تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x
الريبورتاج

العظم .. رؤية تحليلية للسوق

 

 

بعد مرور خمس سنوات على إعادة تنظيم (Deregulation) سوق التأمين السوري شهد قطاع التأمين في سورية العديد من التطورات التي طرأت في مجال قطاع التأمين كان أبرزها تأسيس هيئة الإشراف على التأمين، ودخول شركات التأمين الخاصة وتأسيس اتحاد شركات التأمين، الأمر الذي يحتم علينا إمعان النظر فيما تم تحقيقه وما الذي ينتظر التحقيق، وبشكل موجز يمكن أن نبرر ما يلي:

 

الحضور الإعلامي المكثّف:

بالتأكيد كان للتغيرات المذكورة دور في زيادة تسليط الضوء الإعلامي بمختلف وسائله على قطاع التأمين وتم طرح ومناقشة العديد من المسائل المتعلقة به، ما أدى إلى زيادة الاهتمام بالتأمين من قبل عموم الناس به ولو بشكل حذر نسبياً.

ونجد أنه من الضروري تكثيف هذا الحضور مع الانفتاح بشكل أكبر على ما يجري من أحداث وتطورات على صعيد القطاعات والأنشطة التأمينية في باقي دول العالم، وبالأخص دول الجوار وإسقاطه على السوق السورية.

 

هيئة الإشراف على التأمين:

على المستوى التنظيمي والتشريعي أدى الانفتاح في سوق التأمين السوري بالقطاع الخاص إلى تحفيز الجهات والهيئات للعمل على استصدار قرارات وتعليمات تنفيذية تتلاءم مع طبيعة السوق الناشئة مع السعي لمجاراة الحداثة والتطوير الدائم لهذه التشريعات مراعية بذلك طبيعة وتجارب أعمال التأمين في الأسواق المتقدمة.

وقد نجحت الهيئة إلى حد بعيد في تحقيق التوازن بين القيام بدورها كهيئة إشرافية على التأمين وبين ما يرافق ذلك من ضرورات رقابية من جهة واحترام حرية عمل وتصرف كل الشركات بالطريقة التي تجدها ملائمة لإنجاح أعمالها فنياً واستثماريا، وهذا كله بالطبع مع الحفاظ على استقرار سوق التأمين الحديثة.

ومن الملاحظ أن هيئة الإشراف تدرك أيضاً ضرورة اتباع منهج مرن في تطبيق وإصدار تعليماتها، فهي تبدي استعدادها بشكل مستمر لتطوير وتحديث الأنظمة والتعليمات التي تتعلق بالأمور المستجدة التي تستدعيها ضرورات السوق الناشئة، كالعمل على إيجاد حلول للتأمينات الصغيرة (قيمة رسم الطابع الثابت) وإعادة النظر في تعرفة التأمين البحري.

ونجد أن هناك ضرورة تستدعي الدراسة الجادة لإيجاد حلول تشريعية لتنشيط كل طرق الإنتاج بما يتلاءم مع وضع السوق وتطلعات الهيئة. إضافة إلى ضرورة الإشراف على تطبيق كل تعليمات الهيئة بشكل كامل لإعطاء كل الشركات فرصاً منافسة متساوية للعمل.

 

خلق وظائف عمل جديدة:

أدى دخول الشركات الخاصة سوق التأمين السورية إلى زيادة الطلب على الكوادر البشرية المتدربة وغير المتدربة للعمل في شركات التأمين، كما زاد الطلب على مقدمي الخدمات التأمينية مثل الوكلاء والخبراء ومقيمي ومسوي الخسائر الخ، ومن ثم هذا أدى بدوره إلى خلق فرص عمل جديدة.

كما أن كيفية عمل الشركات الخاصة وسياسات التوظيف التي لديها أدّت أيضاً إلى تغيّر مفهوم العمل التأميني لدى طالبي التوظيف، حيث نجد قبولاً جيداً وقوياً وخاصة من خريجي الجامعات، حيث  زاد عدد العاملين في هذا القطاع على أضعاف ما كان قبل افتتاح السوق.

