تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
توقعات صندوق النقد الدولي في النمو الاقتصادي

أنشئ صندوق النقد الدولي في 25 كانون الأول 1944 بموجب اتفاقية ( بريتون- ودز) الموقعة في 22 تموز 1944 من حوالي 44 دولة آنذاك، وقد وصل عدد الدول الأعضاء في الصندوق هذه الأيام إلى 190 دولة أي اكثر دول العالم، وكانت نيويورك وما تزال منذ تأسيسه المقر الرئيسي للصندوق ، نظراً لأن بورصة نيويورك تشكل 2% من حجم البورصات العالمية.
واستناداً لذلك تم تحديد مفهوم لصندوق النقد الدولي كما يلي :
" مؤسسة نقدية دولية تعنى وتشرف على تحقيق الاستقرار في أسعار صرف العملات للدول الاعضاء، ومساعدة الدول المعسرة ( المدينة) في إصلاح الخلل في موازين مدفوعاتها بهدف تحقيق الاستقرار النقدي العالمي وتشجيع التبادل التجاري وزيادة معدلات النمو الاقتصادي ".
يوضح هذا المفهوم أهداف الصندوق ووظيفته في تحقيق الاستقرار النقدي العالمي من أجل تشجيع التبادل التجاري الذي يشجع الانتاج والتشغيل وتنمية وتطوير الاقتصاديات العالمية، وبشكل خاص اقتصاديات الدول النامية، التي هي بأمس الحاجة لمساعدات هذا الصندوق. ولبيان ذلك سوف نذكر أهداف الصندوق:
أولاً أهداف الصندوق :
نصت المادة الأولى من اتفاقية صندوق النقد الدولي على ما يلي :
1-    تشجيع التعاون النقدي الدولي عن طريق إيجاد مؤسسة دائمة تهيئ الوسائل المناسبة للتشاور والتعاون في حل مشاكل العالم النقدية.
2-    تحقيق الاستقرار في أسعار الصرف وفق القواعد المتفق عليها بين الدول وتجنب المنافسة في تخفيض أسعار الصرف، لأن تشجيع التجارة يتطلب استقرار أسعار الصرف. 
3-    اعتماد الدولار أساساً للعملات العالمية كي لا يحصل تعدد في أنظمة المدفوعات، فتصبح العملات بذلك خاضعة لمقياس موحد.
4-    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الإدارية لمعالجة العجز في ميزان المدفوعات، لأن تقلبات العجز واستمراره ستؤثر على أسعار الصرف التي تؤثر بدورها على مركز التجارة الدولية.
5-    إن تطور حركة التجارة الدولية  سيشجع على زيادة الإنتاج وتشغيل العمال، وتصنيع السلع الوطنية وزيادة الدخول ومن ثم زيادة معدلات النمو الاقتصادي التي هي هدف أي دولة، وهدف الصندوق معاً.

إن هذه الأهداف تبدو في ظاهرها نبيلة، وتسعى كل دولة  لتحقيقها، فالسؤال المطروح حالياً : هل استطاع الصندوق من خلال سياسته أن يحقق هذه الأهداف أو يساعد الدول الفقيرة في تحقيق أهدافها الوطنية؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من توضيح حجم الدول في الصندوق.

