تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
سور القلعة

تنوعت العلوم والفنون على مدى العصور وتطورت رويداً رويداً حيث كان لأجدادنا العرب نصيب كبير من الشهرة في مختلف المجالات والعلوم نذكر منها، على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، علوم الهندسة وعلوم الفلك والرياضيات والطب والصيدلة بالإضافة إلى مجموعة من العلوم الأخرى التي اكتسب العرب بها شهرة لا محدودة عبر العصور، حيث تشهد القلاع المتواجدة حالياً على امتداد الوطن العربي لخبرة أجدادنا المعمارية والهندسية من ناحية التصميم وجودة البناء وملاءمته للظروف المناخية كل بحسب موقعه.
تميزت هذه القلاع بعوامل الحماية اللازمة كالسور العالي المزود بفتحات مجهزة خصيصاً لرمي النبال وسكب الزيت المغلي ومثل الخندق المملوء بالماء لمنع الاقتراب من الأسوار ولتضيق المداخل على المهاجمين. لم تلهم الاحتياجات العسكرية المهتمين فقط بالفنون العسكرية وبعلوم الهندسة والمعماريين بل امتدت لنواحي أخرى نذكر منها على سبيل المثال مجال الرياضة، فتوزيع لاعبي كرة القدم المؤلفين من أحد عشر لاعباً في الملعب يشابه إلى حد ما فنون الدفاع العسكرية من ناحية الخطوط المتقدمة والأجنحة والتراجع لصد الهجمات، فمن منا لم يسمع في يوم من الأيام مقولة “أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم”؟.
لم يقتصر الإلهام الفني الهندسي والعسكري على ما تم ذكره سابقاً بل تعداه ليؤثر في علوم الإدارة، فساحة المعركة اليوم هي السوق والمتحاربين هم من يرغبون بالحصول على أعلى حصة سوقية والتأثير بالسوق من ناحية فرض شروط القائد (Leader) على المتنافسين وتوجيه بيئة العمل بالشكل الذي يساهم في تعزيز مكانة أصحاب المصلحة كافة وخاصة ذوي الحصة الأكبر. 
لقد انتقل التأثير من فكرة المنافسة والحصول على أعلى حصة سوقية إلى فكرة تعزيز الامكانيات الداخلية وترتيب البيت الداخلي وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية والأزمات التي عصفت بكافة القطاعات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم وانتشارعمليات الغش والاحتيال والتدليس التي أدت إلى خديعة الكثير ممن يتعاملون مع الشركات أو إلى تفاقم بعض أوضاع الشركات المالية وخروج بعضها من السوق والمنافسة أو حتى اختفائها لتبقى كعبرة أو كمثال يطرح على التلاميذ في الجامعات والمعاهد أو الدورات التدريبية.
لقد اكتشفت الشركات بأن هيكليتها تشابه إلى حد كبير هيكلية القلاع استناداً إلى مبدأ الحماية الكاملة لكافة موارد ومصادر الشركة والتمست هذه الشركات تشابهاً كبيراً بين الظروف التي تؤثر بالشركات والظروف المحيطة بالقلاع، فالاكتفاء الذاتي مطلوب بالقلعة كما في الشركات وإدارة الموارد تتطلب اهتماماً خاصاً بنفس القدر الذي تتطلبه إدارة موارد الشركات، كما أن تشكيل الحمايات والخطوط الدفاعية أصبح ضرورة ملحة للشركات كما كان سابقاً مطلوباً لحماية القلاع.
بات الكل مقتنعاً بأن حماية الأصول تتطلب إعلاء سور مشابه لسور القلاع من ناحية المبدأ وليس من ناحية التصميم فالحماية هي المبدأ والغاية والأخيرة تتطلب وسيلة مناسبة كتخصيص  الاحتياطيات الفنية والقانونية والمالية و وتلك الأخرى التي تستجد وفقاً للحاجة لها، فهدف الاحتياطيات تعزيز كفاية رأس المال التي أضحت الشغل الشاغل للشركات وخاصة المصارف وشركات التأمين للتأثير الكبير لمخاطر السيولة والائتمان والمخاطر التشغيلية على المركز المالي لهما.  
من هنا تشكلت فكرة وضع ميثاق عالمي يمثل لغة مشتركة بين كافة الأطراف ويرسي مبادئ الحماية الواجبة ليتم استخدامه من قبل المصارف وشركات التأمين، فبعد مشاورات عديدة وأوراق عمل صدر ميثاق بازل الأول تلاه ميثاق بازل الثاني ولغاية ميثاق بازل الثالث المتعلق بعمل المصارف وميثاق  Solvency 2  الخاص بعمل شركات التأمين، وبالتزامن مع هذه المواثيق بدأت فكرة الحوكمة، أي الإدارة الرشيدة، تسلك طريقها وتأخذ حيزاً في فكر رجال الأعمال وأصحاب المصلحة، فالإدارة الرشيدة تعني حماية ذاتية وضبط داخلي وتعني شفافية أكثر لمواجهة كافة الظروف من خلال مجموعات الحوكمة المستند العمل إليها.
مع استبعاد فكرة الحرملك والسلاملك لكون الجميع في العمل متساوون ولكل واحد دوره المطلوب منه ولكون روح الفريق يجب أن تطغى على الجميع، أضحت شركات التأمين والمصارف بفضل هذه المواثيق محاطة بسور كإحاطة السوار بالمعصم وتعمل بشفافية أكثر وتمتلك موقعاً مميزاً في الأنظمة الاقتصادية كما تتميز القلاع بموقعها وبسورها الذي يسمح للمطل  منه رؤية الجميع وتجعل لدى الناظرين إليها رغبة شديدة في معرفة ما يخفيه السور خلفه.
ماهر سنجر