد أدى هذا إلى تحول مفهوم التأمين إلى حجر زاوية في حياتنا وفي النسيج الاقتصادي والاجتماعي لمجتمعنا، وتتألف صناعة التأمين من مئات وآلاف الوظائف، وهي صناعة بالغة الأهمية للاقتصاد في جميع بلدان العالم تقريباً.

يمر العالم اليوم في مرحلة النقاهة إثر أزمة مالية عالمية تركت أثرها في جميع أوجه النشاط الاقتصادي، وفي حين أننا نركز على منطقة الشرق الأوسط ولاسيما على صناعة التأمين فيها، فإن الكثير من شركات التأمين قد تضررت أيضاً، وإذا كانت شركات التأمين هنا لم تتأثر بالقدر الذي تأثرت به المجموعة العالمية الأميركية (AIG) مثلاً، إلا أنها بالمقابل تأثرت بانهيار أسواق الأسهم، والجدير ذكره أن اقتصاديات المنطقة تولي منذ فترة أهمية كبيرة لقوانين التأمين، وهو منهج صحيح لبناء مستقبل واضح لهذه الصناعة في المنطقة، والتي يُعتقد على نطاق واسع أنها بلغت سن الرشد!

في السنوات القليلة الماضية، أدى تأسيس شركات التأمين التكافلي، التي تطبق المبادئ الإسلامية، ليس فقط إلى جذب كميات كبيرة من الأموال الجديدة، بل برز كمحرك للنمو، فقد حقق الكثير من شركات التأمين (التقليدية والتكافلية) في السنة الماضية معدلات نمو عالية تجاوزت 10% في العديد من أسواق المنطقة، ومع ذلك يبقى اختراق شركات التأمين لمنطقة الشرق الأوسط ضعيفاً إلى حد كبير، ولاسيما في مجال التأمين الشخصي، والسبب الرئيسي في ذلك هو بكل وضوح غياب الوعي التأميني.

ونتيجة لما تظهره اقتصاديات المنطقة من علامات نمو إيجابية وزيادة الإمكانات الواعدة لصناعة التأمين، فقد تأسس الكثير من الشركات الجديدة، وتحاول شركات عالمية عملاقة أن تحصل على موطئ قدم لها في المنطقة، غير أن خصائص السوق في المنطقة العربية مختلفة تماماً عنها في مناطق أخرى من العالم، والفروق الرئيسية تتعلق بالموقف من المخاطرة وبغياب الوعي التأميني، وبما أن الشرق الأوسط هو مزيج من اقتصاديات غنية واقتصاديات فقيرة، فإن كثافة التأمين واختراقه لبعض هذه البلدان يظهر أن الإنفاق في مجال التأمين على الحياة منخفض جداً.

واليوم أكثر من أي وقت مضى، تدرك الأطراف الرئيسة في صناعة التأمين، مثل السلطات القانونية والجمعيات الصناعية، ضرورة الوعي التأميني، وهذه خطوة إيجابية حقاً حين تكون وتيرة التغير في ازدياد بفعل عوامل شتى، ويكون صغار السن هم الأغلبية العظمى من شعوب كثير من البلدان، الأمر الذي يرتب أعباءً كبيرة على الموارد المحدودة وعلى سوق العمل، في مثل هذه الظروف، يكون مستوى التأمين على الحياة مرتفعاً، وبتوافر الوعي الصحيح، يمكن أن يصبح هذا القطاع مكوناً جوهرياً في شبكة الحماية الاجتماعية التي تحتاجها كل المجتمعات.

المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، فيها شعب فتي، نصفه تحت سن 21 سنة، ومن ثم فإنها تشكل سوقاً كبيرة لمنتجات وخدمات التأمين على الحياة، كما أن للتأمين على الحياة تبريره الشرعي في الإسلام، غير أن سنوات من سوء الفهم والاعتقادات الخاطئة ولدت عقبات نفسية معادية للتأمين في الثقافة الإسلامية، والتأمين التكافلي سبيل لتفكيك وإزالة هذه العقبات، فهذا النوع من التأمين يمكنه تقديم الكثير في البلدان المسلمة، ويمكنه بالفعل أن يوسع سوق التأمين في المناطق التي تشهد نمواً محدوداً في التأمين التقليدي.

