تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
ثقافة تأمينية
المخاطر المختلفة التي تتعرض لها المشاريع والمنشآت عموماً وأهمية التأمين عليها

تتعرض أغلب المشاريع والمنشآت مهما كان حجمها (صغيرة، متوسطة، كبيرة) أو طبيعتها (صناعية، زراعية، خدمية، تجارية) أو تبعيتها (حكومية، خاصة، تعاونية، مشتركة) إلى مجموعة من المخاطر والصعاب التي يجب أن يضعها أصحاب المشاريع أو الجهات المكلفة إدارتها نصب أعينهم قبل بدء تنفيذ المشروع وأثناء التنفيذ. إذ عليهم أن يتنبؤوا بتلك المخاطر والمشاكل التي قد تتعرض لها مشاريعهم عند دراسة تلك المشاريع، وأن يضعوا الخطط المناسبة لتلافي تلك المخاطر قبل وقوعها... ولعل من أهم ما يمكن أن يفكر به القائمون على تلك المشاريع موضوع التأمين على المخاطر والكوارث المحتمل وقوعها على مشاريعهم أو على الأشخاص العاملين فيها.

 

وفي البدء لنلقي نظرة سريعة على مفهوم المخاطر وأنواعها، ومن ثم نتطرق إلى آليات مواجهة تلك المخاطر من خلال التأمين وغيره.

 

مفهوم المخاطر أو الأخطار:

 

المخاطر أمر لابد منه، ولا يكاد يخلو مشروع من أخطار يتوقع وقوعها عليه عاجلاً أم آجلاً. والمخاطر طبعاً هي غير المخاطرة رغم أن هناك خلطاً لدى الباحثين بين مفهومي المخاطر والمخاطرة؛ فالمخاطر هي الأضرار أو الكوارث أو الأخطار التي يتوقع أو يحتمل حدوثها مستقبلاً للمشروع وتتسبب في خسائر مادية له، وتعني اقتصادياً حالة عدم التأكد أو عدم التيقن من النتائج. أما المخاطرة فتعني المجازفة أو المغامرة في إقامة ذلك المشروع من أساسه رغم حساسيته لوجود العديد من المخاطر التي قد يتعرض لها مستقبلاً. وعرَّفها أحد الاقتصاديين بأنها “ظاهرة أو حالة معنوية أو نفسية تلازم الشخص عند اتخاذ القرارات أثناء حياته اليومية، وما يترتب عليها من ظهور حالات الشك أو الخوف أو عدم التأكد من نتائج تلك القرارات التي يتخذها هذا الشخص بالنسبة لموضوع معين". وعرَّفها آخر بأنها "درجة الاختلافات في التدفق النقدي للاقتراح الاستثماري عن التدفق النقدي المقدر أو المتوقع له". أو هي احتمالية تعرض المشروع أو المنشأة إلى خسائر غير متوقعة وغير مخطط لها، أو تذبذب العائد المتوقع على استثمار معين.

 

وهناك نوعان من المخاطر، هما: المخاطر النظامية (أو العامة)، والمخاطر غير النظامية (أو الخاصة).

 

ونعني بالمخاطر العامة أو المخاطر الأساسية؛ وهي الأخطار التي تكون مسبباتها خارج نطاق السيطرة، وتتعدى تأثيراتها الفرد أو المنشأة، إذ تشمل المجتمع بأسره أو جزءاً كبيراً منه (كالحروب، والكساد الاقتصادي، والبطالة، والتضخم...)، أو هي المخاطر التي تؤدي إلى تقلب أو تغير العائد المتوقع لكل الاستثمارات القائمة أو المقترحة في كل المؤسسات العاملة في المجتمع... وتلك المخاطر غير قابلة للتأمين بشكل عام، حيث يصعب التنبؤ بها، إذ لا يمكن تحديدها وقياسها، ومن ثم لا يمكن تجنبها ومواجهتها لأنها تمس حركة السوق وتقلباته المستقبلية.

 

بينما المخاطر الخاصة أو غير النظامية؛ فهي المخاطر المختلفة عن المخاطر العامة، حيث لا يتعدى تأثيرها المجتمع بكامله، وتحدث نتيجة عوامل طارئة تصيب منشأة بعينها وتؤثر في الوضع المالي لها (مثل: تغير أذواق المستهلكين لمنتجات المشروع، السرقة، الحريق، إضراب العمال عن العمل، الدعاوى القضائية...). وهي من المخاطر القابلة للتأمين، حيث يمكن تقديرها وقياسها، ومن ثم التقليل منها.