ثانياُ : الحصص والقوة التصويتية في الصندوق:
حددت المادة الرابعة من اتفاقية صندوق النقد الدولي القيمة التبادلية لأي عملة عالمية استناداً للمقياس الذي أقره الصندوق وهو:
" كل أونصة من الذهب = 35 دولاراً"
وزن الأونصة 31.1035 غراماً من الذهب فيكون وزن الدولار 0.888671 غراماً من الذهب، وقامت الدول بتحديد أسعار صرف عملاتها على هذا الأساس ودفع حصتها في الصندوق على هذا الأساس.
فكانت الحصص عند تأسيس الصندوق 8 مليون دولار، حيث بلغت حصة الولايات المتحدة الأميركية 2.750 مليون دولار أي ما يعادل 34%، أما اليوم فإن إجمالي الحصص وصل إلى 212.793 مليون وحدة حقوق سحب خاص أي ما يعادل 3.08 مليار دولار، تبلغ حصة الولايات المتحدة منها 8.2%، أما حصة الكبار ( الولايات المتحدة – بريطانيا – فرنسا – ألمانيا – اليابان) فتبلغ 39.931 مليون وحدة حقوق سحب أي حوالي 18% من الإجمالي (تبلغ قيمة وحدة حقوق السحب الخاصة 1.450 دولاراً) .
وتبلغ الأصوات حالياً 2.175440 صوتاً لكل الدول، وهذا يعني أن أي مشروع أو أي دولة تريد الحصول على المساعدات عليها أن تكون تابعة لسياسة هذه الدول التي تشكل القوة التصويتية.
أما الدول العربية  فإن حصتها في الصندوق تبلغ 15481 وحدة حقوق سحب خاصة أي حوالي 22447 مليون دولار، وهي تعادل 7.27 % من إجمالي الحصص أما عدد أصواتها فيبلغ 160.60 صوتاً تشكل 7.35% من إجمالي الأصوات.
 
-    مساعدة الدول المدنية : 
نصت المادة الأولى على تحديد أهداف الصندوق وركزت على ضرورة إصلاح الخلل في موازين المدفوعات بهدف تشجيع التجارة الدولية، والعجز في ميزات المدفوعات لا يكون في الدول المتقدمة نظراً لزيادة دخولها وزيادة صادراتها، بل يتركز في الدول النامية والدول الفقيرة، وهذا يعني أن مساعدات الصندوق يجب أن تتوجه في أكثرها للدول النامية للأسباب التالية:
1-    لإصلاح العجز الهيكلي والمزمن في ميزان المدفوعات في هذه الدول.
2-    إن إصلاح العجز  سيزيد من حجم صادرات وواردات هذه الدول فيتم تحقيق هدف آخر للصندوق وهو تشجيع التبادل التجاري الدولي.
3-    تحسين عمليات التصنيع في الدول النامية وتطويرها كي تزداد مستورداتها من الدول المتقدمة  وتتقارب معها في المستوى التقني فيتحقق بذلك التكامل الاقتصادي الدولي والاندماج في الاقتصاد العالمي.
4-    يتطلب  تحقيق شعار العولمة الذي تبناه الصندوق في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي تطوير اقتصاديات الدول الفقيرة وتطوير عائداتها الاستهلاكية من خلال المساعدات الاقتصادية والمساعدات الاجتماعية، لذا على الصندوق زيادة بل مضاعفة المساعدات للدول الفقيرة كي ترتقي اقتصادياً واجتماعياً وتدخل في قطار العولمة.
إن هذه الأسباب تفرض على الصندوق توجيه مساعداته للضعفاء اقتصادياً واجتماعياً بهدف تطوير إمكانياتهم ومساعدتهم في التصنيع وزيادة الانتاج الوطني الأمر الذي يؤدي لزيادة المدخول وتحسين مستوى المعيشة، لكن ما حدث منذ نشأة الصندوق إلى غاية اليوم كان مختلفاً تماماً كما سنرى.
الدكتور علي كنعان 

