تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
تحديد مبلغ التأمين في وثائق الحريق


يعد التأمين ضد أخطار الحريق من التأمينات العريقة، والأكثر انتشاراً بين أنواع التأمين الأخرى، وقد عُرف هذا النوع من التأمين قبل مئات السنين. وواكب التطور الحضاري، واكتسب أهميته من بزوغ فجر الثورة الصناعية في أوروبا باعتباره أحد أفضل وسائل ضمان رأس المال، ولايزال موضع اهتمام المستثمرين والبنوك وشركات التأمين على حد سواء.
ولعل من المناسب هنا أن نشير إلى العناصر الواجب توافرها في الحريق ليكون مشمولاً بالتغطية الممنوحة بموجب وثيقة التأمين ضد خطر الحريق. لكي لا يكون الباب مفتوحاً على المعنى اللغوي للكلمة: وجوب حدوث اشتعال أو لهب، وجوب انتقال اللهب من مكانه الطبيعي إلى مكان آخر ما كان يجوز وجوده فيه. وجوب أن يكون الحريق عرضياً أي غير مقصود أو متعمد.
ومع ذلك فليس كل حريق مشمولاً بالتغطية التأمينية، إذ يتوقف ذلك على السبب المباشر يقع ضمن الأخطار المستثناة صراحة في نص الوثيقة، فإنه يقع خارج حدود مسؤولية شركة التأمين، ولا يمكن مطالبتها بالتعويض عن الخسائر الناجمة عن حريق كهذا، ومثال ذلك الحريق الناجم بموجب الوثائق التي تستثني هذه الأخطار من نصها.
ويجدر أن نشير هنا إلى أن التغطيات الممنوحة بموجب وثائق التأمين من خطر الحريق قد اتسعت بمرور الزمن لتغطي الخسائر والأضرار التي تلحق بالأعيان المؤمَّنة والناجمة عن انفجار الأجهزة والمعدات التي تشكل جزءاً من الأعيان المؤمَّنة أو الزوابع والعواصف غير الاعتيادية أو ارتطام المركبات أو السفن أو سقوط الطائرات أو تسرب المياه من الأنابيب أو الأجهزة المنزلية أو الزلازل أو أعمال الشغب وأخطار أخرى يمكن أن تتعرض لها الأعيان موضوع التأمين.
وعلى الرغم من أن مبدأ "منتهى حسن النية" هو أحد أهم المبادئ التي يقوم عليها التأمين مبدأ الثقة هذا ليس بمنأى عن شوائب تعكر صفوه وتتسبب بها الخلافات بين شركات التأمين وجمهور المؤمَّن لهم عند تحقق الخطر واستحقاق التعويض الذي يختلف طرفا العقد في تقديره اختلافاً قد يكون بيناً، حيث يستدعي اللجوء إلى ساحات القضاء للبت فيه ولأن كثيراً من الخلافات تنشب بسبب الاختلاف على مدى مطابقة مبلغ التأمين في وثائق الحريق عن القيمة الفعلية للأعيان المؤمَّنة؛ فإننا سنحاول إلقاء الضوء على كيفية احتسابه لضمان تلافي أشكاله نقصه أو زيادته عن القيمة الحقيقية اللازم التأمين على أساسها.
لمبلغ التأمين ثلاث وظائف أساسية هي: يجب على المبلغ أن يمثل القيمة الفعلية للممتلكات المنوي تأمينها عند بدء التأمين، هذا المبلغ هو الأساس في احتساب قسط التأمين، وهو الأساس في احتساب التعويض في حالة تحقق الخطر، ويمثل حالة تحقق الخطر، ويمثل الحد الأعلى لمسؤولية الشركة.
ويجدر هنا أن نؤكد أن احتساب هذا المبلغ هو من مسؤولية المؤمَّن له، يتولاه بنفسه أو يعهد به إلى أحد خبراء تقييم الممتلكات ولا يقع ضمن عمل شركة التأمين.

كيف يتم تحديد المبلغ الواجب التأمين عليه:
تختلف طريقة تحديد مبلغ التأمين تبعاً لنوع وثيقة التأمين حسب طبيعة الأصل المراد تأمينه: أصول ثابتة أو بضاعة.

