تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
مفهوم الملاءة المالية في شركات التأمين

 

كتاب إدارة أخطار شركات التأمين / الدكتور عيد أحمد أبو بكر

ليس من السهل وضع تعريف محدد للملاءة المالية يلقى قبولاً عاماً لدى الأفراد والمؤسسات المالية، ولذا تتعدد المفاهيم المختلفة للملاءة المالية، ويمكن التعرف إلى مفهوم الملاءة المالية من خلال وجهات النظر التالية:
1- يقصد بالملاءة المالية –بصفة عامة– قدرة إيرادات الشركة بما في ذلك عائد الاستثمار على تغطية التكاليف المختلفة، أو بمعني آخر القدرة على مواجهة الالتزامات في مواعيد استحقاقها، وفي صناعة التأمين تعد الملاءة المالية هي الأساس الذي يقوم عليه مستقبل صناعة التأمين، ويعبَّر عنها بتوافر أصول كافية لمواجهة الالتزامات المالية لهذه الشركات.
2- الملاءة المالية لشركات التأمين تعنى "احتفاظ الشركة بالقدرة على مقابلة التزاماتها وفقاً لتواريخ استحقاقها" وحيث إن بعض الالتزامات تنتج عن العمليات الحالية، وسوف تسوى بعد عدد من السنوات في المستقبل، ما يؤكد ضرورة الحاجة إلى السيولة بصفة مستمرة واحتياطات الخسائر الكافية، ومعدلات السعر المناسبة.
3- الملاءة المالية تعني "القدرة المالية لشركة التامين على سداد التزاماتها تجاه حملة الوثائق في مواعيدها المقررة، ويتم قياسها عن طريق إيجاد الفرق بين الأصول والخصوم الواردين في الميزانية المجمعة لشركة التأمين بعد إعادة التقييم.
4- الملاءة المالية تعني "القدرة على مقابلة الالتزامات المالية في مواعيد استحقاقها" وبعض المؤسسات المالية -مثل البنوك وشركات التأمين– تخضع لاختبارات اليسر المالي المحددة والمفروضة من هيئات الإشراف والرقابة (المؤسسات القانونية).
5- يرى البعض أن الملاءة المالية لشركة التأمين يقصد بها قوة ومتانة مركزها المالي، وبذلك يمكن القول إن شركة التأمين ليست في حالة عسر مالي في سنة ما إذا ما زادت الأقساط المحصلة إضافة إلى صافي الدخل من الاستثمارات عما تدفعه الشركة من مطالبات ومصروفات وأرباح.
6- يحدد البعض الملاءة المالية في شركات التأمين وشركات إعادة التأمين بمقدرة هذه الشركات على الوفاء بالتزاماتها كاملة عند المطالبة بها، ومدى استعداد وقدرة تلك الشركات لدفع مبالغ التعويضات الكبيرة فوراً ومن دون أن تؤدي عملية السداد إلى تعثرها أو توقفها أو إفلاسها.
ومع ذلك فان التعاريف السابقة لا تفسر كلياً الملاءة المالية لشركات التأمين، لأنها إذا عجزت عن معرفة الاحتياجات (المتطلبات) القانونية، فإن شركة التأمين يجب أن تحتفظ على الأقل بمستوى إجباري أو مفروض من صافي الثروة، ومن الناحية القانونية فإن شركة التأمين تكون في حالة ملاءة مالية فنية إذا كانت صافي الأصول المعترف بها تزيد على الالتزامات بما يعادل هامشاً يساوي على الأقل الحد الأدنى لرأس المال أو الحد الأدنى للفائض الذي يتطلبه القانون.
ولأغراض الإدارة في شركات التأمين، فإن تعريف الملاءة المالية الذي يمكن تطبيقه أو العمل به يمكن الحصول عليه من خلال تركيبة من التعاريف السابقة، وبذلك فإن الملاءة المالية لشركات التأمين تعني الحالتين معاً:
* إن الأقساط المحصَّلة من المتوقع أن تكفي لتسوية الخسائر المتوقعة، ومقابلة كل مصروفات التشغيل والعمليات.
* الاحتفاظ بأصول معترف بها تكفي التغطية الالتزامات المطلوبة، ومع وجود هامش أمان يساوي على الأقل المتطلبات القانونية لصافي الثروة.

بعض المفاهيم المرتبطة بالملاءة المالية:
هناك بعض المفاهيم المرتبطة بالملاءة المالية مثل:
1- اليسر المالي:
قد عرف البعض اليسر المالي على أنه مرادف للملاءة المالية، وأنه قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها، وينقسم اليسر المالي إلى قسمين:
اليسر المالي الفعلي أو الحقيقي أو القانوني: وهي يعني قدرة المنشأة على سداد جميع التزاماتها تجاه الغير، وذلك فيما إذا قامت بتصفية أصولها تصفية فعلية، وهذا يتعارض مع مبدأ استمرار المنشأة وبقائها في ميدان الأعمال.
اليسر المالي الفني: وهو يعني قدرة المنشأة على الوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل من خلال أصولها السائلة، وهذا النوع يعد الأكثر ملاءمة لمبدأ استمرارية المنشأة، وعلى ذلك فإن المنشأة قد تكون في حالة يسر مالي فعلي في حين أنها تعاني حالة عسر مالي فني، وعلى العكس قد تكون المنشأة في حالة يسر مالي فني، ولكنها في واقع الأمر في حالة عسر مالي فعلي، حيث إن أصولها في التصفية لا تكفي لتغطية وسداد التزاماتها تجاه الدائنين والملاك.