يتبع

تتمة
وصفة صندوق النقد الدولي ( شروط المساعدة والاقراض )
حتى تحصل أي دولة نامية أو عربية على المساعدات من الصندوق عليها الالتزام بتوجهات الصندوق الليبرالية التي تدفع الدولة إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي وتتضمن هذه الشروط مما تتضمنه الغاء الاقتصاد الوطني والاستقلال الاقتصادي  وتسهيل دخول رأس المال الاجنبي كما يلي :
1-    الغاء الدعم السلعي المخصص لتخفيض أسعار السلع الاستهلاكية مثل ( الخبز – السكر – الزيت – الارز – الدقيق – الشاي – وغيرها )
2-    رفع أسعار الطاقة لكي تصبح قريبة من الاسعار العالمية 
3-    زيادة أسعار الضرائب المفروضة على السلع والمنتجات ( الضرائب غبر المباشرة ) مما يؤدي لارتفاع الاسعار فيخفض مستوى المعيشة للافراد 
4-    زيادة أسعار مبيعات منتجات القطاع العام حتى تصبح قريبة من الاسعار العالمية فيحجم الافراد عن شراءها فتتكدس في المستودعات ( افلاس القطاع العام )
5-    زيادة أسعار ورسوم الخدمات العامة بهدف زيادة الواردات الحكومية 
6-    بيع أو تأجير أو استثمار مؤسسات القطاع العام ( توجه الخصخصة )
7-    ايقاف التوظيف الحكومي وتسريح الفائض من موظفي القطاع العام بهدف تخفيض النفقات العامة 
8-    ايقاف الاستثمار الحكومي في القطاع العام وذلك لافساح المجال للاستثمار الخاص أو الاستثمارات الاجنبية 
9-    رفع أسعار الفائدة لتصبح قريبة من أسعار الفائدة العالمية 
10-    تشجيع الاستثمار الاجنبي والسماح بدخول الشركات متعددة الجنسيات للعمل والاستثمار في اقتصاديات الدولة النامية 


ان هذه الشروط المالية والنقدية والاستثمارية التي يفرضها الصندوق سوف تخفض كثيراً من حجم الاستقلال الاقتصادي ، وسوف يصبح القرار الاقتصادي بين الشركات الاجنبية ، فإذا طبقت الدول النامية او العربية هذه الشروط هل تحصل على المساعدات والقروض لكي تطور اقتصادياتها ؟

مساعدات الصندوق :
- حصلت بريطانيا عام 1956 على مساعدات من الصندوق بحدود 2 مليار دولار وهي تعادل ما حصلت عليه الدول النامية منذ عام 1945 وحتى عام 1980 .
- حصلت الدول المتقدمة على قروض من الصندوق حتى عام 1971 بحدود 6.9 مليار دولار في حين حصلت الدول النامية ( المحتاجة) خلال نفس الفترة على  3.9 مليار دولار .
- حصلت اليونان في الفترة الاخيرة عام 2012 على قروض اجمالية بقيمة 40 مليار دولار اميركي نصفها من أوروبا و20 مليار من الصندوق .
- تحتاج الدول العربية الفقيرة إلى مساعدات تصل ل 54.9 مليار دولار حسب دراسة خبراء الصندوق وهي ( المغرب – تونس – مصر– السودان – الاردن – فلسطين – سورية – لبنان ) فهل قدم الصندوق نصف ما قدمه لليونان ؟
- بلت ديون الدول النامية حوالي 3 ترليون دولار عام 2009 وتصل حالياً إلى 5 ترليون دولار وهي تعادل 8.3% من حجم الناتج العالمي البالغ 60 ترليون دولار فهل يساعد الصندوق هذه الدول ؟ سواء في شروط الاقراض أو في خدمة الدين ؟

بالطبع لا يقدم الصندوق المساعدات والقروض للدول النامية كما هو الحال في الدول المتقدمة ، فالدول النامية اقترضت حتى الآن ما يعادل 5 ترليون دولار من المؤسسات المالية الدولية والمصارف التجارية الاوروبية والاميركية وحكومات الدول المتقدمة ، في حين لا تتجاوز قروضها من الصندوق اكثر من 10 % أي 500 مليار دولار بينما قدم الصندوق لليونان دفعة واحدة 20 مليار دولار وما يزال يقدم للدول الاوروبية أمثال اسبانيا – ايطاليا – البرتغال- رومانيا – بلغاريا – بولوندا وغيرها القروض والمساعدات بسخاء .
وكما ذكرنا فأن الدول العربية الفقيرة تحتاج إلى 54.9 مليار دولار ، ولم يوافق الصندوق على ذلك وما زال يؤجل البت تجاه هذا القرض .
                                                                                                                          الدكتور علي كنعان 


                                                       يتبع