يعد قطاع التأمين أحد الركائز الأساسية لاقتصاد أي دولة، إذ يعد أحد العوامل الأساسية للنمو والتطور الاقتصادي ومؤشراًَ إلى مدى فعالية وتطور اقتصاديات الدول، ففي ظل عولمة عامل المال والأعمال عرفت شركات التأمين توسعاً وتطوراً كبيرين سواء في مجال النشاط أو الحجم أو تنوع الخدمات التأمينية المقدمة، صاحب هذا التطور والتوسع لشركات التأمين تشابك وتعقيد العمليات المالية على مستوي الأسواق المالية بين هذه الشركات والمؤسسات المالية الأخرى ما أثر بشكل كبير في وضوح الرؤية والعلاقة بين الأطراف المختلفة ذات المصلحة (المساهمون، العملاء، الموظفون، الدولة).
لهذا السبب أصبح لزاماً تطوير طرق وأساليب الإدارة، وكذلك أنظمة الإشراف والرقابة على شركات التأمين، من خلال توظيف وابتكار آليات جديدة تضمن للمؤسسات التأمينية تحقيق أهدافها وتنظم العلاقة بين الأطراف ذات المصلحة وتحقيق التوازن بينها، هذه الطرق تستند إلى ما يسمى الإدارة الرشيدة أو آليات الحوكمة.
مفهوم حوكمة الشركات
الملاحظ أن مفهوم مصطلح حوكمة الشركات مازال غائباً في السياق العربي، والتعبير عنه باللغة العربية هو تعبير قاصر، لأن كلمة حوكمة في حد ذاتها ليست اسماً ثابتاً أو معروفاً في اللغة العربية، إلى جانب ذلك فإن الكتّاب في البداية لم يتفقوا على تعريف محدد أو ترجمة لمصطلح Corporate) (Governance حيث يرى البعض تسميتها الإجراءات الحاكمة، ويرى البعض الآخر تسميتها التحكم في المنشأة، بينما يرى آخرون تسميتها التحكم المؤسسي.
يمكن تلخيص المعاني الأساسية لمفهوم حوكمة المؤسسات كالتالي:
أ - مجموعة من الأنظمة والقوانين والقواعد الخاصة بالرقابة على أداء المؤسسات.
ب - تنظم العلاقات بين مجلس الإدارة والمديرين والمساهمين وأصحاب المصالح الأخرى.
ت - تأكيد أن المؤسسات يجب أن تُدار لفائدة أصحاب المصالح.
ث - مجموعة من القواعد يتم بموجبها إدارة المؤسسة والرقابة عليها وفق هيكل معين. يتضمن توزيع الحقوق والواجبات بين المشاركين في إدارة المؤسسة مثل مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين والمساهمين.
- نظام حوكمة المؤسسات
يعد نظام الحوكمة من النظم المرتبطة بتطبيق سياسات الحرية الاقتصادية وبتفعيل وأحكام آليات السوق، وفي الوقت نفسه فهي نظام يعمل على جذب الاستثمارات إلي دولة من الدول وإلي مؤسسة من المؤسسات، فهي ترتبط بعمليات تحقيق القيمة المضافة، وكذلك التراكم الرأسمالي ما يؤدي إلى تحقيق نتائج ملموسة، وتتلخص مدخلات الحوكمة وكيفية تشغيلها فيما يلي:
أ -مدخلات النظام: حيث يتكون هذا الجانب مما تحتاج إليه الحوكمة من مستلزمات، وما يتعين توفيره لها من متطلبات، سواء كانت متطلبات قانونية، تشريعية، إدارية واقتصادية.
ب - نظام تشغيل الحوكمة: ويُقصد بها الجهات المسؤولة عن تطبيق الحوكمة، وكذلك المشرفة على هذا التطبيق، وجهات الرقابة وكل أسلوب إداري داخل المؤسسة أو خارجها مساهم في تنفيذ الحوكمة، وفي تشجيع الالتزام بها وفي تطوير أحكامها والارتقاء بفاعليتها.
ت - مخرجات نظام الحوكمة: الحوكمة ليست هدفاً في حد ذاتها، ولكنها أداة ووسيلة لتحقيق نتائج وأهداف يسعى إليها الجميع، فهي مجموعة من المعايير والقواعد والقوانين المنظمة للأداء والممارسات العلمية والتنفيذية للمؤسسات، ومن ثم الحفاظ على حقوق أصحاب المصالح وتحقيق الإفصاح والشفافية.
فالحوكمة أداة تسمح بتحسين الجوانب الآتية:
أ - حماية حقوق المساهمين.