 

زيادة الأعمال المؤمَّنة في سورية:

لقد زادت أقساط التأمين منذ عام 2005 حتى 2008 من 6.7 مليارات ل.س إلى 12.4 مليار ل.س، ومن المتوقع أن يكون حجم الأعمال المقدرة مع نهاية 2009 يزيد على 13.5 ملياراً، وهذا مؤشر جيد على تطور السوق وخاصة إذا أخذنا بالحسبان تراجع أسعار منتجات التأمين التي انخفضت في بعض الأحيان إلى أكثر من 50%، وبهذا فإن الأعمال المؤمَّنة زادت في السنين القليلة الماضية بما يفوق الضعف بشكل كبير.

ولكن هذه الزيادة وإن كانت مؤشراً مشجّعاً فإنها في الوقت ذاته يجب ألا تشكل إلا البداية لانطلاقة أوسع بكثير، وخاصة إذا نظرنا إلى عدد الشركات العاملة في السوق ورساميلها المرتفعة نسبياً والملاءة المالية التي تتمتع بها.

والهدف الأقرب لكل الشركات يجب ألا يقل عن 25 مليار ليرة سورية لكي تتمكن من الوصول خلال فترة منظورة إلى أقساط سوقية تماثل على الأقل خمسة أضعاف رساميل الشركات العاملة به.

وبالتأكيد سيكون للتأمينات الإلزامية دور مهم في تنشيط قطاع التأمين، حيث سيفتح هذا لشركات التأمين المجال لتثبيت دورها الإيجابي في الاقتصاد عن طريق الالتزام بدفع كل حقوق حملة وثائق التأمين بشكل مريح، ما سيزيد ثقة المؤمِّنين بالتأمين، ويزيد من ثقتهم وقناعتهم بفوائد خدماته.

 

دخول شركات تأمين تكافلية:

بالنسبة لنا يشكل دخول شركات تأمين تكافلية إلى السوق السورية في أواخر سنة 2008 خطوة مهمة في تطور السوق، حيث فتح بذلك المجال لطالبي التأمين الخيار بين شركات تعمل بالنظام التقليدي، وشركات تعمل بالمبدأ التعاوني وتوظف أموالها باستثمارات غير ربوية، أي شركات تقدم حلولاً تأمينية متماشية مع الفكر الاقتصادي الإسلامي، وتعطي بالوقت ذاته تغطيات تأمينية مماثلة لتغطيات الشركات العاملة بالنظام التقليدي، وقد استطاعت الشركات التكافلية خلال فترة وجيزة الحصول على حصة سوقية تعادل نحو 6.5% لنهاية الربع الثالث من عام 2009 والتي تعد جيدة وخاصة إذا ما رُوعي «كونها» بمنزلة السنة الفعلية الأولى لدخول الشركات التكافلية إلى السوق، ومقارنة الحصص السوقية لباقي الشركات التي تعمل في السوق منذ بداية افتتاحه، مع العلم أن وسيط (MEDIAN) حصص السوق يمثل 4% لغاية الربع الثالث لعام 2009.

 

المنافسة:

لعل أهم التغيرات التي حصلت خلال السنين الماضية هي دخول عنصر المنافسة إلى السوق السورية، الأمر الذي يحمل في طيّاته منافع عديدة للمستهلك سواء عن طريق تنوع الخدمات ومستوى جودتها المقدمة له وكيفية توصيلها إليه، وسواء كانت شركات تأمين تكافلية أو تقليدية.

بالتأكيد فإن أسعار المنتجات التأمينية المقدمة والتي انخفضت بشكل ملحوظ أصبحت بمستوى أسعار دول الجوار، وفي بعض الأحيان أقل منها، وجميع ذلك ينطوي على جوانب إيجابية تصب في مصلحة المستهلك.