 

كما تصنف المخاطر إلى مخاطر اجتماعية ومعنوية (كحوادث الوفاة مثلاً التي تؤثر نفسياً في صاحب المشروع أو المنشأة)، وأخرى اقتصادية ومالية (أي التي تتسبب بخسارة مالية للمنشأة، كفقدان الدخل أو نقصانه، أو انخفاض في المبيعات، أو خسارة قيمة بعض الأصول نتيجة حريق مثلاً، أو تأثر عناصر الإنتاج بشيء ما)، وقد تؤثر المخاطر الاجتماعية أحياناً وتتداخل مع المخاطر الاقتصادية.

 

وهناك أيضاً المخاطر الشخصية التي يتسبب بها الإنسان نفسه لتحقيق منفعة شخصية له، كالمضاربات التي قد يفشل بها وتتسبب له بخسائر مادية)، والمخاطر الطبيعية التي تكون نتيجة ظواهر طبيعية وعامة ليس للإنسان دخل فيها وينجم عنها خسارة مالية مؤكدة (كأخطار الكوارث الطبيعية، ومنها: الحرائق والزلازل والفيضانات... التي يترتب عليها خسارات مالية كبيرة).

 

وإذا أخذنا المخاطر الاقتصادية عموماً؛ فإنه يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع رئيسة، وهي: أخطار الأشخاص، وأخطار الممتلكات، وأخطار المسؤولية المدنية عن الغير.

 

وتتضمن أخطار الأشخاص الخسائر المادية التي تصيب الأشخاص الطبيعيين، إما في أجسامهم (كالوفاة أو الأمراض أو إصابة عضو من أعضاء جسمهم أو العجز أو الشيخوخة)، أو في دخلهم المادي الذي يحصلون عليه من أعمالهم (البطالة، تقلبات الأسعار وتراجع الأرباح)، أو من الاثنين معاً.

 

أما أخطار الممتلكات؛ فهي الخسائر المادية الناجمة عن حوادث طارئة تصيب تلك الممتلكات سواء كانت ممتلكات ثابتة (أراض وعقارات، مبان ومنشآت وطرق...)، أو كانت ممتلكات منقولة (مركبات ووسائط نقل وأثاث...) مسببة لها أضراراً مادية. ومن أمثلة هذه الأخطار: الفيضانات، الغرق، الحرائق، الحروب والانفجارات، التهدم، السطو بهدف السرقة، التصادم.

 

وتتجلى أخطار المسؤولية المدنية بمسؤولية الشخص أمام القانون تجاه الغير فيما ألحقه بهم من أضرار، سواء في أشخاصهم أو في ممتلكاتهم، أو في كليهما معاً. وما يترتب عليه قانوناً من التزامات مالية كتعويضات على من وقع عليهم الضرر. ومن أمثلة هذه الأخطار: مسؤولية الطبيب تجاه مرضاه عند ارتكابه خطأً طبياً أدى إلى ضررٍ صحي لمريضه، ومسؤولية صاحب العمل تجاه عماله، ومسؤولية سائقي السيارات تجاه المارة عند حصول الحوادث، ومسؤولية شركات الطيران تجاه الركاب عند فقدان أمتعتهم أو تضررها.

 

ومن المخاطر الاقتصادية التي تتعرض لها المنشآت والمؤسسات أيضاً؛ المخاطر التشغيلية للمشروع، مخاطر السيولة، مخاطر التقلبات الحادة في السوق (تغيرات الأسعار، تغيرات أسعار الفائدة)، مخاطر نتيجة تغير التكنولوجيا المستخدمة، مخاطر تغير أو سوء الوضع الاقتصادي للبلد بما فيها تقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية، أو وجود عقوبات اقتصادية على البلد تؤثر في خطط المشروع، مخاطر أسعار الفائدة، مخاطر الائتمان.

 

وفي جميع الأحوال يجب أن يكون لدى مديري المشاريع ومستشاريهم المقدرة على التنبؤ بتلك المخاطر وتحليلها قبل وقوعها، وأن تكون لديهم الخطط الكفيلة والمعرفة الكافية بكيفية إدارة المخاطر الكمية والنوعية التي يمكن أن تتعرض لها مشاريعهم والسيطرة عليها، وآليات تجنبها قبل وقوعها. وهنا يأتي دور الفكر الاقتصادي الذي يقوم بتوصيف تلك المخاطر وقياسها والإفصاح عنها بالشكل الذي يمكن من مجابهتها حين وقوعها وإدارتها واتخاذ القرارات الاستثمارية والقرارات الأخرى المتعلقة بالصحة والسلامة الاقتصادية والمالية لتك المشاريع.