ب - حماية حقوق أصحاب المصالح.
ت – تحقيق الإفصاح والشفافية.
ث - تأكيد المعاملة المتساوية والعادلة بينهم.
ج - تفعيل مسؤوليات مجلس الإدارة.
ومنه يمكن أن نستخلص أن نظام حوكمة المؤسسات يتضمن مجموعة من المتطلبات القانونية والتشريعية، الإدارية والاقتصادية، بوصفها مدخلات والتي تحكمها منهجيات وأساليب، وتستخدم في ذلك آليات كالمراجعة الداخلية، المراجعة الخارجية، لجنة المراجعة، مجلس الإدارة، المنظمات المهنية والجهات الرقابية، والتي تتفاعل بينها، وهذا من أجل تحقيق مخرجات أو نتائج تعمل على إدارة المؤسسة ومراقبتها بما يحفظ حقوق أصحاب المصالح وتحقيق الإفصاح والشفافية.
- مبادئ حوكمة المؤسسات:
المقصود بمبادئ حوكمة المؤسسات القواعد والنظم والإجراءات التي تحقق أفضل حماية وتوازن بين مصالح مديري المؤسسة والمساهمين فيها، وأصحاب المصالح الأخرى المرتبطة بها، وهناك خمسة مبادئ أساسية لترسيخ قواعد الحوكمة وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إضافة إلى المبدأ السادس الذي تم وضعه بعد مراجعة هذه المبادئ سنة 2004 تتعلق بـ:
1- وضع أسس نظام فعال لحوكمة المؤسسة :ينبغي على نظام حوكمة المؤسسة أن يسهم في تحقيق الشفافية وكفاءة الأسواق، وأن يكون متوافقاً مع دولة القانون، ويحدد بشكل واضح توزيع المسؤوليات بين الهيئات المتخصصة في مجال الرقابة، التنظيم، وتطبيق النصوص.
2- حقوق المساهمين وأهم وظائف أصحاب رأس المال: ينبغي لأي نظام حوكمة أن يحمي ويسهل ممارسة المساهمين لحقوقهم.
3- معاملة عادلة للمساهمين: ينبغي أن يضمن نظام حوكمة المؤسسة معاملة عادلة لكل المساهمين، بمن فيهم الأقلية والأجانب. وكل المساهمين يجب أن يحصلوا على تعويض فعلي عند التعدي على حقوقهم.
4- دور مختلف لأصحاب المصلحة في حوكمة المؤسسة: ينبغي أن يعترف نظام حوكمة المؤسسة بحقوق مختلف أصحاب المصلحة، وفقاً للقانون الساري أو وفقاً للاتفاقيات المتبادلة، ويشجع التعاون الفعال بين الشركات ومختلف أصحاب المصلحة بهدف خلق الثروة، وضمان استمرارية المؤسسات ذات الصحة المالية.
5- الشفافية ونشر المعلومات: ينبغي على نظام حوكمة المؤسسة أن يضمن نشر المعلومات الصحيحة، في الوقت المناسب، عن كل المواضيع المهمة المتعلقة بالمؤسسة، ولاسيما الوضع المالي، النتائج، المساهمون وحوكمة المؤسسة .
6- مسؤولية مجلس الإدارة: ينبغي على حوكمة المؤسسة أن تؤمِّن قيادة استراتيجية للمؤسسة ورقابة فعلية للتسيير من مجلس الإدارة، وكذلك مسؤولية وأمانة مجلس الإدارة تجاه الشركات ومساهميها.
وقد بينت المبادئ العالمية المذكورة للحوكمة بأن أعضاء مجلس الإدارة يضطلعون بنوعين من الواجبات عند قيامهم بعملهم وهما:
واجب العناية اللازمة (Care Of Duty):
ويتطلب أن يكون مجلس الإدارة يقظاً وحذراً، وأن يبذل الجهد والحرص والعناية اللازمة في اتخاذ القرار، وأن يتوافر في الشركة إجراءات وأنظمة كافية وسليمة. وأن تكون الشركة ملتزمة بالقوانين والأنظمة والتعليمات الموضوعة.
واجب الإخلاص في العمل (Loyalty Of Duty):
ويشمل ذلك المعاملة المتساوية للمساهمين والمعاملات مع الأطراف ذات المصالح ووضع سياسات ملائمة للرواتب والمكافآت وغير ذلك.