2- العسر المالي:
قد يُستخدم لفظ العسر المالي بوصفه حالة عكسية لليسر المالي والذي يعني:
عدم القدرة على مقابلة الالتزامات المالية في مواعيد استحقاقها، وعدم القدرة على مقابلة اختبارات اليسر المالي المحددة والمفروضة من المؤسسات الحكومية.
وينقسم العسر المالي إلى قسمين:
العسر المالي الفني: والذي يعني عدم قدرة المنشأة على الوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل، وتتحدد هذه الحالة بأنها النقطة التي عندها لا تستطيع إيرادات المنشأة سداد التزاماتها الحالية والمستقبلية في الأجل القصير.
العسر المالي القانوني: والذي يعني عدم قدرة المنشأة على الوفاء بجميع التزاماتها تجاه الغير سواء كانت قصيرة أو طويلة الأجل.

3- الفشل المالي:
قد يستخدم البعض لفظ الفشل المالي كمرادف لحالة العسر المالي الحقيقي أو القانوني، والتي تعني عدم قدرة المنشأة على مواجهة وسداد التزاماته المستحقة للغير بكامل قيمتها، حيث تكون أصول المنشأة أقل في قيمتها الحقيقية من قيمة خصومها، الأمر الذي يصل بالمنشأة في أغلب الحالات إلى حالة الإفلاس، وفي حقيقة الأمر،  أن حالة الفشل المالي لا تحدث بشكل مفاجئ، ولكنها تعكس الناتج النهائي لمجموعة من التراكمات والمضاعفات والتي تبدأ من موقف معين وبدرجة معينة من درجات نقص السيولة والتي تتطور في حالة عدم الاهتمام بها من وضع سيئ إلى وضع أكثر سوءاً إلى أن تصل إلى حالة الفشل المالي.
وتعد حالة العسر المالي الفني المقدمة الحقيقية لحالة الفشل المالي، ويقصد بالفشل المالي الفني عدم قدرة المنشأة على الوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل التي تنشأ من الانخفاض الجوهري في الرصيد النقدي المتاح للمنشأة واللازم لدفع العناصر المتعددة والمكونة لحالة العسر المالي الفني.
بينما لم يفرق البعض بين الفشل المالي والعسر المالي، حيث يُعرَّف الفشل المالي بأنه عدم قدرة المنشأة على الوفاء بالتزامات الديون وأقساطها في المواعيد المقررة للدائنين، وبذلك يعد الفشل المالي أولى خطوات تعرّض المنشأة للعسر المالي الفني أو القانوني، وتتزايد درجة الفشل المالي مع تزايد درجة العسر المالي، كما أن وجود العسر المالي ينبئ عن وجود الفشل المالي في المنشأة.