تأمين الأصول الثابتة

وثيقة التأمين الاعتيادية
وثيقة التأمين ضد خطر الحريق هي في الأصل عقد تعويض تهدف إلى وضع المؤمَّن له بعد الخسارة في المركز ذاته الذي كان عليه قبل وقوعها بشرط كفاية مبلغ التأمين مع مراعاة شروط وثيقة التأمين الأخرى مثل شمول التأمين للخطر المسبب للخسارة والأشياء المتضررة ومبلغ التحمل المنصوص عليه في الوثيقة ووجود وثائق أخرى واقتصار التعويض على الأضرار المادية المباشرة للأشياء المبينة في الجدول من دون أن يمتد ذلك إلى الخسائر التبعية، وعليه فإن مبدأ التعويض يهدف إلى تمكين المؤمَّن له من إحلال أصوله المتضررة بأخرى مماثلة من حيث النوع والكفاءة والعمر، أما إحلال الأصل القديم بآخر جديد بفرض إثبات عناصر أخرى فيعني حصول المؤمَّن له على منفعة بحصوله على أصل ذي عنصر إنتاجي (منفعة) أطول من الأصل المتضرر لأن هذا يعني استبدال جديد بقديم في حين أن التزام شركة التأمين هو إحلال قديم بقديم ولما كان إحلال الأصل المتضرر بآخر مشابه له تماماً من كل الجوانب قد لا يكون ممكناً عملياً، وحيث إن قيمة الأصل تتناقص مقابل الاستعمال، فإن الإجراء العملي هو قياس قيمة الأصل قبل الحادث مباشرة بعدد من الوحدات النقدية وتعويض المؤمَّن له نقدياً.
ومن المتوقع أن يكون مبلغ التعويض كافياً لتمكين المؤمَّن له من إحلال الأصل المتضرر بآخر مشابه له إذا كان هناك ثبات بالأسعار، غير أن تغيير الأسعار من سنة لأخرى (بسبب التضخم أو اختلاف أسعار تحويل العملات) قد لا يمكن المؤمَّن له من ذلك وخاصة إذا كان يعتمد مبدأ التكلفة التاريخية أو القيمة الدفترية عند تحديد مبلغ التأمين.

طريقة تحديد المبلغ الواجب التأمين عليه
يكون احتساب مبلغ التأمين على أساس الكلفة المتوقعة لاستبدال الأصل خلال مدة التأمين والإحلال، ناقصاً الاستهلاك بالنسب المتعارف عليها عن مدة الاستعمال ولا يكفي لاحتساب المبلغ الواجب التأمين عليه معرفة أو تقدير كلفة الاستبدال عند بدء التأمين فقط، بل يجب إضافة نسب التضخم المتوقعة خلال السنة التأمينية وخلال فترة الاستبدال أيضاً (إن وجدت) وبخلاف ذلك فإن مبلغ التأمين لن يكون كافياً ولا يحصل المؤمَّن له على تعويضه كاملاً ولابد من النص صراحة على ما يقابل نسب التضخم المتوقعة خلال مدة التأمين وفترة الاستبدال في وثيقة التأمين ليتم التعويض عنهما.

قياس وتحديد مبلغ التعويض
يكون احتساب ودفع مبلغ التعويض طبقاً للأسس ذاتها التي احتُسب بموجبها مبلغ التأمين، فإذا كان احتساب مبلغ التأمين طبقاً لما ورد أعلاه؛ فإن الشركة تكون مسؤولة عن دفع تكاليف التصليح (للأضرار الجزئية) وكلفة الاستبدال (للأضرار الكلية) بعد خصم الاستهلاك بالنسب المتعارف عليها منذ امتلاك الأصل جديداً وحتى تاريخ الحادث.

وثيقة الحريق الاستبدالية
تصبح الوثيقة الاعتيادية وثيقة استبدالية إذا أضيف لها شرط “التأمين على أساس القيمة الاستبدالية” ويعد هذا التأمين خروجاً على مبدأ التعويض الذي سبقت الإشارة إليه إذ تمتد مسؤولية شركة التأمين لتشمل تعويض المؤمَّن له عن الاستهلاك والاندثار في قيمة الأصل وندفع للمؤمَّن له قيمة إعادة الأصل إلى حالته السابقة إن كان جديداً، ولكن بشرط ألا يكون أفضل منه، أو ذا ميزات أكثر، ومن المسلّم به أن المؤمَّن له يوضع بشكل أحسن مما كان عليه قبل وقوع الخطر المؤمَّن منه، لذلك تشترط هذه الوثيقة قيام المؤمَّن له بإعادة الأصل المتضرر إلى حالته السابقة بتصليحه خلال فترة معينة فإذا امتنع المؤمَّن له عن القيام بالتصليح أو الاستبدال، فإن مبدأ التأمين الاستبدالي يعد ملغى، ويتم قياس وتحديد مبلغ التعويض طبقاً للوثيقة الاعتيادية.

طريقة تحديد المبلغ الواجب التأمين عليه
يجب احتساب مبلغ التامين على أساس الكلفة المتوقعة لاستبدال الأصل من دون خصم أي استهلاك مقابل الاستعمال.

قياس وتحديد مبلغ التعويض
إذا احتسب مبلغ التأمين بالطريقة الواردة أعلاه (ما يعني كفاية مبلغ التأمين) فإن شركة التأمين تكون مسؤولة عن تعويض المؤمَّن له.
_ في حالة الخسارة الجزئية: عن جميع تكاليف تصليح الضرر من دون خصم أي استهلاك.
_ في حالة الخسارة الكلية: عن كلفة إعادة استبدال الأصل من دون خصم أي استهلاك.

الوثيقة المحدودة القيمة
وطبقاً لهذه الوثيقة يعتمد المبلغ المتفق عليه أساساً لتسوية التعويض، ويعني هذا اعتراف شركة التأمين بأن المبلغ المؤمَّن به يمثل القيمة الفعلية للشيء المؤمَّن عليه بشكل غير قابل لإثبات العكس.
وتناسب هذه الوثيقة حالة التأمين على الأشياء النفيسة والنادرة والأعمال الفنية والأشياء التي تكمن قيمتها في تقدير صاحبها لها وليس في القيمة السوقية لها.