وتدعو هذه المبادئ إلى تدريب وتثقيف أعضاء مجلس الإدارة، وأن يكون لديهم خبرات ومهارات عند شغلهم عضويتهم من أجل تحسين أداء المجلس، ولقد تم تطوير ممارسات وآليات عمل لضمان قيام مجلس الإدارة بإصدار أحكام موضوعية مستقلة خصوصاً، وقد تطورت الرقابة في الأسواق المالية، كما شهد العامل انهيارات عديدة ناجمة عن عدم استقلالية وموضوعية قرارات مجلس الإدارة.
أهمية حوكمة الشركات:
إن العولمة وتحرير أسواق المال العالمية فتحت أبواباً جديدة أمام المستثمرين لتحقيق أرباح كبيرة، وأصبح لزاماً عليهم البحث عن المؤسسات التي بها هياكل سليمة، والتي تمارس الحوكمة لإدارة المؤسسة وتسمح لهم بالمشاركة في الإشراف عليها، لذلك تعد الحوكمة من ضمن المعايير الدولية المعتمدة للحكم على الاقتصاد الوطني، كما أنها في جانب آخر تسهم في ضمان حقوق المساهمين في المؤسسة، وتعد واحدة من أهم الآليات والمعايير التي تسهم في قياس مدى انتظام وكفاءة أسواق رأس المال الصاعدة والمتطورة.
فحوكمة المؤسسات تقوم أساساً على تحديد العلاقة بين المستثمرين، ومجالس الإدارة، والمديرين وحملة الأسهم وغيرهم. وتهدف إلى زيادة قيمة استثمارات حملة الأسهم إلى أقصى درجة ممكنة على المدى الطويل، وذلك عن طريق تحسين أداء المؤسسات، وترشيد اتخاذ القرارات فيها. ويتضمن ذلك إعداد حوافز وإجراءات تخدم مصالح حملة الأسهم.
ويمكن توضيح أهمية الحوكمة فيما يلي:
1- الحاجة إلى الفصل بين الملكية وإدارة المؤسسات في ظل اختلاف الأهداف وتضاربها بين مختلف الأطراف.
2- تسهم الحوكمة في تقليل المخاطر وتحسين الأداء وفرص التطور للأسواق وزيادة القدرة التنافسية للسلع والخدمات وتطوير الإدارة وزيادة الشفافية، كما تسهم في زيادة أعداد المستثمرين في أسواق المال.
3- مساعدة البلدان التي تحاول كبح جماح الفساد المتفشي داخل القطاع العام أو بصدد طرح القطاع العام للخصخصة.
4- إعداد الإطار العام الذي تُحدد من خلاله أهداف الشركة والسبل اللازمة لتحقيق هذه الأهداف.
5- مساعدة المؤسسات والاقتصاد بشكل عام على جذب الاستثمارات ودعم أداء الاقتصاد والقدرة على المنافسة على المدى الطويل عبر عدة طرق وأساليب من خلال التأكيد على الشفافية في معاملات الشركة، وفي عمليات وإجراءات المحاسبة والتدقيق المالي والمحاسبي.
6- منع حدوث أزمات مصرفية حتى في الدول التي ليس فيها تعامل نشط على معظم مؤسساتها في أسواق الأوراق المالية.
7- تطبيق أسلوب ممارسة سلطة الإدارة يقوي ثقة الجمهور في صحة عملية الخصخصة، ويساعد على ضمان تحقيق الدولة أفضل عائد على استثماراتها، وهو بدوره يؤدي إلى المزيد من فرص العمل والتنمية الاقتصادية.
أهداف حوكمة الشركات:
يساعد الأسلوب الجيد لحوكمة الشركات في دعم الأداء الاقتصادي والقدرات التنافسية وجذب الاستثمارات للشركات والاقتصاد بشكل عام من خلال الوسائل التالية:
- زيادة ثقة المستثمرين في أسواق رأس المال وتشغيل نظام السوق بصفة فعالة.
- خلق حوافز ودوافع لدى مجلس إدارة الشركة نحو متابعة تحقيق الأهداف التي تحقق مصالح الشركة.
- فرض الرقابة الفعالة على الشركة.
- تمكين الشركة من التمتع بمركز تنافسي جيد بالنسبة لمثيلاتها في سوق رأس المال.
- تدعيم النزاهة والكفاءة في أسواق المال.
- إيجاد الهيكل الذي تتحدد من خلاله أهداف الشركة ووسائل تحقيق تلك الأهداف ومتابعة الأداء.
- توسيع مسؤولية الرقابة في المؤسسة إلى كلا الطرفين، مجلس الإدارة والمساهمون ممثلين بالجمعية العمومية للشركة.