أهمية الملاءة المالية في شركات التأمين
إن الملاءة المالية لشركات التأمين تهم كلاً من هيئات الإشراف والرقابة على التأمين وإدارة الشركة ذاتها، وينبع الاهتمام من كلا الجانبين من حقيقة مؤداها أن أغلب أموال شركات التأمين تخص حملة الوثائق، وهذه الفئة (حملة الوثائق) لا المنشورة عن هذه الشركة في سنة ما، وبناء على ذلك تقوم هيئات الإشراف والرقابة باتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها حماية حقوق حملة الوثائق من الخسائر التي تترتب على تعرض شركة التأمين للعسر المالي، ويشمل ذلك اشتراط حد أدنى لرأس المال والاحتياطيات، وكذلك وضع ضوابط لاستثمارات هيئات التأمين، إضافة إلى إجراء الفحص الدوري لحسابات هيئات التأمين، وتعد قوة ومتانة المركز المالي لشركة التأمين في غاية الأهمية للأطراف التالية:
1- حاملو وثائق التأمين الذين يهمهم قدرة شركة التأمين في المستقبل على الوفاء بالتعهد الذي قطعته على نفسها في وثيقة التأمين.
2- المستثمرون أو حاملو الأسهم الذين يهمهم أن تحتفظ الأسهم بقيمتها، أو تحقيق الزيادة في هذه القيمة إضافة إلى صرف الكوبونات التي وعدوا بها.
3- الموظفون في الشركة الذين يهمهم الاستمرار في العمل مع الحصول على رواتبهم، وهذان العاملان يمكن أن يتأثر أحدهما أو كلاهما إذا أفلست شركة التأمين أو واجهتها صعوبات مالية.
4- متانة المركز المالي لشركة التأمين تهم الإدارة العليا في الشركة ويؤثر في سمعتها وفرص عملها بالمستقبل لدى هذه الشركة أو الشركات الأخرى.
5- شركات التأمين الأخرى التي يمكن أن تتأثر بما يحدث لإحدى الشركات من إفلاس وأثره في سوق التأمين بصفة عامة، فقبل الإفلاس مباشرة تحاول الشركة إغراء المستأمنين ببيع وثائق التأمين بمستوى أقل من الأسعار، أما بعد إفلاس الشركة فإن الوثائق التي كانت لديها يتم توزيعها على الشركات التي مازالت قائمة.
6- معيدو التأمين الذي يتأثرون بواحد أو أكثر من الصور الآتية:
* ظهور صعوبات في جميع أقساط إعادة التأمين.
* رغبة معيدي التأمين في التدخل أثناء تسوية المطالبات.
7- الحكومة بوصفها مشرفة على الهيئات الاقتصادية في الدولة يهمها أن تعمل هذه الهيئات بسهولة في سوق التأمين، وسوف تتأثر بما يصيب الأفراد نتيجة عدم قدرة شركة من شركات التأمين على الوفاء بالتزاماتها.
8- هيئات الإشراف والرقابة التي على عاتقها التنبؤ بما يمكن أن يحدث من إفلاس لإحدى شركات التأمين العاملة في السوق.
مما سبق تعد حماية حقوق حملة الوثائق أحد الأهداف الأساسية للإشراف والرقابة على هيئات التأمين، وذلك من منطلق عدم قدرة حاملي وثائق التأمين على الحكم على مدى متانة المركز المالي لهيئات التأمين العاملة بالسوق، إلا أنه مازال هناك الكثير من حاملي وثائق التأمين لا يعلمون حتى بوجود مثل هذه الهيئات، ما يلقي عبئاً أكبر على هيئات الإشراف والرقابة في التأكد من قدرة شركات التأمين على الوفاء بالتزاماتها عند تحقق الخطر.

العوامل المؤثرة في الملاءة المالية لشركات التأمين:
إن أهم العوامل التي تؤثر في الملاءة المالية لشركات التأمين تتمثل في:
1- السياسة الاكتتابية السليمة وتحقيق عائد تأميني مناسب:
ويقصد بالسياسة الاكتتابية السليمة انتقاء الخطر بكل عناية، حيث تقبل الأخطار الجيدة ولا تقبل الأخطار الرديئة، أو تضع شروطاً للاكتتاب في الأخطار الرديئة، إلى جانب تحديد القسط التأميني الكافي القائم على أسس علمية وفنية سليمة، حيث يكون كافياً لتغطية الخطر المؤمَّن عليه، وكذلك تغطية المصروفات الأخرى (عمولات الإنتاج، المصروفات الإدارية والعمومية) مع تحقيق هامش ربح معقول، والهدف النهائي هو تحقيق ربح تأميني صاف.
2- السياسة الاستثمارية السليمة لشركة التأمين:
لا تقل أهمية السياسة الاستثمارية لشركة التأمين سواء التي تزاول عمليات تأمينات الممتلكات والمسؤولية أو عمليات تأمينات الحياة عن سياستها الاكتتابية الواعية الخاصة بدراسة الخطر وتحديد القسط المناسب، حيث يتمثل الدور الرئيس للاستثمار في أنه يقلل من المخاطر الكلية لشركة التأمين عن طريق المشاركة مع قسط التأمين في تغطية المتطلبات المختلفة والعمولات والمصروفات الإدارية الأخرى، ما يتبقى بعد ذلك يوجَّه لتكوين الاحتياطيات الحرة والمخصصات المختلفة الكفيلة بتدعيم المركز المالي للشركة.
3- سياسة الشركة السليمة في اختيار معيدي التأمين:
الهدف الرئيس من إعادة التأمين هو السماح لشركة التأمين بالاستجابة لرغبات المستأمنين عندما تكون هناك حاجة لتغطية مخاطر بمبالغ كبيرة أو مخاطر جديدة من الصعب تحملها، لأنها من المخاطر الجسيمة التي لا يمكنهم قبولها إلا بعد الرجوع إلى معيدي التأمين المتخصصين، كما تقدم إعادة التأمين إلى شركة التأمين الحماية اللازمة لعدم تأثر إنجازاتها الاكتتابية والمالية للنتائج السلبية أو للأحداث غير المتوقعة، وبذلك فإن سياسة الشركة السليمة في هذا المجال تخدم موقفها المالي السليم القادر على أداء التزاماتها تجاه الغير.
4- سياسة الشركة السليمة في إدارة أموالها:
يقصد بها تنظيم تدفق الإيرادات والمدفوعات عن طريق إدارة سليمة للأموال، وهي من الأمور التي يجب أن تهتم بها شركة التأمين، حيث إنه عن طريق الإدارة السليمة لأموالها يمكنها أن تحدد حجم الأموال المتاحة للاستثمار في الوقت المناسب.