تأمين البضائع التجارية
البضائع المشتراة ـ المستردة
لما كان القسم الأعظم من بضائع التجارة موضع تغير وتبدل دائمين بسبب التقدم العلمي والتقني المستمر ما يعني عدم توافر السلعة ذاتها مدة طويلة بسبب تغير خطوط الإنتاج أو المواد المستخدمة في إنتاجها؛ فلا يمكن تأمينها على أساس القيمة الاستبدالية، وعلى المؤمَّن له أن يختار إحدى الطرق التالية للتأمين على بضائعه:

طريقة التكلفة التاريخية
ويقصد بها التكلفة الفعلية التي أنفقها المؤمَّن له حتى وصول البضائع إلى مخازنه فقط، وتشمل المصاريف البنكية والرسوم الجمركية ومصاريف النقل على أن يخصم من التكلفة أي خصومات من السعر تم الحصول عليه من المورد، وعند تعدد عمليات الشراء للبضاعة ذاتها يكون التأمين ومن ثم تعويض كل كمية مشتراة على أساس تكلفتها الخاصة بها، أو على أساس معدل تكلفة البضاعة الموجودة لدى المؤمَّن له قبل الحادث مباشرة.

طريقة أخرى
وهنا يمكن التأمين على البضائع المتبقية لدى المؤمَّن له من شحنات أو مشتريات سابقة والكميات المشتراة حديثاً على أساس آخر التكلفة الفعلية لآخر كمية مشتراة. وعند حصول خسارة مؤمَّن عليها يكون التعويض عنها على أساس آخر تكلفة لكل الكمية المشتراة، ومن الضروري أن يختار المؤمَّن له الطريقة التي يريد التأمين على أساسها، وفي غياب مثل هذا التحديد يحسب التعويض على أساس التكلفة التاريخية وفي جميع الحالات يكون التعويض عن البضائع الراكدة (قليلة الدوران) بنسبة من تكلفتها.

البضائع المصنعة أو قيد التصنيع
يجب تحديد مبلغ تأمين البضائع المصنعة على أساس تكلفة تصنيعها حتى وصولها إلى مخازن المؤمَّن له من دون إضافة أي هامش للربح، وعندها تكون شركة التأمين مسؤولة عن تعويض المؤمَّن له عن تكلفة التصنيع فقط، كما تكون مسؤولة في حالة البضاعة تحت التصنيع عن دفع التكاليف المصروفة عليها حتى حدوث الخسارة. هذا ويمكن في حالة البضائع النمطية (التي يطول إنتاجها فترة طويلة) والتي تتجه أسعارها نحو الارتفاع أن يتم الاتفاق على تأمين كلفتها الفعلية أو مبلغ معين يمثل التضخم المتوقع خلال مدة التأمين وذلك كله بشرط استمرار المؤمَّن له في مزاولة نشاطه المعتاد.

الآثار التي تترتب على عدم كفاية مبلغ التأمين
على المؤمَّن له أن يحدد المبلغ المراد التأمين عليه بدقة وعناية وأن يختار الوثيقة التي تناسب احتياجاته ونظامه المحاسبي، فإذا ثبت وقت حصول الخسارة أن مبلغ التأمين الظاهر في الوثيقة يقل عن القيمة الفعلية للممتلكات المؤمَّنة؛ فلن يحصل المؤمَّن له على تعويض إلا بنسبة المبلغ المؤمَّن عليه إلى القيمة الفعلية، وذلك تطبيقاً لشرط "القاعدة النسبية" والذي ينص على أنه (إذا تبين حين وقوع حادث مضمون أن القيمة الفعلية للممتلكات المؤمَّن عليها تتجاوز المبلغ المؤمَّن به فإن المؤمَّن له يعد بمنزلة المؤمِّن الشخصي على الفرق بين القيمتين ويتحمل في هذه الحالة حصته من الهلاك أو الضرر الحاصل بصورة نسبية).

ولعل هذا المثال التالي يوضح المقصود بهذا الشرط
إذا قام المؤمَّن له بالتأمين على ممتلكات قيمتها الفعلية 200.000 ليرة بمبلغ تأمين قدره فقط 100.000 ليرة تجنباً لدفع القسط الواجب على القيمة الفعلية.
فإنه في هذه الحالة يكون كمن يؤمِّن على نصف هذه الممتلكات فقط، وعليه أن يتحمل أعباء الأخطار التي يتعرض لها النصف الآخر، ولذا فإنه إذا ما واجه خسارة قيمتها 30.000 ليرة فإن مبلغ التعويض المستحق يحتسب كما يلي
التعويض = الخسارة * مبلغ التأمين/ القيمة الفعلية للأعيان المؤمَّنة

التعويض = 30.000*100.000/200.000= 15.000 ليرة فقط، وعليه أن يتحمل باقي مبلغ الخسارة البالغ 15.000 ليرة.