 

إذ إنه من غير المنطقي، وبعيد عن الواقع، لدى المحللين الاقتصاديين افتراض "حالة التأكد التام" عند دراسة المشاريع الاستثمارية، لأن ذلك الافتراض سيؤدي إلى نتائج غير دقيقة ومضللة في أغلب الأحيان في مجال اتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية؛ حيث إن كل مشروع مهما كان شأنه وطبيعته، ومهما كانت الجهة الدارسة له، لابد أن يخضع إلى الظروف المستقبلية غير المؤكدة. وإن معرفة المخاطر وتقديرها من العوامل الرئيسة في نجاح المشاريع وتطورها المستقبلي ووصولها لأهدافها المنشودة. ولما كانت الغاية من إقامة أي مشروع هو الحصول على أعلى عائد ممكن؛ فإنه يتحتم على إدارة المشروع ومخططيه أن يضعوا في حسبانهم موضوع المخاطر المستقبلية التي قد يتعرض لها المشروع وكيفية مجابهتها وتقويمها وإدارتها بطريقة علمية صحيحة، ورصد المال اللازم لذلك.

 

وعليه يمكننا القول إنه على الرغم من أن صاحب المشروع يمكنه اتخاذ القرارات المناسبة لسيرورة مشروعه المستقبلي لتحقيق أهدافه؛ إلا أن هذه القرارات تكون دائماً غير معلومة النتيجة وقد لا يمكنه تحقيقها، أي إنه يكون في "حالة خطر" لسببين؛ أولهما: أن الإنسان لا يمكنه الوصول إلى التنبؤ المستقبلي الدقيق، وهذا أمر طبيعي. وثانيهما: أن الإنسان لا يعلم الغيب، وهو معرض دوماً لظواهر طبيعية ضارة قد تؤثر في مشروعه. ولكنه يجتهد في اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة، رغم أنه يعتريه حالة معنوية تُوصف بأنها "الخطر"، وهي حالة عدم التأكد تماماً بماهية وطبيعة الخطر وما احتمال وحجم الخسارة التي قد تحدث له نتيجة أي حادث مستقبلي.

 

كيف يأتي الخطر؟ أي ما مسبباته؟

 

من الطبيعي أن الحياة لا تسير على وتيرة ثابتة وإيقاع واحد بشكل دائم ومستمر؛ إذ لابد أن يعتريها بعض المنغصات والمكدرات التي قد تغير الظروف والأحوال من حال إلى حال، وهذه سنة الحياة وسنة الكون. فهناك ظواهر متعددة الأسباب تؤثر في حياة الأشخاص وأعمالهم وممتلكاتهم ومن ثم على قراراتهم، يمكن أن نسميها "مسببات الخطر الأساسية". منها ما تعود أسبابه إلى ظواهر كونية طبيعية (كالعواصف والفيضانات والزلازل والبراكين...)، ومنها ما تعود أسبابه إلى ظواهر عامة (كالسرقة والحريق والوفاة والغرق والحروب...).

 

كما أن هناك عوامل أخرى مساعدة تزيد من المخاطر وتأثيراتها، وهي نوعان: الأولى عوامل موضوعية، والثانية عوامل شخصية. أما الأولى، أي العوامل الموضوعية؛ فتكون عادة في الشيء موضوع الخطر ذاته فتزيد من احتمالات وقوعه، ومن درجة خطورته (مثل قيادة سيارة بها خلل فني في الفرامل أو في الإطارات ما يسبب حوادث السيارات، واستخدام الأخشاب في البناء قد تسبب ظاهرة الحريق، كما أن الحروب والأوبئة والأمراض والمجاعات هي أسباب موضوعية لظاهرة الوفاة...). وأما الثانية، أي العوامل الشخصية؛ فهي تنتج عن الإهمال وعدم المبالاة بما يمكن أن يترتب من خسائر مادية نتيجة التصرفات، سواء كانت إرادية أو غير إرادية، التي تؤدي إلى تحقق الخطر (مثلاً: إشعال عود الثقاب بهدف التدخين في أمكنة معينة كالكازيات قد يؤدي إلى حريق كبير). وتلك العوامل ناجمة عن تدخل الأيدي البشرية في سيرورة الأمور الطبيعية والتأثير فيها لأهداف شخصية مصلحية.

 

وعليه؛ فإنه على متحذ القرار دراسة وتحليل مسببات المخاطر التي من الممكن أن تتعرض لها المشاريع والمنشآت بجميع أنواعها للوقوف على ما يمكن أن يقوم به من تصرفات وإجراءات حيالها بهدف التخفيف من درجة وحدة خطورتها والحد من حجم الخسائر ما أمكن.