إن أي قطاع يريد أن يُكتب له النجاح والاستقرار على المدى البعيد، يجب أن يعمل على إنتاج مستويات ربحية تجعله قادراً على الوفاء بالتزاماته ومسؤولياته أمام حملة وثائق التأمين، وحملة أسهم الشركات، ومقدمي الخدمات التأمينية، ومعيدي التأمين، وموظفي شركات التأمين، وكل من له علاقة بهذا القطاع بشكل كامل، وبجودة عالية وبأفضل مهنية.

فتحديات السوق التأمينية السورية ونجاحاتها المستقبلية ستكون مرتبطةً بقدرة القائمين على إدارة هذه الشركات على تلبية احتياجات المستهلكين وتحقيق نمو جيد في الأقساط بأسعار منافسة، ولكن -وهذا مهم جداً- مقبولة فنياً، إن هذا التحدي –برأينا- هو أصعب ما يواجه السوق السورية والعاملين بها.

 

كسب ثقة المؤمِّنين وزيادة ثقة التأمين:

ذكرنا سابقاً أنه يوجد ضرورة لزيادة حجم أعمال السوق التأمينية السورية بشكل كبير، وبرأينا الطريق إلى إنجاح ذلك يتمثل بكسب ثقة حملة الوثائق وطالبي التأمين عن طريق تقديم خدمات جديدة ودفع المطالبات والحقوق بشكل مرضٍ، وهذا ما سيؤدي بالتأكيد «إذا تم توظيفه إعلامياً بشكل جيد» إلى ارتفاع «ثقافة التأمين» وانتشار مفهوم التأمين، إضافة إلى أن حملات توعية يجب أن تتضافر بها جميع جهود كل شركات التأمين بمساعدة اتحاد شركات التأمين بدعم هيئة الإشراف.

 

دور الاتحاد السوري لشركات التأمين:

من الأشياء الإيجابية التي حدثت في عام 2009 نشوء تجمعات التأمين الإلزامي، حيث استطعنا من خلال هذه التجمعات السيطرة والقضاء على المظاهر غير المهنية التي كانت واضحة للجميع، إضافة إلى المساهمة في تخفيض التكاليف للشركات الداخلة في التجمع، ويعد هذا انجاز مهم يحسب لكل من ساهم به وقام عليه، وقد كان للاتحاد السوري دور أساسي من ناحية التنظيم الذاتي لفكرة التجمع، بمعنى أن فكرة التجمعات قام الاتحاد السوري بطرحها وتنفيذها، وهذا يعد مثالاً جيداً يعبّر عن تكامل جهود شركات التأمين من خلال الاتحاد لحل مشكلة تتعلق بالتأمين وآلية عمله، إضافة إلى ذلك فالاتحاد السوري يساعد شركات التأمين ويزيد من خبرات العاملين فيها من خلال اللجان الفنية المتخصصة لفروع التأمين التي يتم تشكيلها للاجتماع، ومناقشة المسائل التي تتعلق بمختلف فروع التأمين، وهذا بدوره يعطي مساحة للشركات لتتبادل الآراء وتعرض وجهات نظرها في مختلف المواضيع.

  في النهاية أود أن أتوجه بالشكر للاتحاد السوري لشركات التأمين ممثلاً بمجلس إدارته وأمينه العام والقائمين عليه على الجهود التي بذلوها ويبذلونها التي تهدف إلى رفع مستوى العمل الفني والمهني للتأمين، ونشر الوعي التأميني الذي يعد واجباً على كل جهة أن تقوم به.

وبالطبع لا يمكننا أن ننسى هيئة الإشراف على التأمين على مساعدتها ودعمها الدائم لشركتنا «شركة العقيلة للتأمين التكافلي» وكل الشركات العاملة في السوق، سواء على المستوى التنظيمي والرقابي، أم على مستوى تنمية الوعي التأميني، للنهوض بقطاع التأمين، والمساهمة في تكوين اقتصاد وطني قوي.

ونتمنى لكل الشركات النجاح الدائم في أعمالها للمساهمة في بناء قطاع تأميني وطني متماسك.

 

وشكراً لكم.

أ.فراس العظم

مدير عام العقيلة للتأمين التكافلي