شهد العديد من منتديات ومؤتمرات التأمين التي عقدت في المنطقة بتواتر منتظم طوال السنة تركيزاً ثابتاً على زيادة الوعي التأميني بعد أن اتخذت صناعة التأمين في المنطقة اتجاه نمو جديداً بالكامل، وتحولت إلى عامل مهم في مختلف الاقتصاديات، وقد غطت برامج التوعية مواضيع مثل "مفهوم التأمين"، و"ما التأمين على الحياة؟" و"ما التأمين العام؟" و"قنوات التوزيع في التأمين"، و"شكاوى أصحاب عقود التأمين"، ومن الجدير بالذكر أن هذه المبادرات من طرف فعاليات القطاع ساعدت كثيراً في توسيع قاعدة الزبائن الواعين.

ويقع على عاتق صناعة التأمين أن تشرح للزبائن وللجمهور العريض تفسير قوانين التأمين، وشروط التأمين العام، ومهارات المقارنة والتوصل إلى النتائج من عروض التأمين، كما أن الزبائن الواعين يتركون أثراً إيجابياً في شركات التأمين أيضاً، وتترك المعرفة بالتأمين وبصناديق التقاعد أثراً كبيراً في النشاط الفعال لشركات التأمين في مجتمعات الشرق الأوسط التي تتصف بنسبة عالية من الشباب.

وتلعب وسائل الإعلام دوراً بالغ الأهمية في جميع جوانب الحياة والنشاط الاقتصادي في مختلف أرجاء العالم، فهي تمارس دوراً لا يني يتزايد في تطوير العمل التأميني في المنطقة، سواء عبر الإعلام المطبوع أو الإلكتروني أو الإذاعة أو التلفزيون، كما أن التنامي المتزايد لصناعة التأمين أضاف إلى صحافة التأمين مجلات متخصصة ذات انتشار مثل "البوليصة"، و"مجلة الشرق الأوسط للتأمين"، و"البيان" وغيرها، والتي تؤدي أدواراً متزايدة الأهمية في تزويد الزبائن الموجودين والمحتملين بآخر أخبار ووقائع صناعة التأمين.

ولم يقتصر دور وسائل الإعلام على مجرد نقل مختلف المنتديات والمؤتمرات المتعلقة بصناعة التأمين إلى السوق الواسعة، بل شاركت في السنوات الأخيرة في هذه البرامج بصفتها راعياً أساسياً أو حتى استضافت مثل هذه المؤتمرات، وهذا مجرد مثال على جدية تعامل عالم الإعلام مع قطاع التأمين في المنطقة.

وكما في بقية الاقتصاديات النامية في العالم، زادت شركات التأمين في المنطقة اهتمامها بالإعلان وبالترويج لخدماتها ومنتجاتها، كي تصل إلى شرائح واسعة من الجمهور عبر مختلف وسائل الإعلام، من الرسائل النصية، إلى الإعلانات في فترة الذروة، كان دور وسائل الإعلام قوياً جداً في إيصال الرسالة الصحيحة للتأمين.

ومن الجدير بالذكر أيضاً أن مركزاً إعلامياً غير ربحي اسمه "شركة تأمينا" ومقره البحرين قد تأسس عام 2009 بدعم من وبالتعاون مع الهيئة المسؤولة عن التأمين في البحرين، وهي البنك المركزي (CBB)، واتحاد الصناعة المحلية (BIA)، وشركات تأمين إقليمية مثل ميدغولف وبضع شركات تأمين أخرى، و"تأمينا" هي شخصية كرتونية جذابة ومحبوبة لعلامة تجارية تروِّج بشكل جيد للتأمين عبر نشر كتب باللغة العربية تشرح للقارئ أبسط مبادئ التأمين، حيث يأمل مروجوها سد النقص الموجود في الوعي التأميني في المنطقة، وسرعان ما تحولت الطريقة الكرتونية البسيطة التي تبنتها "تأمينا" في شرح التأمين ومبادئه وأصنافه المختلفة وفوائده.. الخ إلى نقطة تحول لدى الكثير من الناس ممن لم يحاولوا يوماً فهم التأمين على المستوى الشعبي، وقد رحبت المدارس والجامعات بـ"تأمينا" في صفوفها، وكذا فعلت الكثير من الشركات، وربما يمكن وصف مبادرة "تأمينا" على أنها برنامج التوعية الحقيقي للمنطقة!

ومع تحول معظم الاقتصاديات باتجاه تبني برامج التأمين الصحي والتأمين على السيارات، ومع تحسن أطر العمل القانوني في بلدان كثيرة، وظهور اهتمام الكثير من اللاعبين الجدد في المنطقة، بمن فيهم العمالقة العالميون، يترتب على وسائل الإعلام مسؤولية ضخمة في ترويج الوعي السليم بخدمات ومنتجات التأمين بين الجمهور العريض عموماً، والزبائن الأفراد والشركات بشكل خاص.