 

الحوادث:

 

وهي الوقائع التي تحدث في حياة الأشخاص أو المجتمعات كنتيجة لتحقق مسببات المخاطر الأساسية، التي سبق الحديث عنها أعلاه، أي الظواهر الطبيعية والعامة، على شكل حوادث ملموسة تقع على الأفراد أو المنشآت والمشاريع والتي يترتب عليها وقوع خسائر مادية في دخولهم أو ممتلكاتهم.

 

الخسائر:

 

وهي النتيجة النهائية لوقوع الحوادث عند تحقق مسببات المخاطر (الطبيعية والعامة)، وتكون كنقص أو فناء، مباشر أو غير مباشر، للدخول أو للممتلكات، أو كليهما، للأفراد أو للمنشآت، والتي يمكن تقييمها مادياً. أما الخسائر التي لا يمكن تقييمها مادياً (أي الخسائر المعنوية) فتستبعد.

 

وهناك طرق وأساليب رياضية وإحصائية لقياس المخاطر بأنواعها ودرجة خطورتها واحتمالات وقوع الخسائر وشدتها، وهناك بحوث عديدة في هذا المجال لن نخوض فيها وربما تناولناها في مقالات قادمة إن شاء الله.

 

إدارة المخاطر:

 

إدارة المخاطر تعني إيجاد أفضل الوسائل، واختيار أنسب السياسات أو البدائل، للتعامل مع كل المخاطر بشكل عام، ومع كل خطر بشكل خاص، وفقاً للمعايير العلمية والإحصائية والاقتصادية والمالية، بأقل التكاليف الممكنة وفي حدود الموارد والإمكانيات المتاحة لدى المشروع أو المنشأة المعرضة للخطر. وهي أداة من أدوات التخطيط تهدف إلى توفير الطمأنينة والأمن والسلامة للمشاريع والمنشآت بانتهاج الطرق الكفيلة بمواجهة الأخطار التي تجابهها والتقليل من النتائج السلبية الناجمة عنها.

 

وعلى القائمين على إدارة المشروعات وضع السياسات والإجراءات المناسبة لمواجهة الخسائر المتوقعة والحد منها واتخاذ القرارات الاقتصادية الصائبة في هذا الصدد لكي يصلوا بمشروعاتهم إلى الهدف النهائي المنشود، وهو تحقيق الربح.

 

ولقد أصبح لدى بعض المشروعات والمنشآت الكبيرة وظيفة إدارية تحت مسمى "إدارة المخاطر" لا تقل في أهميتها عن الإدارة المالية للمشروع، وهي من الوظائف الإدارية المهمة للمشروع يديرها فنيون محترفون متخصصون في إدارة المخاطر يُسموَّن "مديرو المخاطر"، يعمل تحت إشرافهم كادر متخصص (محترف) مؤهل وقادر على التعامل مع كل المخاطر التي تعترض المنشأة. ويقوم عمل تلك الإدارة على ما يلي:

 

١- اكتشاف ودراسة كل الأخطار التي قد تعترض المنشأة والبحث عن مسبباتها.

 

٢- تقدير الآثار المحتملة لتلك المخاطر في الممتلكات والأشخاص وتحليلها.

 

٣- دراسة احتمالات الخسائر التي قد تنجم عن كل خطر من الأخطار وقياسها والتنبؤ بسيرورة الخطر في المستقبل، والتهيؤ لمواجهته.

 

٤- التعامل مع الأخطار باختيار أفضل الأساليب تأثيراً وملاءمة، من خلال المفاضلة بين البدائل المختلفة، والتي تشمل: تجنب الخطرـ تقليل معدلات الخسائر التي سوف تحدث- الاحتفاظ بالخطر داخلياًـ تحويل الخطر إلى الغيرـ التأمين الذاتي- التأمين لدى الغير.

 

وبمرور الوقت توسعت وظيفة إدارة المخاطر، وأصبحت بعض إدارات المخاطر منفصلة عن الشركات والمنشآت وتتولاها الشركات التأمينية المتخصصة، وأصبح مديرو إدارة المخاطر مديرين للتأمين.

 

واستكمالاً للموضوع سنتحدث في مقالة قادمة عن "سياسات إدارة الأخطار أو المخاطر والأهمية الاقتصادية والاجتماعية للتأمين على الأفراد والمشروعات والمنشآت".

بقلم الباحث م. حسام القصار